ما قيل في سبب هذا البيت روايتان:
أوّلها:
ما رواه المحدثون عن أبي رافع، أن أعرابياً أتى عمر فقال: يا أمير المؤمنين، إن أهلي بعيد، وإني على ناقة دبراء نقباء، فاحملني. فقال عمر: كذبت والله ما بها نقب ولا دبر ! فانطلق الأعربي فحل ناقته، ثم استقبل البطحاء وجعل يقول، وهو يمشي خلف ناقته:
أقسم باللّه أبو حفصٍ عمر
ما إن بها من نقبٍ ولا دبر
اغفر له اللهمّ إن كان فجر
ويروى: ما مسها من نقب. وعمر بن الخطاب رضي الله عنه مقبل من أعلى الوادي، فجعل إذا قال:
اغفر له اللهمّ إن كان فجر
قال: اللهم صدق ! حتى التقيا فأخذ بيده فقال: ضع عن راحلتك. فوضع، فإذا هي كما قال، فحمله على بعير، وزوده وكساه.
ثانيها:
وهذا المقدار من الرجز هو المشهور، وفي رواية الأصمعي أزيد من هذا، قال أبو عبد الله محمد بن الحسين اليمني في طبقات النحويين في ترجمة الأصمعي أخبرنا ابن مطرف قال: أخبرنا ابن دريد قال: أخبرنا عبد الرحمن عن عمه الأصمعي قال: وقف أعرابي بين يدي عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين أبدع بي وأدمت بي راحلتي، ودبر ظهرها ونقب خفها ! فقال له عمر: والله ما أظنك أنقبت ولا أحفيت، فخرج الرجل، ثم خرج عمر. قال: والرجل يقول:
أقسم باللّه أبو حفصٍ عمر
ما مسّها من نقبٍ ولا دبر
حقّاً ولا أجهدها طول السّفر
واللّه لو أبصرت نضوى يا عمر
وما بها عمرك من سوء الأثر
عددتني كابن سبيلٍ قد حضر
فرق له عمر وأمر له ببعير ونفقة. انتهى.
والدبراء، من دبر ظهر الدابة من باب فرح، إذا جرح من الرحل والقتب. وأدبرت البعير فدبر وأدبر الرجل، إذا دبر بعيره، فهو مدبر. والنقباء من نقب البعير من باب فرح أيضاً، إذا رق خفه. وأنقب الرجل، إذا نقب بعيره.
وقوله: فاحملني، أي: أعطني حملةً، وهي بالفتح ما يحمل عليه الناس من الدواب، كالركوبة.
وقوله: أقسم بالله أبو حفص عمر عمر أبو حفص: فاعل أقسم بمعنى حلف، وهو كنية عمر. واستشهد به ابن هشام في شرح الألفية في جواز تقديم الكنية على الاسم.
وقوله: ما إن بها إن زائدة. وقوله: إن كان فجر، قال ابن الأنباري في الزاهر الفاجر في كلام العرب: العادل المائل عن الخير، وإنما قيل للكذاب فاجر لأنه مال عن الصدق. وأنشد هذا الشعر.
وقوله: ضع عن راحلتك، أي: ارفع عنها قتبها. وقوله في رواية الأصمعي: أبدع بي بالبناء للمفعول، أي: انقطع بي لكلال راحلتي، فكأن راحلته جاءت ببدعة.
وقوله: ما أظنتك أنقبت ولا أحفيت كلاهما بالبناء للفاعل، يقال: أحفى الرجل إذا حفيت دابته، أي: رق خفها وحافرها من كثرة المشي. والنضو بكسر النون وسكون المعجمة: المهزول.
وقوله: عمرك مبتدأ وخبره محذوف، أي: قسمي، والجملة معترضة؛ وهي بفتح العين.
وهذا الرجز نسبه ابن حجر في الإصابة إلى عبد الله بن كيسبة، بفتح الكاف وسكون المثناة التحتية وفتح المهملة بعدها باء موحدة، النهدي. ذكره المرزباني في معجم الشعراء قال: وكيسبة أمه، ويقال اسمه عمرو. وهو القائل لعمر بن الخطاب واستحمله فلم يحمله:
أقسم باللّه أبو حفصٍ عمر
وقد ذكره في قسم المخضرمين الذين أدركوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يروه.
وزعم ابن يعيش في شرح المفصل أن الرجز لرؤبة بن العجاج. وهذا لا أصل له، فإن رؤبة مات في سنة خمس وأربعين ومائة، ولم يعده أحد من التابعين فضلاً عن المخضرمين. والله أعلم.