افتعال القلم

للمؤلف: زياد بوزيان
تفادي كتابة مفتعلة ــ ولا شك ــ هي إحدى أهداف أي مبدع أو كاتب محترفا كان أو هاويا ، نتيجة نضوح الفضاءات المتفاعلة مع ميدان النشر و الإبداع بثقافة العصر و سرعته التي تجعلها رغما عنهم مفتعلة ؛ فالتعليم و الإعلام السيار بأشكاله ثم الوسائط المتعددة كلها قد غصّت بتلكم الكتابة ، لدرجة أصبح عصرنا يُنعت بعصر التدوين الرقمي لمساهمة الوسائل الجديدة الإلكترونية بخاصة في سهولة الاطّلاع على كتابة مؤدلجة ثم العمل على توطيد ركائزها. إنها الكتابة التي تخدم كل الناس و كل الأيديولوجيات قبل أن تخدم نفسها ؛ تقوم على حاجاتهم الأيديولوجية دينية و سياسية دون أن تلتهي بشكلها و تلتفت لنفسها لبرهة من الزمن ، مثل ذلك كان حال الشعر و القصة القصيرة في العقود الثلاث الأخيرة ، انطلقت معهم غادية و الطيور في وُ كناتها مستمسكة بعروتها الوثقى و عينها على فؤادها المتخبط اللاهث وراء التلبس بتيارات و مدارس الفكر المعروفة.
بأوجز و أصدق تعبير افتعال الكتابة ليس تطفلا على الميدان، و لا محاولة إتيانها وإخراجها غصبا ، كما قد يبدو في القصتين الأخيرتين لهذه المجموعة بقدر ما هي محاولة التملص من اختيار عنوان جامع لدزينة قصص تفترق موضوعاتها افتراق السماء عن الأرض ، فضلا عن محاولة تجريب شكل جديد متجاوز للجنس. ثم إنه لا مناص لأي كاتب مقتدر يقول أنا و أنا شعرا أو قصةً من السقوط في براثن افتعال الحبكة افتعالا أو افتعال السرد الفني ، المتعلق بالتحكم العادي في تقنية الراوي و الأحداث و التأثير في المتلقي لغةً و خطابا ، أو حتى لكاتب هاوي في نيته التعبير برمزية أو رومانسية أو واقعية ، فيُخيل إليه أنه يمارس إبداعا تخييليا بيد أنه في الحقيقة يفتعل أولا سياقا سرديا لقصته/فكرته ، و ثانيا يفتعل أوهاماً ، من قبيل تنمية وعي و ثقافة القراء و من يفعل ذلك حسبُه أنه يفعله بالضغط على أزرار حاسوبه ثابتاً كان أو محمولا لا إمساكا بجرة القلم ، بالتالي فن افتعال كتابة إبداعية هي في الحقيقة افتعال لحظات القلم ، اللحظات التي انحصرت في أيامنا حتى أُنسينا كيف نمسكه و كيف نخطُ به بعض الكلم ..