جزاء سنمار .... مثل يردده الكثيرون , هل فكرت في معناه ؟؟!
" و هكذا ...... كان جزاؤه جزاء سنمار ! "
جملة لطالما سمعناها في نهاية الحديث عن انسان اجتهد , و قام بعمله على الوجه الأكمل
و لكنه في النهاية لم يجد المقابل .... بل على العكس قوبل اتقانه لعمله .. بالجحود و لحق به الأذى !
و لــكــن ................
كيف يمكن أن يقع على انسان مجتهد ظلم !!!!
أليست العدالة تقول بأن الجزاء من جنس العمل ...
من عمل خيراً فله حسن الجزاء , و من عمل غير ذلك فعليه أن يتلقى عقابه ..؟؟!!!
نـعـم ... و لكن
ليست الدنيا خيرا خالصاً ... فللشر وجود .. و عماد الحياة الصراع بين الخير والشر , بين أنصار
العدل و الظالمين .
* نعود إلى سنمار .... ما حكايته ؟؟ و هل فعلا كان مظلوماً ؟!!
في الحقيقة الرواة يختلفون حول التفاصيل , إلا أن أصل القصة واحد .....
و هو أن أحد ملوك الدولة الفارسية و اسمه " سابور" كان له ابن أصابه مرض حيّر الأطباء
و وصف له بعضهم أن ينتقل للعيش في مكان هواؤه نقي .... و انتهى الرأي إلى أن أفضل مكان يفي بالغرض
يقع في أملاك أحد ملوك العرب , و هو النعمان بن امرئ القيس , فأرسل الملك الفارسي إلى الملك العربي
يناشده أن يأذن بإقامة صغيره المريض في الموقع المختار , فاستجاب الملك العربي لطلبه و أمر ببناء قصر
في ذاك المكان .
و كان أشهر المعماريين في ذلك الوقت مهندس من الروم يسمى " سنمار" عهد إليه الملك النعمان ببناء القصر
" سمي بقصر الخورنق " ... و قد استغرقت عملية البناء عشرين عاماً و يقال ستين عاماً !
و قد يكون سبب الخلاف حول زمن بناء القصر التهويل في تباطؤ سنمار ( فقد كان الغرض من بناء القصر
هو توفير إقامة أفضل لابن ملك الفرس , غير أن الطفل المريض كان قد شفي , بل لقد كبر و صار رجلاً
و لم يكن سنمار قد انتهى من بناء القصر ... الذي تصفه كتب تاريخ الأدب العربي بأنه كان فريداً و لم ير
أعجب منه , حتى أن الملك النعمان خشي أن يبني سنمار لغيره قصراً مثله فأمر بإلقاء المهندس العبقري
من فوق أسوار القصر ....... فمــات .
و هكذا أصبح جزاء سنمار مثلاً يقال لكل من يعمل خيراً و لا يلقى إلا شراً ..
و للأمانة !
هناك من يميل إلى رواية أخرى و يرى أن التقصير كان من جانب سنمار الذي لم ينجز ما كلّف به من عمل
في وقت مناسب , و الذي كان أيضاً قد ركبه الغرور ........
فقد جاء في كتاب " معجم البلدان " أن سنمار لم يكن يعمل بانتظام , كان يعمل لسنتين و يغيب عن العمل خمساً
فإذا سأله سائل عن سبب غيابه كان يتحجج بأنه يتحرى الجودة و الاتقان , و الحقيقة غير ذلك , إذ أنه أصبح
مغروراً و كان يعتقد أنه لن يحصل على ما يستحقه من أجر , فقد قال لبعض رجال الملك النعمان : لو علمت أنكم
توفوني أجري و تصنعون بي ما أنا أهل له , لكنت بنيت بناء يدور مع الشمس حيثما دارت .
و في يوم افتتاح القصر جاء الملك النعمان و أعجب بحسن بناء القصر .... فالخورنق لم يكن قصراً اعتيادياً
و صعد إلى قمة أحد أبراجه الشاهقة , و نظر فرأى البحر أمامه و البر خلفه ......... فهنـّأ المهندس سنمار
و ربما كان الملك الذي صار شيخاً واهناً قد غفر له تلكؤه و خذلانه له أمام ملك الفرس
فماذا كان رد سنمار على تهنئة الملك ؟!
لقد اقترب متباهياً من الملك المتسامح معه , و تحذلق قائلاً : أبيت اللعن ...... و الله إني لأعرف في هذا البناء
موضع حجر , لو زال لزال جميع البنيان !
ترى .. أكان على الملك أن يتحمل كل هذا الغرور, بعد أن تغاضى عن التأخير الطويل في بناء القصر ؟
أكان عليه أن يعلم بمثل هذا السر الذي يهدد أمنه و يسكت ! ليبقى طول الوقت مهدداً بأن ينتقل سر نقطة الضعف
في ذلك البناء الفريد من سنمار إلى عدو يهمه أن يتهدم القصر على من فيه ؟!
و كان رد الملك حازماً , فأمر بإلقاء سنمار من فوق أعلى نقطة بقصر الخورنق !
على كل الأحوال :
أحداث التاريخ و كتب الأدب مليئة بالقصص التي لا تعد و لا تحصى .....
و إن كنت أتحدث عن قصة ظلم ......
فتذكروا ..... الظلم قد يكون بجريمة , و قد يكون بكلمة !
و ما أكثر الكلام !
لن أقول ....... إياك أن تظلم أحداً ..... فأنا لست بملاك و لست هنا لإعطاء المواعظ
و لكنها فكرة أحببت مشاركتها معكم ..........
منقــــول .... مع بعض الاضافات و التعديلات
قال الله تعالى :
" وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين "
صدق الله العظيم
-----------------------------------------------------
ذكرت قصة سنمار في كل من الكتب التالية :
1 - البداية و النهاية , لابن كثير.
2 - معجم البلدان , لياقوت الحموي .
3 - ثمار القلوب في المضاف و المنسوب , للثعالبي .
4 - تاريخ الأمم و الملوك , لمحمد بن جرير الطبري .