[x]

"وقـل اعمـلوا فسـيرى الله عـملكم ورسـوله والمؤمنـون"


..لمحة عن كليات جامعة دمشق و فروعها... شاركنا تجربتك وكلمنا عن اختصاصك



المحـاضـرات
برنـامج الـدوام
برنـامج الامتحــان
النتـائج الامتحـانيـة
أسـئلة دورات
أفكـار ومشــاريع
حلقــات بحـث
مشــاريع تخـرّج
"وقـل اعمـلوا فسـيرى الله عـملكم ورسـوله والمؤمنـون"
كلية الآداب

مشاريع وأعمال حالية.. وإعلانات
برنـامج امتحان الفصل الأول نهائي/قسم المكتبات - 2013/2014
البرنامج الامتحاني النهائي لجميع أقسام كلية الاداب ولجميع السنوات -ف2
مواضيع حلقات بحث مصادر معلومات عملي س1
..: إعـــلان هام جــداً بشــأن الأتمتة :..
صدور نتائج الامتحان المعياري للماجستير لأقسام كلية الآداب
إعلان عن مسابقة جديدة لخريجي كلية ومعهد الآثار
اعلان مفاضلة الدراسات العليا لكافة طلاب جامعة دمشق للعام الدراسي 2011/2012م
أسئلة آخر دورات اللغة الأجنبية للقيد بدرجة الماجستير
إعلان امتحان اللغة للقيد بدرجة الماجستير بتاريخ 2/10/2011 مع هدية مميزة للطلاب
آخر المواد التي صدرت في كلية الآداب (الفصل الثاني) حتى تاريخه
مواضيع مميزة..



  ملتقى طلاب جامعة دمشق --> كلية الآداب --> ) مـنـتـدى الـعلـوم الانســـانيـة ( --> ~ قســــم الفلسفة ~
    بؤوس الفلسفة
عنوان البريد :  
كلمة المرور :  
                    تسجيل جـديد


صفحة 1 من 2  1 2->

.بؤوس الفلسفة


شو عدا ما بدا

جامعـي مشــارك




مسجل منذ: 28-11-2009
عدد المشاركات: 68
تقييمات العضو: 0
المتابعون: 18

غير موجود
اشــترك بالتحديثات
رسالة مستعجلة

بؤوس الفلسفة

20-12-2009 10:46 PM




بما انو هادا الكتاب كتير مهم فانا ما رح اختصر منو شي بس رح اعرضو على اجزاء
وهيك منقرأ الكتاب سوا جزأ بجزأ ومنتناقش فيه ورح بلش بالمقدمة يلي كتبها انجلز :

