تنمية الشخصية القيادية
في الأطفال يحتاج لجهود
الأسرة والمدرسة
القيادة عملية فطرية ترجع للجيناتالوراثية
ااااالطفل المنقاد يستحيل أن يتحوَّل إلىقائد
هل طفلك قائد رأي؟ هل له دور في اتخاذ القرارات؟ هليطلب منكالاستماع إليه؟ هل يدافع عن فكرته حتى تقتنعي بها؟ أم أنه مسالم ومطيع ولا يخالفك؟إذا كان من النوع الأول فأبشري، ففي بيتك قائد، وإن كان من النوع الثاني فلتأخذيبيده؛ ليصبح شخصيةً قياديةً، أو على الأقل ليستقل بنفسه ولا تتكرر معه مشكلة صفاءأيمن- تلميذة في الصف الثالث الابتدائي- التي بدأت مشكلتها تظهر بالانقياد الشديدلزميلتها والتقليد الأعمى لها، حتى إن هذه الصديقة علَّمتها السرقة!!
ورغم عقاب الأسرة لصفاء، إلا أنهم يعانون من مشكلة ابنتهم معالسرقة، والمشكلة الكبرى في انقيادها للصديقة الفاشلة، التي تتواصل معها رغم العقابالشديد، فما زالت المشكلة مستمرة.
وأيضًا علي ناصر (6 سنوات)، بدأت أمه تلاحظ التأثير القويَّلأخته عليه، تضربه وتأمره ويستجيب، رغم عمرها الذي لم يتجاوز 4 سنوات، تتساءل أمه: ماذا أفعل مع ابني ليصبح شخصيةً قويةً قياديةً؟!
هذه نماذج لحالات الطفل الذي لا يصلح أن يكونقائدًا.
ولننتقل إلى نماذج أخرى، مثل منة الله مصطفى (طالبة بكليةالهندسة)، وهي تسترجع معنا أيام طفولتها، عندما كانت قياديةً في المراحل الأولىلدراستها، وكانت زميلاتها يتقدمْن لها لتصحيح الواجبات المدرسية لهم، واستمرتقياديةً في كل مراحل حياتها.
وترى أن السبب في ذلك هو حبُّهم لها، ولكنها في الجامعة تجدنفسها منقادةً لمن ترى في رأيه الأصلح؛ لذلك تقول إن القيادة موقفٌ يفرضنفسه.
منظومة متكاملة
أما عبير مصطفى (أخصائية اجتماعية ابتدائي) فترى أن حل مشكلةضعف الشخصية يحتاج إلى تلاقٍ وتعاون بين البيت والمدرسة؛ ليسير الجميع في منظومةواحدة، والدور الأكبر على الأخصائي النفسي، ولكن معظم مدارسنا تفتقد لوجوده، وتكتفيبالأخصائي الاجتماعي، وهذا وحده لا يكفي، وتحكي لنا حالة التلميذ بدر محمد، والذيجذب انتباهها انقيادُه لزملائه.
وعندما درست الحالة وجدته شخصيةً ضعيفةً غير واثق بنفسه،يلجأ للحِيَل الدفاعية، مثل الإسقاط أي إيقاع الخطأ على غيره، والتبرير أي شرح كلموقف حتى لو لم يكن يحتاج لذلك؛ ولأنها تعلم أن العلاج يحتاج إلى تعاون الأسرة معالأخصائي تقويمًا لسلوك التلميذ، ذهبت إليهم، وتحدثت معهم عن حالة ابنهم، ولكنهم لميتعاونوا معها، وأنكروا حالته، ولكنها لم تيأس، فجمعت معلوماتٍ من أصدقائه وجيرانهبطريق غير مباشر، وتوصلت إلى الآتي:
الأب دوره غائب عن الأسرة اجتماعيًّا.. أما الأم فشخصيةمتسلِّطة، والأخ الأصغر كانت شخصيته أقوى نسبيًّا من بدر، ولكنه كان يسرق، ولمتتمكن من علاجهما لعدم مساعدة الأسرة، ولأن العلاج يستغرق مدةً طويلةً تختلف منحالة إلى أخرى.
