جفَّ اليراعُ....و خرَّ ساجداً...للاهوتيةِ الكلمة....
صديقتي...
أيَّ حرفٍ... هو هذا...أيُّ حرفْ....
رأيت حرفَك..يبلغُ العلا...
يا أنتِ....ما حرفك..إلا بألف...
...
صديقتي...
يا لذلك العاشقِ....المفتون...
رأيته يسرق حُمْرَةَ وجنتيك..كي يُخَبِّأها...داخل قارورةٍ...مُظْلِمَةٍ...
..
قد خبأها...سنيناً و عقود...
..
أرادها..كالخمر المُعَتَّقة...
ثُم شَرع يسكُبُها..داخلَ ريشةِ اليراع...فيرسم بها..."أنتِ"...
على دفاتره الشعرية...
رأيته ......يرسم وجنيتيك..قصيدةً عصماءْ....
و انتقى يا صديقتي لهذا....حروفَ الخمرةِ المعتقة....
لينتشي قارئُها....بنشوةٍ..من غير عالم..و يبدأ...يهذيانٍ...من بعد ترنحٍ....قد غلب
عليه...التأرجحْ....
لا لشيئْ
..فقد..لعظمة الحرف...
للحرفِ يا صديقتي....وقعٌ غريب...
هو إختصارٌ..لتلافيف العقول....و عنوانٌ...لتجاويف القلوب...
هو محضُ كلمةٍ...تفتح كتبنا أمام الناس..كي تشرعَ تقرأ..ما قد سنكتبه...بـ
أفكارنا..على صفائح الأوراق...
فما بالك..بحرفٍ..قَد قُدَّ...من خمرةِ وجنتيك..
فأخبرك الآن يا صديقتي...
لم تكن تلك القصائد....بنهاياتٍ...مفقودة...
صديقتي..لم تجدي لقصائده نهايةً..لأنك سقطّتي...في نشوةِ الحرف..فأخذ الصرع يهرب
إلى ثَنِيَّات أفكارك , يأخذ بإلتهامها....فإذ بك...تقرأي أول الشطر..في بدايةِ
القصيدة...و لا تكملينَ..آخره المقفى....
قد قلتي أنتِ...أنها ..قصيدةً مسحورة....
لكنني لا أراها...إلا لوحةً....أخذ ذاك الجسم البَلّوري....المتشبثِ مع حجاج أعيننا ,
عبر الجسم الهدبي ؛ بالإرتجـ ـافْ....خوفاً لوقعِ أولانها...الزاهية....و ألماً..لشدة
الوله...المتفشي..معَ كلِّ نقطةٍ....قد سَقطت من دمعِ عينيه..على تلك اللوحة
المستحيلة.....
ذاك الجسم الهدبي...الذي توقف عن الإرتخاء و التقلص...لشدة الهول ذاك الذي..قد
أخذ يبصره....داخل..تلك اللوحة...
قد كانت حقاً قصيدةً مسحورة...
قد قَطَّع بها..ذاك العاشق الولهان...أناملَ أصابعه..كي يستحلفَ اللون الأحمر من
دمائه......بأن يَبُثَ عَبَقَه..على لوحته...
و اروعْ للون الأحمر...من عبقْ.....
أروع له.... من شذىً...من أريجٍ....من عبيرْ.....
قد قَطَّعَ أوصالَ يَديهِ...بعد أن بَترَ ..شرايينَ صَدره..و رَبطها..بعشقك الأزلي....
و أخذ يقنُت..و يصلي...في محرابِ كنيسةٍ...قد رُصِّعَت في عينيك...
و يتلو تراتيلَ الطفولةِ..التي لقنَّه أياها...والده...
فأخذ يناشد الله...طلبا للرأفة...و طمعاًَ..بنعمته..التي عرفها دوما...
فأخذ..يقنت و يصلي.....في فيئِ عينيك...رافعا آهاتَه..نحو السماء.....
طالباً بها..رحمةً..من هولِ عينيك....
تلك التراتيلُ...صديقتي..كانت له...ذاك الترياق الذي أخبرتك به دوما..
ذاك الترياق الذي حدثتك عنه...في " يا ولدي " و " يا قمر"....
تلك التراتيلُ..كانت....نسمةً عليلةً..في سماءٍ قد تَلبَّدت بها..غيومُ الكراهية..و سحب
الضجيج..
كانت حروف تراتيله الطفولية...نسمةً ...قد نفَّضت..عن عاتق السماء..غبار
التكلفِ...و الكراهِيْةِ و القَلِقِ و الألمِ و الحزنِ و التشاؤمِ و العنصريةِ و البغضاءِ و
الإرهابِ و القتلِ و التدميرِ و الأفولِ و الخيانةِ و الحرمان و الإستبداد....
كانت صلاته..صلاةً للدنيا...كُلِّها..فهي الجسرُ الأوحد..الذي يسمو بأرواحنا..كي
يُجْلِسَهَا عَرْشَ السماء....
كانَت كلَّ دمعةٍ..-من دموعه..في محارب عينيك-...رجاءْ...
صديقتي....اِرحمي..عاشقاً..قد مات من شدةِ البكاءْ...
اِرحمي..قانتاً..جعل من عينيكِ..كعبةً و لواء...
صديقتي...قد كنت له ..بمنزلةِ القمر...
قد كنت له..كفَّ القدر...