                                        بقلم فريديريك انجلز
صدر هذا الكتاب في شتاء سنة 1846–1847 لما استطاع ماركس أن يوضح نظريته الجديدة في الاقتصاد والتاريخ وكان كتاب برودون « منهاج التناقضات الاقتصادية أو فلسفة البؤس » قد ظهر مما أتاح الفرصة لبرودون أن يشغل المركز الرئيسي بين الاشتراكيين الفرنسيين. وفي نفس الوقت أتاح الفرصة لانتقادات ماركس ومعارضته لآراء برودون. لقد عاش هذان المفكران في باريس وقضيا الليالي يتناقشان في المسائل الاقتصادية. ومن ذلك الوقت أصبح مؤكدا أنهما يختلفان اختلافا جذريا، وأصبح كتاب برودون برهانا على درجة اختلافهما، ولذلك لم يكن بالإمكان تجاهل هذا الخلاف. وهكذا نرى ماركس يعمل على إجابة خصمه برودون.
نستطيع أن نجد خلاصة تفكير ماركس في مقالته المنشورة في آخر الكتاب والتي ظهرت في المجلة الديمقراطية الاشتراكية Sozialdemokrat في الأعداد 16 و17 و18 سنة 1865. وكانت هذه المقالة هي الوحيدة التي كتبها ماركس في تلك المجلة لأن محاولات Herr von Schweidzer لكي يجعل المقالة تظهر بشكل معارضة فاضحة للإقطاع ولأعمال الكومة، جعلتنا نقطع صلاتنا مع المجلة بعد عدة أسابيع.
يتضمن هذا الكتاب مغزى عظيما للشعب الألماني في الوقت الحاضر وباستطاعة الشعب الألماني أن يعرف كيف وجّه ماركس ضربته القاضية لبرودون وفي نفس الوقت كاد يقضي على رودبروتس Rodbertus الذي يُعد ضمن المفكرين اليوم والذي كان ماركس لا يزال يجهله.
ولا يهمني هنا أن أوضح علاقة ماركس ورودبرتوس لأنني سأتكلم عن هذا الموضوع عندما تتاح لي الفرصة. ويكفيني أن ألاحظ هنا أن رودبرتوس يتهم ماركس بمعاملته القاسية وأنه تصرف في كتاب رأس المال دون أن يأخذ عن كتابه Zur erlenntnis الخ. وعلاوة على هذا فإن رودبرتوس يسمح لنفسه أن يهاجم عبقرية ماركس التي لم يفهمها لأنه كان يجهل القضايا التي تحدث خارج بروسيا، خاصة جهله للعلوم الاقتصادية والاشتراكية. إن ماركس لم يعر انتباها لتهجمات رودبرتوس، وكان كل ما علق في ذهنه عنه رسائل الاشتراكية الثلاث Sozial briefe وحتى أنه لم يقرأها قبل سنة 1858 أو سنة 1859.
يؤكد رودبرتوس في هذه الرسائل أنه اكتشف « نظرية القيمة » قبل برودون نفسه. وهنا نجده يخدع نفسه بأنه أول من اكتشف هذه النظرية. وعلى أي حال أراني انتقده في كتابي الآن وهذا ما يجعلني أعمل على نقد كتابه الصغير « بحث لمعرفة أحوال اقتصادنا القومي » Contribution to the Knowledge of our national economy الذي ظهر سنة 1842، طالما أن نقد هذا الكتاب يقود إلى نقد برودون ونقد شيوعية ويتلنغ Weitling الواردة فيه.
إن الاشتراكية الحاضرة تأثرت وانطلقت عن الاقتصاد السياسي البرجوازي، ولذلك فهي تتعلق وتتأثر بنظرية القيمة لريكاردو Ricardo. فالافتراضان اللذان قال بهما ريكاردو سنة 1817 في كتاب « المبادئ » Principles يمكن اختصارهما كما يأتي: 1 – أن قيمة أية سلعة تتوقف على كمية العمل المطلوب لإنتاجها. 2 – أن نتاج ومجموع العمل الجماعي يقسم بين الطبقات الثلاث: طبقة الملاكين الذين يمثلون الريع Rent، وطبقة الرأسماليين الذين يمثلون الربح Profit، وطبقة العمال الذين يمثلون الأجور Wages.
