المسيرة الطبيعية لتطور المعرفة الرياضية:
تشكل القدرة الرياضية خليطاً من العمليات المعرفية , فهي عبارة عن تمثيل لفهم مهارة متعددة الجوانب والعوامل , تتطور عبر المراحل النمائية المختلفة للإنسان , وتتضمن تلك العوامل كل من اللغة , المكان , الذاكرة , و قدرات الأداء التنفيذي (Ardila & Rosselli,2002,p179 ).
وتعد الأعمال التي قام بها العالم الفرنسي بياجيه Piaget 1952 من أهم المداخل ذات الفعّالية لدراسة نمو المعرفة الرياضية وذلك بصورتها الطبيعية والتي تركز على العلاقة بين مفهوم الثبات في المعرفة الرياضية والقدرة , فالأطفال مثلاً يكتسبون مفهوم الثبات إذا ما فهموا أنَّ أطوال الأشياء مثلاً لا تتغير عند تحريكها , ويشير جيري Geary 1994 إلى أنَّ معظم ما يعرفه الأطفال عن الرياضيات يتغير حدسياً وغالباً ما يسمى بالمعرفة الرياضية غير الرسمية, أما المعارف الرياضية على الجانب الآخر فتعد بمثابة نسق الرموز والمفاهيم, والإجراءات, وما إلى ذلك والتي يكون من شأنها أن تشكل محتوى تعلم الرياضيات, فالأطفال الطبيعيون والذين تتراوح أعمارهم بين (4 ـ 5 ) أشهر يمكنهم أن يقوموا بالتمييز بين المجموعات التي تتضمن كل منها شيئين أو ثلاثة أشياء . وفي حوالي الشهر الثامن عشر من العمر يبدو أنَّ هؤلاء الأطفال يفهمون بعض الشيء عن الترتيب العددي ( مثل أن العدد 3 يأتي بعد العدد 2 ) ( هالاهان و آخرون , 2007 , ص ـ ص 633 - 634).
في حوالي الثالثة أو الرابعة من العمر تأخذ قدرة الطفل على استخدام الرموز والصور الذهنية في التزايد بشكل واضح وسريع , ويصبح بمقدوره في هذه المرحلة أن يتعامل مع الأشياء غير الحاضرة وغير المباشرة, كما تتطور لديه مهارتي الاسترجاع والتعرف في مجمل أنشطته المهنية و السبب في ذلك قدرته على استخدام الصور الذهنية ( رزق , 2003 , ص 168 ).
كما أن العديد من الأطفال يستخدمون في الواقع أسماء الأعداد في سبيل تحديد عدد الأشياء التي تتضمنها المجموعة كما أنه في هذه المرحلة يتساير نمو الأطفال مع ما يسميه ريزنايك و فورد Resnick & Ford بخط الأرقام العقلي والذي يمثل فهم الأطفال للمفاهيم الجوهرية التي تحدث بها الأرقام في ترتيبها , وأنَّ رموز الأرقام تستخدم لتمثيل أرقام الأشياء ( هالاهان و آخرون , 2007 , ص 636 ).
ويشير جيزل Gesel إلى أنَّ طفل الخامسة يستطيع أن يعد إلى عشرة , وإن كان ذلك بطريقة غير منتظمة وبالتدريج يستقيم في عده بطريقة صحيحة . كما أن الطفل يتميز في هذه المرحلة بقوة الخيال الذي يطغى على الحقيقة وتتخللها أحلام اليقظة , وتصبح اللغة لديه نظاماً من الرموز يستخدمها ويقلد رمزياً يتذكر ما يراه ويفعله ( نقلاً عن بطرس , 2008 , ص37).
وخلال التقدم في صفوف المرحلة الابتدائية يُظهر هؤلاء الأطفال قدراً أكبر من النمو للمفاهيم الرياضية المرتبطة بالإضافة أو الجمع , ويرى جيري Geary أن مهارات الإضافة ترتكز على عملية العد , وتعتمد عليها وذلك بغض النظر عن الثقافة .
وفضلاً عن مفهوم خط الأرقام يتعلم أطفال ما قبل المدرسة الابتدائية التفكير في الأرقام على أنها كل يتألف من العديد من الأجزاء ( مثلاً الرقم 7 يتألف من 3+4 أو 2+5 أو 6+1 ) ويسمح مفهوم إدراك مفهوم الكل والجزء بالنسبة لأطفال المدرسة الابتدائية بالقيام بتفسير وحل المسائل الأكثر تعقيداً , ومع اكتساب الأطفال درجة أكبر من المرونة في الرياضيات فإنهم يقومون تدريجياً بتبني استراتيجيات مختلفة , فمثلاً نجدهم بالنسبة للجمع ينتقلون من عدّ تلك العناصر التي يقوم بتناولها عن طريق اليد إلى الاستراتيجيات الأكثر كفاءة وفعالية والتي تتطلب قدراً أقل من الأفعال المعرفية . وهناك خطوة تطورية أساسية أخرى تتمثل في فهم الأرقام العشرية , والتي تتألف من رقمين أو أكثر ( هالاهان و آخرون , 2007 , ص ـ ص 633 ـ 636 ).
ويشير جيري و آخرون Geary et al. 2000 إلى أنَّ الطفل في هذه المرحلة يكون قد وصل إلى مستوى من القدرة على المعالجة اللغوية فهو قادر على التعبير عن ( 42 ) لغوياً بالقول ( اثنان و أربعون ) , وكذلك أيضاً فهم معنى الأعداد المركبة مثل أن الرقم (4) من (42) يمثل (4) من خانة العشرات , كما أنَّ معالجة العدد تعتمد على قدرة الترجمة مثل تحويل اثنان وأربعون إلى رمز(42) ( Geary et al., 2000 , p237).
ويسمح تطور أو نمو هذا المفهوم للطلاب بأن يقوموا بأداء العمليات الحسابية الأكثر تعقيداً, وذلك غيباً في أذهانهم , بفضل استخدام الاستراتيجيات التي ترتبط بما يكونوا قد اكتسبوه سابقاً من الاستراتيجيات . وبذلك فان المفاهيم الرياضية الأكثر تعقيداً تنمو مع زيادة مهارة الطفل في القيام بالعمليات الحسابية ومعرفته التصورية بشكل متزامن مع الزيادة في سنه ( هالاهان و آخرون , 2007 , ص 637 ).