السلام عليكم
ارجو ان لا تملو فالكلام طويل ولكنه ممتع
واتمنى لكم الاستفادة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال احدهم :
كنت أصلي في مسجد العباس فرأيت رجلا يصلي فكذبت بصري وعدت اليه أتثبته فإذا هو يصلي صلاة خاشع متبتل وكان أخر عهدي به انه ركب طريق الغواية ثم انتهى به الامر الى الهاوية فوقع في اشتهاء راقصة مشهورة وحسب هذا الاشتهاء حبا فنسي عقله ودينه وجاد بقلبه وماله وعرفت منه الفاجرة هذه الحماسة فاستنزفت دم (جيبه) وماء قلبه ثم لم توصله إلى اربه ولم تمتعه بحبه ...ثم ابتلي بالمرض والفقر وجهنم !
..فلما رأيته في المسجد عجبت! وبعد أن سالته ,حدثني فقال :
إن الفضل لله في توبتي لله ثم للشيخ صلاح الدين أحسن الله إليه فقد هداني به وهدى به أقواما بعد إذ كانوا ضالين ...
قلت : إذ صنع ماذا ؟
قال : إذ وعظ في المراقص ,أما سمعت الحكاية ؟ لقد استفاض خبرها وتناقلته الصحف....وذلك أنه رأى المسجد لا يحضره طلاب العلم ولا الشباب وإنما من يحضر هم الشيوخ وأولئك لا يحتاجون إلى وعظ فسأل : "أين الشباب ؟" فجاءه الخبر أن الشباب في السينمات والمراقص ونوادي القمار .. قال: "وما السينمات والمراقص؟" فلم يكن الشيخ يعرف إلا مسجده وداره , فشرحوا له ما المراقص وما يجري وعن احوال النساء فيها فقال : حسبكم حسبكم ! إنا لله وانا اليه راجعون ما حسبت هذا يكون في ديار الإسلام ,قوموا بنا إلى المراقص .
قالوا: يا مولانا .... إنهم يسخرون منا ويؤذوننا ولا يصغون لمقالنا
قال: ما نخن أفضل من الأنبياء وما نفوسنا بأكرم علينا من نفوسهم , ولقد سخروا منهم وأوذوا في سبيل الله فما ضعفوا وما استكانوا وإن علينا البلاغ والهدى على الله .
وحاولوا أن يقنعوه بان يبدأ من المدارس قبل المراقص ولكن الشيخ قال : بل نبدأ بالمراقص إن شاء الله .فلما رأوا منه الجد والإصرار قالوا: أمهلنا يا مولانا حتى نحجز لك مكانا تعظ فيه الناس , وذهبوا يحجزون في(مرقص ابي النواس ) مدة ربع ساعة ما بين الفصلين ليعظ فيه الشيخ الناس , فظن أنهم مجانين .. فقبل عندما عرضوا عليه مقدارا من المال , وقد فرح الرجل بهذا الإعلان الجديد عن مرقصه فطبع إعلانات ضخمة عن (المفاجئة المدهشة ) التي ستروع الناس وربما حسبوا أنها راقصة جديدة أو رقصة مبتكرة .. وفي الليلة الموعودة رقصت "فلانة "رقصة عبقرية وبعد أن أسدل الستار جعلوا ينادون باسمها ويقرعون الأرض بأقدامهم فعل الصبيان (ورواد الملاهي لهم عقول الصبيان ) فارتفع الستار ونظروا ..... الشيخ درسه بحمد الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وربطت الدهشة ألسنة الحاضرين لحظة فكانت سكتة شاملة ثم صحا فكان الإنفجار ,وكيف لا وفيهم كل سكير ,حشاش ,ماجن وخبيث وقد جاءهم هذا الشيخ ليحدثهم حديث التقى والصلاح من فوق منصة المرقص وليقول لهم : "دعوا هذه المرأة فغنها رجس ,وغضوا عنها أبصاركم فإنها عورة وانصرفوا عن هذه البقعة فإنها دار دنس"وقد طلع عليهم وهم يرتقبون طلعة الغادة العارية المغناج ... فتصور ماذا يكون منهم لقد صفروا وسخروا ورموا عليه كل قبيح من القول , وسألوه أن يتجرد من ثيابه فيرقص لهم ويريهم غنجه و.....و.....
وهو ماض في كلامه كأنما هؤلاء ذباب يحوم حوله حتى تعب المشاغبون ومل الساخرون وكانت سكتة أخرى وهو كل ما كان يتمنى الشيخ فتمكن فيها من أذانهم ونفذ غلى قلوبهم ,فأصغوا ثم اطمئنوا ثم خشعوا ثم انقادوا إليه وتعلقوا به وحل في قلوبهم محل ( تلك) ولكن حبهم إياها كان حبا سفليا وحبهم هذا حب طاهر مقدس , وعندما انتهى قاموا معه وخرجوا وراءه وتركوا المرقص لصاحبه وللشيطان .......ولازمته كما لازمه كثير ممن كان هناك .
قلت : ألم تحفظ شيئا من كلامه ؟
قال: هيهات!إنه تكلم بكلام عال ... كنا نحس فيه ينصب في القلوب انصبابا فتتسامى اليه , وما زال يقول وهي ترتفع حتى خلصت من هذه الحمأة الدنسة التي كانت غارقة فيها إلى جو من الطهر ,إنه لم يتكلم كما نتكلم انا وانت ولا كما يتكلم (هو) فقد سمعت منه قبل ذلك اليوم غما سمعت منه مثل هذا وإني لأظن أن ملكا نطق بلسانه فمن هناك خرج الكلام نورانيا سماويا .
منقول عن كتاب (قصص من الحياة ) للشيخ علي الطنطاوي (بتلخيص)