وقد اعتمد الانكليز هذين الافتراضين منذ 1821 واستعملوهما لتحقيق أهدافهم الاشتراكية. والواقع أن كتابات ريكاردو بقيت ذات أثر فعال حتى ظهور كتاب رأس المال Capital لماركس الذي فاق نظريات ريكاردو وجعلها في عالم النسيان. فإذا كان رودبرتوس اعتمد سنة 1842 على هذه النظريات واستخلص منها نتائجه الاشتراكية فإن هذا العمل كان خطوة جيدة لألمانيا في ذلك الوقت، ولكن كان لألمانيا وحدها أن تفتخر أن هذه النظريات كانت من إبداعها وحقها. والواقع أن نظرية ريكاردو لم تكن جديدة بل أن ماركس هو الذي أثبتها عندما نقد برودون الذي أصابها نفس الكبرياء الذي أصاب رودبرتوس.
« إن أي شخص يراقب تطور الاقتصاد السياسي في انكلترا يعلم أن معظم الاشتراكيين في هذه البلاد، في أوقات مختلفة، استعرضوا وبحثوا تطبيق نظرية ريكاردو في تعادل القيمة وهذا يعني أنه ليس ريكاردو هو الذي حقق هذه النظرية بل أن ماركس هو الذي خلقها وأثبتها ». هذا ما نستطيع أن نقوله لبرودون عن كتاب هودسكن Hodgskin (الاقتصاد السياسي) سنة 1827. وعن كتاب ويليام ثوميسون William Thompson « بحث في مبادئ توزيع الثروة وكيفية جعلها صالحة لخدمة الإنسانية وسعادته » سنة 1842. وعن كتاب أدمونز T. R. Edmonds « الأخلاق العلمية والاقتصاد السياسي » سنة 1828، الخ. ويسرنا أن نستمع للسيد جراي Gray وهو شيوعي انكليزي... في كتابه القيم « مساوئ العمل والدواء الناجع لهذه المساوئ » طبع في ليوس سنة 1839 (راجع فصل « الانشقاق العلمي » من هذا الكتاب).
إن الأقوال المكتوبة هنا والتي ترجع لكتاب جراي تضع حدا للإشاعات التي تقول أن رودبرتوس هو الذي سبق وشرح النظرية.
لم يكن ماركس في ذلك الوقت يرتاد غرفة المطالعة في المتحف البريطاني. وقد اكتفى بالاطلاع على مكتبات باريس وبروكسيل وعلى كتبي التي رآها أثناء رحلة قمنا بها في انكلترا سنة 1845 واستغرقت ستة أسابيع، ولذلك لم يطلع في انكلترا إلا على تلك الكتب التي استطاع أن يحصل عليها في مانشستر. فرودبرتوس لم يكن إلا مؤسس الاشتراكية البروسية ولولا ذلك لكان علينا أن ننساه.
وحتى في بلاده الحبيبة بروسيا نجد رودبرتوس لا يهدأ بل يبقى مضطربا. ففي سنة 1859 ظهر في برلين الجزء الأول من كتاب ماركس وعنوانه « نقد الاقتصاد السياسي » ونجد في هذا الكتاب الانتقادات الموجهة للاقتصاديين ومن بينهم ريكاردو الذي انتقده ماركس في الصفحة 40:
« إذا كانت قيمة التبادل لنتاج ما تساوي وقت العمل الذي يتضمنه النتاج، فإن قيمة التبادل ليوم عمل تساوي نتاج ذلك العمل، أي أن الأجرة يجب أن تعادل نتاج العمل، ولكن العكس هو الذي حصل ».
وفي ما يتعلق بهذا البحث نجد الملاحظة التالية:
