التنافر المعرفي أو Cognitive Dissonance
منذ ما يقارب الخمسين عاما (عام 1957)، قام الباحث ليون فستنغر (Festinger)
بنشر نظرية "التنافر المعرفي" التي أصبحت ركنا مهمّا من أركان علم النفس
الإجتماعي. هذه النظرية ولّدت عددا مهماّ من البحوث والنظريات الثانوية
التي شرحت لنا الأسس النفسية للتصرّف والإعتقاد، وتشكيل المباديء، ونتائج
القرارات التي يأخذها الإنسان، وآثار الخلاف بين الأفراد وعدد آخر من
التصرفات التي لا يمكن إحصائها. ونظرية التنافر المعرفي هذه هي نظرية مهمّة
في علوم الإدارة البشرية وخصوصا في فهم ديناميكية العلاقات بين المجموعات
والأفراد.
والتنافر المعرفي، تعريفا، هي حالة تتضمن انشغال الفرد ذهنيا بموضوعين ، أو
معتقدين ، أو فكرين ، يحتلان نفس الأهمية لديه بيد أنهما متناقضتان في
طبيعتهما .
والنظرية، كما قدّمها فستنغر، تقول بأن أزواج الفهم ( شعلات المعرفة ) قد
تكون ذات علاقة أو غير مؤثّرة بالنسبة إلى بعضها البعض. فإذا ما كان هناك
فهمان ذو علاقة، فهما إمّا متّفقان أو مختلفان (متنافران). وهما يكونان
متّفقان إذا ما كان أحدها ينبع من الآخر.
وتقول النظرية أن تواجد التنافر المعرفي يخلق لدى الإنسان نوعا من الإنزعاج
النفسي مما يدفع الفرد بأن يسعى الى تقليل التنافر، مما يقود الى تفادي
المعلومات التي قد تؤدّي الى رفع مستوى التنافر المعرفي لدى الشخص. وكلّما
أزدادت حدّة التنافر، كلّما إزدادت الحاجة الى خفض مستوى التنافر.
والتخلّص من أثقال التنافر المعرفي ادى الأفراد يمكن أن يكون عبر أكثر من
وسيلة. فمن الممكن للفرد مثلا أن يضيف الى المعرفة المتوافقة لديه، أو يزيل
المعرفة المتناقضة التي تسبب له الضيق، أو لأن يستبدل المعرفة المتنافرة
بمعارف متوافقة، أو أن يضفي أهميّة خاصة على المعارف المتوافقة لكي يجعلها
أكثر أهمية من المعرفة المتنافرة.
لنأخذ مثالا عمليا يشرح هذه النظرية: فالمدخّن المدمن الذي يعلم آثار
التدخين المضرّة على صحّته، سوف يشعر بالتنافر المعرفي إذا ما استمرّ
بالتدخين. وقد يحاول هذا الفرد التخلّص من الضيق الذي يسببه التنافر عن طرق
تغيير عاداته والتوقف عن التدخين. وهذا هو نوع من الإضافة الإيجابية
للمعرفة المتوافقة إذا أنه أقرّ أن التدخين مضرّ بالصحة ويتوجّب الإمتناع
عنه. ولكن هناك طريقة أخرى للتقليل من حدّة التنافر المعرفي لديه، وهي بأن
يسعى لتغيير تصوّراته المعرفية للواقع مما يخفّف من حدّة التنافر المعرفي
لديه. فقد يقوم هذا المدخّن مثلا بإقناع نفسه أن التدخين ليس له أية عواقب
صحيّة يمكن إثباتها وهذا إزالة للفهم المختلف المسبب للتنافر. وقد ينظر
المدخن أيضا الى الأسباب الإيجابية للتدخين فيقنع نفسه أن التدخين يقلّل من
حدّة الأعصاب ويمنع الإنسان من السمنة وهذا نوع من إضافة المعارف
المتوافقة. ويمكن أيضا للمدخّن أن يضيف استمتاعه بالتدخين وأن يعتبر هذا
الإستمتاع عنصر مهمّ من عناصر استمتاعه بالحياة .. وهذه حالة أضافة أهمية
الى معرفة المتوافقة لكي تغطّي على أهمية المعرفة المتناقضة التي تزعجه
فيقلل من أهميتها.
ولو لاحظنا لوجدنا بأن نظرية التنافر المعرفي تدخل في تفسير الكثير من
المتناقضات المتعلّقة بتصرفات الأنسان التي تبدو مخالفة أو متناقضة أو
متنافرة بشكل صريح مع معرفته السليمة أوالمباديء البديهية أو المتعارف
عليها.
---
التنافر المعرفي هي ظاهرة "الإحساس بالإنزعاج، القلق، أو عدم الإرتياح"
النفسية التي ترافق تعرّض الفرد لمعلومات جديدة تتعارض والمعلومات القديمة
التي يمتلكها هذا الفرد أو "الثوابت" العلمية أو الثقافية أو الروحية ..
الخ" المتركزة في فهم هذا الفرد أو في إعتقاده أو إيمانه.
هذا التنافر المعرفي، أو الإحساس بالإنزعاج أو عدم الإرتياح، يرافق حاجة
الإنسان أن "يهضم" هذه المعلومات الجديدة والتعامل معها. ويصف بعض
الباحثون هذا الإحساس بأنه "الشرخ المتواجد بين ما يعتقده الإنسان وبين
الواقع".
هذه الظاهرة تمّ أكتشافها خلال دراسة نفسية لمجموعة دينية (cult) كانت
تعتقد أن نهاية العالم ستكون في يوم معيّن بواسطة فيضان واسع سيدمّر الأرض.
لكن، عندما مرّ التاريخ المحدد تفاجأ الباحثون أن ألمتطرّفين من أتباع هذا
المعتقد استطاعوا تعليل عدم حصول الفيضان بما يتناسب ومعتقدهم (تم إنقاذ
الأرض بسبب وجود بعض المؤمنين عليها). أما أعضاء المجموعة المعتدلين، فقد
تعرّضوا لإحساس مؤلم عارم استطاعوا بعده قبول الواقع المعاكس لما كانوا
يثقون به من معتقد (المعلومة الجديدة هي، طبعا، عدم قدوم الفيضان
منقول ....
ملاحظة على الهامش: الآن تبين لي تفاسير تصرفات كثير من الناس خاصة في الفترة الأخيرة 