لقد ذكر النحاة والمفسرون في توضيح ذلك الإشكال عدة وجوه وذكروا نظائرها المعروفة في اللغة العرب ونكتفي بثلاثة منها , هي من أشهر ما قيل في ذلك :
1- أن الآية فيها تقديم وتأخير وعلى ذلك يكون سياق المعنى : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى من آمن بالله فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون , والصابئون كذلك , فتعرب مبتدأ مرفوعا وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم ونظير ذلك من لغة العرب قول الشاعر :
فمن يك أمسى بالمدينة رحله فإني وقيّارٌ بها لغريب . وموطن الشاهد : قوله _ وقيّار _ وهو اسم لفرسه أو جمله فقد جاءت هذه الكلمة مرفوعة على أنها مبتدأ ولم تجىء منصوبة على أنها معطوفة على اسم إن المنصوب وهو ياء المتكلم في قولي ( فإني ) .
2- أن ( الصابئون ) مبتدأ , والنصارى معطوف عليه وجملة من آمن بالله ..... خبر ( الصابئون ) , وأما خبر إن فهو محذوف دل عليه خبر المبتدأ ( الصابئون ) ونظير ذلك من لغة العرب قول الشاعر :
نحن بما عندنا , وأنت بما عندك راض ٍ , والأمر مختلف . والشاهد فيه : أن المبتدأ ( نحن ) لم يذكر خبره اكتفاء ً بخبر المعطوف ( أنت ) فخبره ( راض ) يدل على خبر المبتدأ الأول , وتقدير الكلام : نحن بما عندنا راضون وأنت بما عندك راضٍ .
3- أن ( الصابئون ) معطوف على محل اسم ( إن ) فالحروف الناسخة , إن وأخواتها , تدخل على الجملة الاسمية المكونة من مبتدأ وخبر , واسم إن محله الأصلي , قبل دخول إن عليه الرفع لأنه مبتدأ , ومن هنا رفعت ( الصابئون ) باعتبار أنها معطوفة على محل اسم إن
( انظر : أوضح المسالك , لابن هشام مع شرح محيي الدين 352_366 /1 , تفسير الشوكاني والألوسي ,عند هذه الآية ) .
دمتم بألف خير يا أصدقائي .