« إن هذا النقد والاعتراض الموجه لريكاردو من الناحية الاقتصادية قد توجه إليه أيضا من الناحية الاجتماعية. لقد افترض مسبقا صحة القاعدة النظرية، لذلك كان النقد أيضا موجها للمجتمع البورجوازي، وعلى هذا المجتمع أن يتبع ويطبق النتائج المفترضة مسبقا وهي التي توصل إليها ماركس. وبهذه الطريقة، على الأقل، استطاع الاشتراكيون الانكليز أن يوجهوا النقد لنظرية التبادل عند ريكاردو ويجعلوها مناقضة للاقتصاد السياسي ».
وفي نفس الملاحظة نجد تلميحا لكتاب ماركس « بؤس الفلسفة » Poverty of Philosophy الذي كان قد ظهر عند كل بائعي الكتب.
لقد تـُرك المجال الكافي لرودبرتوس أن يقنع نفسه بأن اكتشافاته سنة 1842 لم تكن حقيقية. ولكنه عوضا عن ذلك ظل يعتقد ويقرر بأن اكتشافاته كانت حقيقية وأنه لم يكن باستطاعة ماركس أن يصل للنتائج نفسها التي توصل إليها هو والتي أخذها من ريكاردو. لقد كان هذا مستحيلا. لقد هاجمه ماركس، وهذا الهجوم لم يكن عاملا قويا على تهديم رودبرتوس لأن انكلترا كانت قد هزئت بكل النظريات التي تقول ما يقوله رودبرتوس.
إن أبسط شرح لنظرية ريكاردو هي التي أظهرناها في السطور السابقة. ولقد قادت إلى معرفة أصل وطبيعة فضل القيمة Surplus of Value التي يعتبرها رودبرتوس من نتاجه. والواقع أن رودبرتوس لم يفعل شيئا إلا أنه أخذ من غيره المسائل الاقتصادية كالعمل، ورأس المال، ونظرية القيمة، الخ. وتبناها وصاغها بشكل سخيف. وهكذا لم يقف عند حد معين – كما فعل ماركس الذي كان أول شخص وصل لنتيجة أكيدة من جراء دراسته لهذه النظريات – لكن رودبرتوس فتح أمامه الباب الذي يقوده (للطوباوية Utopia).
إن مدلول نظرية ريكاردو بأن الإنتاج الاجتماعي الكلي يخص العمال لأنه من نتاجهم ولأنهم المنتجون الحقيقيون، إن هذا القول يقود مباشرة للشيوعية. لكن، كما يشير ماركس فيما يتعلق بالقول السابق بأنه خطأ من الناحية الاقتصادية، لأن هذا القول يؤدي إلى تطبيق الأخلاق في حقل الاقتصاد. ونجد بالنسبة لقوانين الاقتصاد البورجوازي أن القسم الأكبر من الإنتاج لا يخص العمال الذين أنتجوه. وإذا قلنا الآن: « هذا ليس عدل »، « يجب أن لا يكون هكذ ». فإنما يصبح هذا القول متعلقا بالأخلاق لا بالاقتصاد. ونحن نقول أن هذه الحقيقة الاقتصادية تناقض الشعور الأخلاقي. فماركس لم يُـقم مطاليبه الشيوعية على هذا الزعم بل أقامها على تقلص نظام الإنتاج الرأسمالي المؤكد. هذا التقلص الذي لم يحدث أمام عيوننا ! وهو يقول إن فائض القيمة يعني العمل غير المدفوع لقاؤه الذي هو حقيقة واضحة. ولكن الشيء الذي يمكن أن يكون خطأ من وجهة نظر الاقتصاد قد يكون صحيحا من وجهة نظر التاريخ. فإذا كان الوعي الأخلاقي عند الجماعة يعلن أن حقيقة اقتصادية هي غير عادلة – كما حدث في قضية العبودية أو عبودية العمل – فإن هذا التصريح يكون برهانا على أن هذه الحقيقة ذاتها قد قضي عليها: ويعني أن حقائق اقتصادية أخرى قد ظهرت وطبقت على الحقيقة الأولى. فنرى إذن ظهور كل حقيقة جديدة يكمن وراء خطأ الحقيقة الاقتصادية السابقة لتقضي عليها. وهنا لا يسعنا المجال أن نبحث بعمق معنى وتاريخ نظرية القيمة.
