سأبدأ بالشق السياسي للموضوع وهو عن دولة الدين أو دين الدولة...

طبعاً أقول أولاً أن مصطلح " دولة دينية " هو مصطلح تم اختراعه ليكون وعاءً مليئاً بالتهم ( التشدد - الجلد - تقطيع الأوصال - الارهاب.... ) ثم يت الباس هذا الوعاء للجهة المستهدفة بغية تدميرها أو محاربتها او فصلها عن الحياة السياسية ةسآخذ هنا عدة أمثلة : وضعت اميركا وعاء الارهاب على الدين الاسلامي ووصف المتشددين فيه بالارهابيين المجرمين وحاربهم في افغانستان وذلك بغية تصدير المشاكل للخارج والابقاء على الحرب الخارجية التي يقوم عليها النظام الرأسمالي كوقود للاستمرارية..

وكمثال آخر هو النظام السوري الذي ألبس معارضيه في الثمانينات زي التطرف الديني وصهرهم في بوتقة الاخوان المسلمين..ولأنه كان المسيطر الوحيد على الاعلام في ظل الستار الحديدي الذي فرضه حافظ الأسد فقد صور للشعب السوري أن الاخوان هم ذاك البعبع المتشدد الذي سيذبح الاقليات وسيفرض الخمار ويشيع التشدد وبهذه الحجة الباطلة قام بمحارتهم وتدميرهم وجعلهم بين قتيل وسجين ومنفي واستطاع بهذا اسكات المعارضين له وقطع دابرهم..حتى حين.

هذا بالضبط ما يحصل لمصطلح الدولة الدينية فهو ليس إلا زنزانة لسجن رواد الفكر الاسلامي والاحزاب الاسلامية ذات الشعبية الواسعة في الوطن العربي والتي يعاديها المستبدون والمحتلون !

في الاسلام لا يوجد ما يسمى بالدولة الدينية...وان الدولة التي بناها الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة بعد هجرته كانت دولة مدنية تعتمد على الكفاءات بغض النظر عن الديانات..بداها بتأسيس " منتدى " للتباحث في شؤون الدولة وقد كان هذا المنتدى هو المسجد النبوي لان المسجد كان ليس للصلاة فقط بل تعداها ليكون مركز مباحثات وغرفة عمليات للحروب ومقر قيادة الدولة , وقام عليه الصلاة والسلام بتعزيز الروابط الاجتماعية بين الأفراد عبر مبدأ " التآخي " بين من قدموا معه من مكة وبين أهل المدينة الأصليين وثالثاً والأهم هو وضع وثيقة " صحيفة الموادعة " وهي ما يطلق عليها في الدولة الحديثة بالـ " الدستور " وقد وضع هذه الصجيفة مع العلم انه يتلقى الوحي المقدس من رب العالمين لكنه لم يجعله دستوراً يحكم البلاد بل مرجعة دينية أخلاقية تستقى منها مبادئ الحياة السياسية كمكون أخلاقي أساسي للقوانين المدنية..
هذه الوثيقة جعلها الرسول عليه الصلاة والسلام مكتوبة ( والقرآن حينها لم يكن مكتوباً بعد ) وقد ارتكزت على عدة بنود هامة كـتكريس مبدأ الأمة الواحدة مهما اختلفت الأديان والأعراق فيها حيث تحتفظ كل جماعة دينية أو عرقيا بخصائصها داخل اطار الأمة...حيث كفل عليه الصلاة والسلام حق المواطنة لكل مواطن. ( وهذا ما لم تصل له بعض الدول حتى الآن )

فالدولة في الاسلام هي دولة للجميع...لا يملكها عرق ولا يسيطر عليه دين لكن شخصية الأمة من المؤكد أنها ستفرض نفسها على القوانين والتشريعات السياسية المدنية..فالشخصية الاسلامية لا يمكن تنحيتها بشكل كامل عن الحياة السياسية لانها العامل الرئيسي في الجبلة الاجتماعية...والمجتمع هو أصل التكوين السياسي
وانا ذد أن يتم حصرنا بخيارين بدون ثالث أي اما فصل الدين تماماً عن الدولة أو جاستخدام الدين بشكل خاطئ وفردي لقيادة الأمة ( متعددة الأديان ) فالدين هو سمة الشعب والدولة هي ما ينظم تعامل أفراد هذا الشعب وجماعاته فيما بينهم فلا مانع لو أخذت الدولة تشريعاتها الاجتماعية