في أثناء عودته من إحدى المعارك التي حقق فيها أنتصارأ كبيراَ ، وحين
وصوله إلى مملكته ، اعتلت صحة الأسكندر المقدوني ولزم الفراش شهورا عديدة
، وحين حضرت المنية الملك ـ الذي ملك مشارق الأرض ومغاربها ـ وأنشبت
أظفارها ، أدرك حينها الأسكندر أن انتصاراته وجيشه الجرار وسيفه البتار
وجميع ماملك سوف تذهب أدراج الرياح ولن تبقى معه أكثر مما بقت ، حينها
جمع حاشيته وأقرب المقربين إليه ، ودعا قائد جيشه المحبب إلى قلبه ، وقال
له : إني سوف أغادر هذه الدنيا قريباً ولي ثلاث أمنيات أرجوك أن تحققها
لي من دون أي تقصير . فاقترب منه القائد وعيناه مغرورقتان بالدموع وانحنى
ليسمع وصية سيده الأخيرة . قال الملك : وصيتي الأولى ... ألايحمل نعشي
عند الدفن إلا اطبائي ولا أحد غير أطبائي .
والوصية الثانية... أن ينثر على طريقي من مكان موتي حتى المقبرة قطع
الذهب والفضة وأحجاري الكريمة التي جمعتها طيلة حياتي .
والوصية الاخيرة : حين ترفعوني على النعش أخرجوا يداي من الكفن وابقوها
معلقتان للخارج وهما مفتوحتان .
حين فرغ الملك من وصيته قام القائد بتقبيل يديه وضمهما إلى صدره ، ثم
قال: ستكون وصاياك قي التنفيذ وبدون أي إخلال ، إنما هلا أخبرني سيدي في
المغزى من وراء هذه الأمنيات الثلاث ؟
أخذ الملك نفساً عميقاً وأجاب: أريد أن أعطي العالم درساً لم أفقهه إلا
الآن ، أما بخصوص الوصية الأولى ، فأردت أن يعرف الناس أن الموت إذا حضر
لم ينفع في رده حتى الأطباء الذين نهرع اليهم إذا أصابنا أي مكروه ، وأن
الصحة والعمر ثروة لايمنحهما أحد من البشر .
وأما الوصية الثانية ، حتى يعلم الناس أن كل وقت قضيناه في جمع المال ليس
إلا هباء منثوراً ، وأننا لن نأخذ معنا حتى فتات الذهب .
وأما الوصية الثالثة ، ليعلم الناس أننا قدمنا إلى هذه الدني فارغي
الأيدي وسنخرج منها فارغي الأيدي كذلك .
كان من آخر كلمات الملك قبل موته : أمر بأن لايبنى أي نصب تذكاري على
قبره بل طلب أن يكون قبره عادياً ، فقط أن تظهر يداه للخارج حتى إذا مر
بقبره أحد يرى كيف أن الذي ملك المشرق والمغرب ، خرج من الدنيا خالي
اليدين .
joy