نستطيع أن نستنتج نتائج أخرى غير التي استنتجت، من نظرية القيمة لريكاردو. إن قيمة السلع تتحدد وتقوم على العمل المطلوب لإنتاجها. ونجد في هذا العالم الشرير أن السلع تباع بعض الأحيان بقيمة أعلى بالنسبة للعمال، وبعض الأحيان بقيمة أقل من قيمتها الحقيقية، وفي الواقع لا يكون هذا التغيير نتيجة لتغيير نسبة المنافسة. لقد أصبحت نسبة الربح تطغى على فكر الرأسماليين لتكون متساوية ومرتفعة، كما أنها أصبحت فكرة تخفيض أسعار السلع لتساوي قيمة إنتاجها بطريقة العرض والطلب. ولكن نسبة الربح أخذت تـُحسب على أساس الرأسمال الكلي الموظف في مشروع صناعي. يمكن أن نجد أن الإنتاج السنوي في فرعين مختلفين لصناعة ما، يتطلب كميات متساوية من العمل ويمكن أن يمثل قيما متساوية في الفرعين ويمكن أن تكون الأجور عالية في الفرعين. بنما نرى أن الرأسمال الموظف في الفرع الأول ضعفا أو ثلاثة أضعاف الرأسمال الموظف في الفرع الثاني. وكنتيجة لهذا نجد أن قانون القيمة في نظرية ريكاردو – كما اكتشف ريكاردو نفسه – يناقض قانون التساوي في الأرباح. فإذا كانت منتوجات كلا الفرعين تباع بقيمتها فإن نسب الأرباح لا تكون متساوية، وإذا كانت نسب الأرباح متساوية، فحينئذ نرى أن منتوجات الصناعيين لا يمكن أن تباع بقيمتها. وهكذا يحصل عندنا تناقض – هذا التناقض في قانون اقتصاديين – الذي يعده ريكاردو كقاعدة لتحقيق نسبة الأرباح على حساب القيمة.
لكن تحديد ريكاردو للقيمة – رغم أوصافها المطلقة – بأنها مطلقة، يجعلها عزيزة على قلوب البورجوازيين. إنها تدعو للعدالة لأنها صادرة عن شعوره بالعدالة. وحقوق العدالة والمساواة إنما هي الأعمدة الأساسية التي يريد بورجوازيو القرن الثامن عشر والتاسع عشر أن يقيموا بموجبها بنيانهم الاجتماعي على ضرائب الظلم الإقطاعي وعلى نظرية عدم المساواة ومنح الامتيازات جزافا. لقد برهن ماركس أن القواعد الأساسية التي تبنى عليها سياسة وفلسفة وتشريع ومثالية البورجوازية تقوم على تحديد قيمة السلع بالنسبة للعمل المطلوب لإنتاجها وعلى التبادل الحر لمنتوجات العمل، ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار مقياس القيمة بين أصحاب السلع الذين يريدون حقوقا متساوية. فلو قررنا، ولو مرة واحدة، أن العمل هو قياس قيمة السلعة، نجد أن البورجوازي قد جرح في الصميم وأخذ يعتبر العالم شرا وفسادا لأن هذه القاعدة التي تدعو لتطبيق العدل والمساواة تقوم مانعا وعقبة أمام أعماله الفاسدة. ويرى البورجوازي – وخاصة ذلك الذي يعتمد في « عمله الشريف » على شغيلته وأصحاب المهن عنده – أن عمله يتقلص من جراء المنافسة التي يفرضها الإنتاج الضخم وتقدم الآلة. إن هذا المنتج الصغير يتوق لمجتمع يجد فيه تبادل المنتوجات يتم بالنسبة لقيمة عملها ويريد أن يتأكد أن هذه القاعدة دائمة وكاملة ولا تتغير. وبكلمة أخرى، يطلب هذا المنتج الصغير الحياة في مجتمع يتغلب عليه قانون إنتاج السلع المعينة، ولكن بما أنه لا يستطيع أن يحقق هذه يجد أن قوانين إنتاج السلع الأخرق تتغلب، وهذه هي قوانين الإنتاج الرأسمالي.
