صور دمشقية من ذاكرة الإنسان والمكان

إذا كان من طبيعة المرء الحنين إلى طفولته، يستذكر فيها صور المحبَّة والإيثار والحنو والعطاء.. بل وجميع المعاني الإنسانيَّة التي تشدّ الإنسان إلى أخيه الإنسان، وتجعل الحياة جديرة بأن تعاش. فذاكرة الإنسان تحفل بالعديد من العوالم والمواقف والرؤى وأنماط المعاش والسلوك والتعاطي مع الآخرين. وهذه العوالم تدور في رأسه، وتحوم في ذاكرته، فلا تكاد تفارقها.. فهي معين لا ينضب ورؤى تأبى القوقعة في زوايا النسيان، ولا تني تنفض عنها تقادم الأيام، وتتحدّى شبح الإهمال، أو الانشغال عنها بما تتطلّبه الحياة.. لأن هذه العوالم في أبسط حالاتها ترتبط بمشاعر أثيرة على قلب الإنسان عزيزة على مشاعره، بما تثير من كوامن وأحاسيس تسرح بها ذاكرة الإنسان حتى لكأنها ماثلة أمام ناظريه وتعيش بين ظهرانيه. وهذا الكتاب الذي أقدمه للقارئ الكريم يقدّم صوراً تحكي أحاسيس عاشها أسلافنا. وصوراً عايشناها وعايشت جيلنا، تمثلت في مواقع، بل ومعارف وأنماط سلوك وحرف وصناعات وذكريات وممارسات، وأشخاصاً لهم دور في عجلة الحياة.. وصوراً أخرى تعكس حياة جيلنا بل والجيل الذي سبقنا، نشعر بالارتياح لها، ويسعدنا تذكرها حتى لكأنها شيئاً منّا.. وإذا كان من بين هذه الصور ما يلقي الضوء على بعض أشكال المعاناة التي كان عليها الناس، فإنَّ ذلك كان من قبيل التعرف عليها وإدراك البون بين ما كان عليه أسلافنا وما عليه هذا الجيل من نِعَم حملتها إليها يد المبتكرات لتوفر للإنسان الراحة وتيسر سُبل التعاطي معها.. ونظراً لتنوّع وتعدّد المجالات التي تدخل فيها مواضيع هذا الكتاب وتشعبها.. فقد آثرت تصنيفها أبجدياً وفق أحرف المعجم، مع توضيح ما قد يغمض أو يلتبس من مفردات في النص بجعل ذلك بين حاصرتين قوسين على سبيل التوضيح، كما حرصت على تزويد مواضيع الكتاب بأكبر مجموعة من الصور الملونة. الأمر الذي يسهل الرجوع إلى الموضوع والصور الشارحة له.