وترى أن مثل هذه الحالات هي حالات سلبية، دورها الإيجابيمنعدم على نفسها وعلى مجتمعها، والأخطر أنها تؤثر في أولادها بنفس سلوكياتهاالخاطئة؛ لذلك فتنبِّه الأسرة التي تكتشف في ابنها مثل هذه التصرفات بتقويمهم لهاداخل البيت، وفي حالة فشلها على الأسرة أن تلجأ للأخصائي النفسي والاجتماعي فيالمدرسة؛ لوضع خطة علاج مشتركة بين المدرسة والأسرة لعلاج الطفل.
إعداد القيادات
ويوضح د. سعيد المصري- أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة- أن الطبيعة القيادية أو الانقيادية عند الأطفال ترجع إلى الجينات الوراثية بقدركبير، والطفل القيادي بطبيعته يميل إلى خدمة الآخرين وقدرته على التكيُّف مع غيرهأعلى من أقرانه الانقياديين، وهي صورة إيجابية للشخصية، تعود بالنفع على نفسهاومجتمعها ولكنها تحتاج إلى دعم من الأسرة أولاً؛ لأنها تظهر في الفترات الأولى منالعمر، ثم الدعم من المدرسة والبيئات المحيطة حتى لا تقهر فيه قيادته، والمجتمعالواعي يتعامل مع هذه القيادات الصغيرة إعدادًا لها للتصدُّر في الأمور الكبيرة فيكل مجالات الحياة على المستوى العام والخاص.
ويبقى لنا أن نوضح أن الأقطاب المتشابهة متنافرةً؛ بحيث لايمكن اجتماع شخصيتين قياديتين معًا، لا بد لأحدهما أن يثبت نفسه عن الآخر؛ لأنالقيادة درجات، فمنها القويّ والأقوى، والقيادي يجتذب إليه الانقيادي، والطفلالمنقاد عنده خاصية الخضوع للآخرين، ويبدو عليه ذلك في المراحل الأولى من العمر،والأسرة يجب أن تنبِّه بطريق غير مباشر، وفي هذه الحالة تكون محتاجةً لثقافة تربويةسليمة توفِّرها لها الجهاتُ المتخصصةُ لتتعلم كيف تتعامل مع ابنها.
مسئولية البيئة
ويتناول د. شحاتة محروس- أستاذ علم النفسبكلية التربية جامعة حلوان- أطراف الحديث، قائلاً إن القيادة سلوكٌ يُتَرْجَم إلىتصرفاتٍ تظهر مبكرًا عند الأطفال قبل سن المدرسة، تستطيع الأم اكتشافها بسهولة، منخلال لعبه مع أصدقائه، فتجده يفكر ويقترح، ويقرر وينفذ، وأقرانه يستجيبون له؛ لأنهغالبًا يكون أكبر سنًّا منهم قليلاً، وتفكيره أسرع منهم، وقد يكون أكبر جسمًا،والدور الأكبر في تنمية سلوكه يعود على الأم؛ فعليها أن لا تصدَّه ولا تنهاه،وتلاحظ الخطأ وترده بحنكة وتنصحه بلطف؛ لترسخ هذه المميزات.
أما الشخصية المنقادة- والتي تمثِّل الغالبية العظمى منالأطفال- فأرى أنها الأكثر حاجةً إلى الاهتمام؛ لأن الإهمال في احتواء هؤلاءالأطفال يؤثِّر سلبًا عليهم وعلى مجتمعهم، ولا بد أن نفهم أن الشخصية المنقادة لنتتحوَّل إلى قيادية، ولكننا نسعى إلى تقويم سلوكها ليرتقي إلى مرحلة وسط تجعلهقادرًا على التعبير عن نفسه؛ فعلينا أن نستمع له وننصت، وننفذ إن أمكن، ونشجعه علىذلك حتى لو لم يكن يستحق التشجيع، ونقوي ثقته بنفسه، ونشعره بالمرغوبية من الآخرين،ونربِّيه على تحمل المسئولية؛ حتى لا يتحول من الشخصية الانقيادية إلى الشخصيةالاعتمادية، وأضرارها أكبر من سابقتها، والبيئة المحيطة من الأسرة والمدرسة والناديتنمي هذه السلوكيات أو تثبطها.