ثم سألته...... لماذا أنا؟؟
ثم سألته.... لماذا أنا؟؟
... ومضت سنين تتبعها سنوات وتليها أزمان..وأنا أحاول أن أحافظ على الرمق الأخير .. أحاول ألا أفقد عقلي وأن أمسك قلبي بيدي لأفتحه متى يشاء, وأغلقه متى أشاء ... وتشاء الصدفة ألا يفتح إلا مرة واحدة ويغلق آلاف المرات ...
بكيت, ضحكت, تناسيت, كتبت, رسمت... لا فائدة..
وأخيراً خطرت لي فكرة مجنونة حمقاء.. مثلي تماماً.. فالجنون والحمق من أهم سماتي التي أحبها, والتي بسببها استطعت الخروج من دوامتي ..
فكرت في غفلة من الوقت أنني سأذهب إلى مكانه المعتاد, وتوهمت أن هناك موعد قائم حدده هو.. وأنا بدوري وبكل حب سأوافيه إلى هناك !
ذهبت فعلاً إلى الموعد المزعوم في تمام الساعة الثالثة.. تلك الساعة التي توقف عندها العمر.. عدت إلى هناك ليستعيد الزمن حركته ويتابع رحلته.
في الثالثة تماماً دخلت مكان اللقاء الأول...... لم يكن الأخير..
رأيت تلك الطاولة مكانها, لم تتحرك... الزهور البيضاء في الوسط وغطاء الطاولة الأبيض كما عهدته, لم يتبدل..شيء واحد لم يكن كما أحب وهو أنها لم تكن شاغرةً, هناك من سبقني إليها..
ياللمفاجأة ! هل يعقل أن موعدي الوهمي قد تحول إلى حقيقة ؟؟ لمْ أستبق الأحداث.. فقد قلت لنفسي لعله على موعد آخر مع قدر آخر.. أو لربما هي مصادفة وأنه سيتناول قهوته ثم يغادر.. كنت قوية, وأقوى من أن تقتلني لحظة حب جارف أو مشاعر مستعجلة.. !!
بهدوء... وصمت... تقدمت أكثر, وحين أصبحت وراءه تابعت تقدمي.. ووقفت إلى جانب الطاولة بحيث أظهر وكأنني أبحث عن أحد أو أنتظر حدثاً ما ... نظر إلي وقال: لقد تأخرتِ عمْراً... تفاجئت.. احمر وجهي خجلاً ولكنني أجبت:أزمة مواصلات..ضحك.. قال:كان بإمكانكِ أن تتوهمي الموعد قبلاً, استأنفت: ولكن أن تصل متأخراً خيراً من....قاطعني:هذه الجمل المفلسفة لم تكن يوماً على مقاس الزمن الذي قيلت فيه, اجلسي قليلاً علنا ننعش وقتاً يحتضر منذ سنين .
جلست.. وأخيراً تمكنت من النظر إلى وجهه بتمعن.. وكأنني فجأة بدأت أرغب بتفحص ذلك الخيال الذي طالما أرق ليلي وأتعب عقلي حتى حسدت المجانين الذين فقدوا عقولهم.. لم أستطع النظر إليه لأكثر من خمس ثوان, فمع كل ذلك الزمن وكل تلك السنين مازال ساحراً.. ومازال مربكاً....
مرة أخرى.. لم أستطع التكلم.. لم أعرف سوى كيف أصمت ولم أتذكر سوى.. أنني أحبه منذ زمن ولازلت أحبه حتى اللحظة..
تلك الجلسة كانت الأخيرة, بناءً على طلبه.. هو.. تحدث أخيراً وقال:أنا أحبك منذ زمن, وسأظل أحبك إلى الزمن القادم وبعد القادم.. سأحبك إلى مالا نهاية ولن أتوقف.. حتى تطلبي ذلك.. هل تقبلين بي زوجاً؟ لم يكن هنالك متسع من العمر حتى أفكر أو أندهش أو أتظاهر بالخجل.. بل أجبت وبكل ثقة:نعم... أقبل .
لقد قبلت به زوجاً وحباً ومستقبلاً, قبلت به حياةً ثانية وعمراً جديداً, أصبح هو نافذتي التي ستكشف أمامي عالماً ملوناً, مشمساً, مليئاً بالورود والأطفال..
في تلك اللحظة طلب مني أن نخرج من مكان لقائنا الأول والأخير ذاك, وألا نعود مرة أخرى إليه.. فهذا يكفي.. فيه التقينا أول مرة وعشنا تعساء سنين, وفيه التقينا مرة ثانية لنكسر اليأس ونعلن للعالم أننا معاً من جديد وبصورة أوضح..
أخبرني حينها أن المكان الذي أعلنتكِ فيه ملكاً لا يجب أن يتذكرنا إلا كزوجين عاشقين... أن يحتفظ بصورتنا معاً هكذا.. بدون رتوش الزمن الذي قد يحزننا يوماً.. وأنا.. وافقته على عجل.. كم كان محقاً!
فإلى الآن وكلما مررت من ذلك المكان.. أبتسم.. وأتذكر أجمل لحظات حياتي وهي حين طلبني للزواج..
بعد عشرين دقيقة.. خرجنا معاً من ذلك المكان الذي ضم يأسنا معاً بدايةً, وحبنا الأبدي نهايةً.. خرجنا لنعلن للجميع... أننا لن نفترق.. وأننا سنصبح روحاً واحدة وقلباً أوحداً..سيكون أنا, وأكون هو...
في الليلة التي رسمها لنا القدر بدايةً ملونةً وهادئة.. نظرت إلى وجهه الجميل الذي كان أول سبب لحبي..
ثم سألته... لماذا أنا؟.. ابتسم, وظل ينظر لساعات..
وإلى الآن وكلما ذكرته بسؤالي يقول: صدقيني لا أعلم سوى أن السبب الحقيقي هو أنــــكِ أنتِ......!!!