هــــل سمعتم بحـــــسام؟؟؟ 01-04-2008 07:25 PM
هو شاب كامل الفتوّة أنعم الله عليه ببسطة في العلم و الجسم ، حسام......ذاك الأسمر الذي إن وضعته على الجرح اندمل ، حسام ذاك الفهيم الحليم....... معشوق أصحابه و أترابه الذي ما غاب يوما إلاّ طُرق بابه. كيف لا وهو الذي يحس بالنسيم إن تألم ، يسمع آهات الذباب و النحل ويرى ضحكات النمل ، و الريح......... الريح بالنسبة إليه كيان ملموس معروف السّمات ، إذا عبثت بشَعره تبسّم فحمد الله على نعمه.
كان صباحا عاديا كغيره ، استيقظ بعد أن هزّته أمه هزّة خفيفة بهمس يكاد لا يسمع غير أن تلك السّين في حسام كانت في قلبه صدّاحة و كأنّه كان يقضاً لم ينم اليل ينتظر سماعها . حمد الله و قبّل يد أمّه ثم قام توضأ فصلى.
ثم إنه و بعد وجبة كان الحنان أهمّ مكونّ لها توجه إلى الجامعة يحمل حافظة بها قلمان و أوراق و كتاب لكنّه كان مرتفع الجبين ينظر أكثر ما بنظر إلى السماء متأملا صفوها و الكدر، متأملا غيمها و المطر. تهتز شفتاه.......تتحركان ، ليس حديث نفس . لقد ثبت لمن كانت تراقبه من شرفتها أنه تسبيح يلهج به صدره . كانت تعشق برد الصباح لأن حساما سيمرّ من هنا و تراقبه. أما حسام ، فلم يشعر بها يوما على مرّ سنوات إقامته بذاك الزقاق ، و رغم نظره الدائم إلى السماء.
أثناء الحصة الثانية ، أحس بألم يخترق صدره يكاد يقسمه شطرين فسقط من طوله و لم يفق إلاّ على طبيب يهدأه و يقول: " لا تقلق بني ، فليس في الأمر شيء" أدرك حسام في حينه أن نظرات الطبيب تقول غير ذلك و أن الممرض ما طأطأ رأسه إلا لخطب ما. تمضي ساعات و الحال على ما هي عليه و لما كان أن رجع الممرض نظر إليه حسام وقال :" الحمد لله" . و الله وحده أعلم بوقع هاتان الكلمتان في نفس الرجل الذي فاضت عيناه. إنصرف على عَجَلٍ ليعود بصحبة الطبيب الذي نظر ملياّ إلى حسام ثم قال : " فلتعلم أني ما أردت يوما أن أوضَع في مثل هذه المواقف ، بني.... إن بك مرضا نادرا شق على أهل الطب علاجه ، و لسنا و الحال هذه نرجو سوى الواحد القهار أن يشفيك. و أنت إذ علمت به في مثل هذه المرحلة منه لم يبق من أنفاسك غير أربع أيام و الله أعلم ". قالها مختبئاً خلف قناع الشجاعة المهنية ، القناع الذي فقده الممرض إذ كان يعرف حساما ......... فأجهش باكيا. إنطلقت يد حسام المرتجفة لتمسك بيد الممرض فقال له : " ما يبكيك ؟؟" فرد :" أوتسأل؟" فأجاب حسام :" ألم أقل لك أن الحمد لله ".
نطق بها مطمئنة بها نفسه ، و كأن شيئاً لم يكن . لم يكن يسمح لأمّه و أبيه إلا بالنظر من خلال نافذة الغرفة العالية على أخيه محمد ذي الثلاث أعوام.
مـــــــات حسام............ اهتز الزقاق بمن فيه و ارتحلت البلدة بأكملها إليه . أما أوجه الناس فسادها التجهم و لم يستطع أحد رفع طرفه، فالكل محزون لفراقه . و أما أصحابه فمنهم من صمد و منهم من جثا و الكل باكون. و أما أبوه فقد كان يفرغ حزنه في خلوته و لم يَظهره و الناس حضور. و أما محمد فتتقاذفه النساء ، بسّاما و جهه ، ليس يدري سببا لهذه الجلبة كلها. و أما أمُّ حسام ، فليس لي بضعف لغتي أن أصف و جدها لفقدان فلذة كبدها. لقد كانت مصيبة بحق ، خلَت لها الطرقات و أوصِدت أبواب الشرفات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إخواني في الله..... إن ما قيل ليس سوى قصة خيالية و لكن بالله عليكم ثم بالله عليكم أجيبوني...... أنتَ ، نعم أنتَ وأنتِ لا تلتفت و لا تلتفتي يمينا و شمالا ، أسألكم بالله عليكم لو وُضِع أحدكم موضع حسام و علِم علماً يقيناً أن العمر لم يبق فيه إلا أربعة أيام و يُقطع الأمل بالأجل.
ما كان أول شيء ستفعل و تفعلين؟؟؟؟
أتشتد في عبادة الله و الجسد مهدوم ؟؟
أم تسعى لفضّ النزاعات بينك و بين خصومك؟؟
أم توطّد علاقتك بمن تحب؟؟
أم تبكي على نفسك؟؟
أم تسعى لتسديد دَينك؟؟
أم لا شيء من هذا كلّه؟؟؟
أما محدثكم فكان ليبدأ بالنواح على نفسه قبل أن يفعل ذلك غيره.
و لكن أليس حريّاً بي أن أبدأ بذلك الآن؟؟؟
نُـــــــــح على نفسك *** يا مسكين إن كنت تنــــــــوح
فلستَ ببــــــاق و لــو *** عُمِّرتَ كــــما عُمّر نــــــوح
أخوكم عبد الرزاق.
وما من كاتبِ إلاّ سيفنى *** ويبلي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفّك غير شيءٍ *** يسرّك في القيامة أن تراه.]
أنت غير مسجل لدينا.. يمكنك التسجيل الآن.
|