إلى أي حد توصلت هذه الطوباوية Utopia بتأثيرها على فكر البورجوازي الصغير – إن كان هذا التأثير حقيقيا أو خياليا ؟ لقد ظهرت الطوباوية في كتاب جان جراي John Gray سنة 1831، وجربت هذه الطوباوية وبُشر بها في انكلترا في حدود سنة 1830، وظهرت في ألمانيا على يد رودبرتوس ودعاها الحقيقة الأخيرة، وأظهرها برودون في فرنسا سنة 1846، وعاد رودبرتوس سنة 1871 وقال أنها الحل الوحيد للمشاكل الاجتماعية، وبقيت الطوباوية تجد محبذين لها سنة 1884 بين أتباع رودبرتوس الذين عملوا على أن ينتقموا من اشتراكية الدولة البروسية.
لقد وجه ماركس انتقادا لهذه الطوباوية وانتقد خاصة برودون وجراي. ولا أستطيع في هذا الكتاب إلا أن أتصدى لبعض الملاحظات والتعليقات والنقد الموجه لرودبرتوس.
وكما قلت سابقا إن رودبرتوس يتبنى المفاهيم الفكرية والخرافية الاقتصادية بالشكل الذي فهمها عندما أخذها عن الاقتصاديين. وهو لا يجهد نفسه أو يحاول على الأقل أن يتقصى معناها ويناقشها ويدرسها. فالقيمة بالنسبة له هي: « تقدير أو إعطاء قيمة لشيء بالنسبة للأشياء الأخرى وبالنسبة للكمية، وقد جعل هذه الفكرة مقياسا للقيمة ». وتعطينا هذه الفكرة بدورها وهذا التحديد أحسن تعبير لتشبيه القيمة، ولكن لا يعطينا شيئا مطلقا عن حقيقة مفهوم القيمة. وبما أن هذا هو كل ما يقدر رودبرتوس أن يقوله بالنسبة للقيمة، فمن المفهوم إذن أنه يفتش عن مقياس للقيمة خارج القيمة ذاتها. وبعد كتابة ثلاثين صفحة نراه يخلط بين قيمة الانتفاع وقيمة التبادل، وبعد بحث مجرد استحسنه هرادولف واغنر Herr Odolf Wagner يستنتج أنه « لا يوجد مقياس حقيقي للقيمة، وعلى الدارس أن يستعيض عن مقياس بمقياس. » وهكذا فالعمل يخدم ويستعمل إذا كانت هناك منتوجات كمية متساوية من العمل المتساوي، وإذا لم تكن المسألة هكذا فيجب أن نضع لها هذا المقياس الافتراضي. وبالنتيجة، يبقى العمل والقيمة بدون أية علاقة ببعضهما، رغم أن الفصل الأول قد خُصص ليعرض علينا أن السلع هي تكاليف وثمن العمل ولا شيء في هذا الفصل سوى العمل، ولكن لماذا نجد كل هذا ؟
لقد أخذ رودبرتوس مفهوم العمل، دون أن يفحصه أو يدقق به عن الاقتصاديين وليس هذا فقط، لكنه بحث العمل كشيء « يكلف » وكشيء يقيس القيمة دون الأخذ بعين الاعتبار تأثير الحالات الاجتماعية. ولم يفكر فيما إذا كان المنتجون يقضون يوما أو عشرة أيام لتحضير المنتوجات التي يمكن تحضيرها في يوم واحد، أو إذا كانوا يستخدمون أحسن الآلات أو أسوأها، أو إذا كانوا يوسعون أوقات العمل في إنتاج الأدوات الضرورية للمجتمع، والكمية التي يحتاجها المجتمع، أو إذا كانوا يصنعون أدوات مرغوبة أو غير مرغوبة بكميات تزيد على الطلب أو تقل عنه – إن رودبرتوس لا يذكر شيئا من هذا، بل يقول إن العمل هو العمل، وإن إنتاج عمل متعادل يجب أن يستبدل بإنتاج عمل متعادل. إن رودبرتوس يبقى مستعدا دوما، إن كان مخطئا أو لم يكن، أن يتبنى صالح الموقف الوطني، ويبقى مستعدا لبحث علاقة المنتجين من وجهة الاعتبارات الاجتماعية، لا نراه يعمل شيئا من هذا. ذلك لأنه، من أول سطر في كتابه، يعمل لكتابة طوباوية العمل النقدي ولأنه يرى أن أية دراسة للعمل كماهية تنتج القيمة، تكون عقبات في طريقه. لقد كانت غريزته أقوالا من فكره المجرد. وهذا يظهر في كتابة رودبرتوس كمثال لغيبوبة المفكر.
