أنا لست بالحسناء أول مولع هي مطمع الدنيا كما هي مطمعي
فاقصص علي إذا عرفت حديثها واسكن إذا حدثت عنها واخشع
ألمحتها في صورة ؟ أشهدتها في حالة ؟ أرأيتها في موضع
إني لذو نفس تهيم وإنها لجميلة فوق الجمال الأبدع
ويزيد من شوقي إليها أنها كالصوت لم يسفر ولم يتقنع
فتشت جيب الفجر عنها والدجى ومددت حتى للكواكب إصبعي
فإذا هما متحيران كلاهما من عاشق متحيـّر متضعضع
وإذا النجوم لعلمها أو جهلها مترجرجات في الفضاء الأوسع
رقصت أشعتها على سطح الدجى وعلى رجاء فيّ في مشعشع
والبحر كم ساءلته , فتضاحكت أمواجه من صوتي المتقطع
فرجعت مرتعش الخواطر والمنى كحمامة محمولة في زعزع
وكأن أشباح الدهور تألبت في الشط تضحك كلها من مرجعي
ولكم دخلت إلى القصور مفتشا عنها وعجت بدارسات الأربع
إن لاح طيف قلت يا عين انظري أو رن صوت قلت يا أذن اسمعي
فإذا الذي في القصر مثلي حائر وإذا الذي في القصر مثلي لا يعي
قالوا : تورّع إنها محجوبة إلا عن المتزهد المتورع
فوأدت أفراحي وطلقت المنى ونسخت آيات الهوى من أضلعي
وحطمت أقداحي ولمـّا أرتو وعففت عن زادي ولمـّا أشبع
وحسبتني أدنو إليها مسرعا فوجدت أني قد دنوت لمصرعي
ما كان أجهل نصـّحي وأضلني لمـّا أطعتهمُ ولم أتمنع
إني صرفت عن الطماعة والهوى قلبي , ولا ظفر لمن لم يطمع
فكأنني البستان جرد نفسه من زهره المتنوع المتضوع
ليحس نور الشمس في ذراته ويقابل النسمات غير مقنع
فمشى عليه من الخريف سرادق كالليل خيـّم في المكان البلقع
وكأنني العصفور عرّى نفسه من ريشه المتناسق المتلمع
ليخف محمله فخر إلى الثرى وسطا عليه النمل غير مروع
وهجعت أحسب انها بنت الرؤى فصحوت أسخر بالنيام الهجع
ليست حبور كلها دنيا الكرى كم مؤلم فيها بجانب مفزع
تخفي أمانيّ الفتى كهمومه عنه , وتحجب ذاته في برقع
ولربما التبست حوادث يومه بالغابر الماضي وبالمتوقع
لما حلمت بها حلمت بزهرة لا تجتنى , وبنجمة لم تطلع
ثم انتبهت فلم أجد في مخدعي إلا ضلالي والفراش ومخدعي
من كان يشرب من حوادث يومه قطع الحياة بغلة لم تنفع
ذهب الربيع فلم تكن في الجدول الشادي , ولا الروض الأغن الممرع
وأتى الشتاء فلم تكن في غيمه الباكي , ولا في رعده المتفجع
ولمحت وامضة البروق فخلته فيها , فلم تك في البروق اللمع
صفرت يدي مناه وبي طيش الفتى وأضلني عنها ذكاء الألمعي
حتى إذا نشر القنوط ضبابه فوقي فغيبني وغيب موضعي
وتقطعت امراس آمالي بها وهي التي من قبل لم تتقطع
عصر الأسى روحي فسالت أدمعي فلمحتها ولمستها في أدمعي
وعلمت حين العلم لا يجدي الفتى أن التي ضيعتها كانت معي