صديقتي...كوني لقمرك........ذُكاء...
...
صديقتي...أراه قد نثر من لآلك عينيك...بعد أن صَفَّها في قصيدةٍ سابقة...و رتبها في
لوحة باتت تنافس الجوكندا في جدران اللوفر...
..
أراه الآن...قد نثرها..ليجعلها مدينةً...قد أخذ ينقش على كل حجرٍ..من جدرانها...
آلامه..و كأنها أوشام المراهقة.....
ثمَّ...
أخذ بالإبتعاد عنك...بعد أن خرَّ ساجداً....تحتَ ظلِّ حاجبيك...في أرض وجنتيك...
أخذ بالإبتعاد عنك...
و نسيَ..أنك..قوتُ يومه..
نسيَ أنك...فراشةُ عمره الملونة...
تلك التي..أخَذَت تبحثُ في أرجاءِ الطرقات....عن كل ثَنِيَّةٍ لجسده الهارب..
فأخذت تَجْمَعها...و تُجَمِّعَها...
لتَجْعَلها...سبحةً..للروح...
تلك التي...ستصلي بها - و هو - عنانَ السماء...
لتجعلها مدينيةً ريفيةً...
أخذَت تِلك الفراشةُ..في التجوِّل بين حقولها...لتسقط صريفةً...من شدة الوله و الألم...
على حفنةٍ من تراب عينيه...
فتأخذ عندها..بإسترجاع الذكريات...
و تنقيب الآهات...
لتُلملم...كلماتها المتبعثرة..
و تنسجها وشاحاً...تُرسِله إلى عينيه..
كي يقول له...
"""
سيدي ...
أخبر آلهة العشقِ لديك..
و إهمس في إذنها عشتار....
أخبرها...أنني أرفض رائحة الشواء..في لظىً ...قد إستعرت....في جحيم عينيك..
أخبرها.. .. ...
تلك التي..ناشدها بدر السياب....و أخذ يستحلف عينيها...
أخبرها يا سيدي..
أنني أرفض الرقص على أنغاك جلاديك..و جزّاريها....
أخبرها أنني أرفضُ الموتَ..في حفلةِ الأوبرا خاصتك...مع أصوات القتلة...و المعذبين..
أخبر من وقفتْ شامخةً في بابل...
أننا..نعبد الله..و لن نُرْضِخَ جِبَاهنا...لغيره..
أخبرها..اننا لا نرى الله..بهيئتها...عشتار...
أخبرها..أن..بهوَ مَعْبَدِها...لا يَتَّسعُ لآلمنا...و آهاتنا..و لن يتحمل وقع "الـ آآآه"...
الصارخةِ..المتفجرةِ..من بين ثَنِيّاتِ أعْمَاقِنْا.
و لن يتَحَمَّل هَوْلَ تَنَهُّداتنا و زفراتنا.......
لن يتقن الهواء..في محراب ذاك المعبد..من أن يحمل....أريج الصعداء....النافث من
شرايين صدورنا...
فسنرفضُ رقصةَ الموتِ...في فناءه...
أخبر عشتار... ,
آلهة الحب.... ,
و آلهتك..التي صنعتها بيديك...كي تخضع رقاب العاشقات بها..
سيدي الكريم...
أخبر عشتار...كل حرفٍ قد قُلْتُه لك...
"""
..,,
صديقتي...
قرأت خاطرتك الأولى..و أنا على يقينٍ...بروعتها...
لكن حدود مخيلتي..لم و لن تَسْطِعْ أنْ تضعً كماًُ أو نوعاً..تصف به روعة تلك الحروف
القليلة..في الخاطرة الثانية..
نَقْبّت جيداً
و بحثت....داخلَ حروفِ القاموسِ خاصتي....
لم أجدْ.....كلمةً تصف روعة تلك الحروف....و تضفي عليها بريقاً..كي لا ينقص من
بريقها..
لم أجد... غير كلمةٍ واحدة..
بحثت جيدا..داخل كل حرفٍ في قواميسي..كي أجد عن دلالةٍ و مسمىً...أضعه...كي
أدل على مدى الرقى..الذي قد رفَعْتِنِي..إليه بـ كلماتك..
فلم أجد إلا كلمة واحدة..
و هي..... "نسيم"...
كلماتك صديقتي نسيم.....هي نسيمٌ...يزيحُ حمى الإضتهاد..و نيران العزلة....و آلام
الخيانة...عن عاتقنا...
لم أجد غير تلك الكلمة..
صديقتي...أيُّ يراعٍ ..تكتبين به...و أي حرفٍ تستنجدين..به...كي يكون رسالةَ
التعريف..بأفكارك..و آرائك...
كان السابق..أول ما جاء إلي..عندما قرأت..كلماتك...
صديقتي..لم أسمع في حياتي...أبلغ و أروع...من خاطرتك الثانية..
تلك التي لم تتجاوز عشر كلمات...و أربعَ حروف...
بانتظار المزيد...و الشغف ينهال علي....و الصبر ...لا أجد غيره..سلوىً لعزائيَ..في
قراءة المزيد من حروفك...أيتها العبقيرة...
أيتها الفنانة..بكل ما تحمله كلمة الفن....من مسمىً و ...دلالةٍ...و معنى...
تقبلي مروري...صديقتي...
أخيك الصغير....
محمد....