إن الانتقال للطوباوية يكون بتلويح اليد « والقياسات » التي تؤكد تبادل السلع بالنسبة لقيمة العمل كقاعدة لا تتغير، لا تسبب أية صعوبات، أما الطوباويون الآخرون الذين يعملون كرودبرتوس – من جراي لبرودون – يحكمون أدمغتهم ليخترعوا المؤسسات الاجتماعية التي تحقق أهدافهم. إنهم يحاولون أن يحلوا المشكلة الاقتصادية بطريقة اقتصادية بواسطة عملية المالكين أنفسهم الذين يملكون السلع المعدة للتبادل. والمسألة بالنسبة لرودبرتوس أسهل بكثير. وكمواطن بروسي صالح يدعو إلى تدخل الدولة: إن قرارا من الدولة القوية يؤدي للإصلاح.
وبهذه الطريقة يتم تشكيل القيمة، ولكن رودبرتوس لم يسبق أحدا غيره بهذا القول – وعلى العكس نرى جراي وبراي Pray قبل رودبرتوس قالا بهذه الفكرة، أي أن رغبتهما كانت إيجاد مقاييس بواسطتها تتبادل السلع في كل وقت من الأوقات بقيمة العمل المتضمن بها.
وبعد أن تضع الدولة مقياس القيمة – على الأقل لبعض المنتوجات لأن رودبرتوس متواضع – فإنها تصدر قسائم العمل النقدي وتقدمها للرأسماليين الصناعيين وحينئذ يدفعون أجور العمال من هذه القسائم، حيث أن العمال يشترون المنتوجات بقسائم العمل النقدي Labour Paper Money التي يتسلمونها، وهكذا يجعلون قسائم العمل تعود إلى نقطة انطلاقها. والآن لنسمع ما يقوله رودبرتوس:
وبالنسبة للحالة الثانية، يكون المقياس الضروري تحقيق القيمة في القسائم، فعندما يسلم الشخص منتوجا أو سلعة يستلم قسيمة، وتسجل على القسيمة كمية العمل المستغرق لإنتاج المنتوج. إن الذي يسلم أو يعطي منتوج عمل يومين يستلم قسيمة مطبوعة « يومان ». وتكتمل الحالة الثانية بمراقبة هذه القاعدة فيما يتعلق بإصدار القسائم. ولكي ينطبق هذا العمل على افتراضاتنا المسبقة فإن القيمة الحقيقية للبضائع تنطبق على كمية العمل الذي يؤلف كلفة الإنتاج وهذه الكمية من العمل تقاس بالتقسيم العادي للوقت، وهكذا فكل شخص يسلم منتوجا يتضمن يومي عمل يستلم شهادة أنه استلم يومين، شهادة توقع له، وهكذا يكون المنتوج معادلا لكمية العمل. وبما أن الشخص الذي يضع منتوجا قيد التداول هو وحده الذي يستلم شهادة، فمن المؤكد أن القيمة المسجلة على القسيمة تعمل لكفاية وسعادة المجتمع. وإننا قدر ما نتصور دائرة تقسيم العمل، فإذا تبعنا هذه القاعدة، فإن مجموع القيمة التي يمكن الحصول عليها يجب أن تكون مساوية تماما لمجموع القيم المعترف بها كشهادة وبما أن مجموع القيم المعترف بها تساوي مجموع القيم المعينة فإن القيم المعينة يحب أن تتوافق مع القيمة الموجودة، وهكذا تحققت جميع المطالب وتحققت أيضا طريقة الدفع وسيولة النقد. (صفحة 166–167).
لا يصل رودبرتوس إلى نتائج في اكتشافاته الجديدة ولكن نراه هذه المرة يبتدع شيئا: لا نرى أحدا من منافسيه يجرؤ أن يعبر عن بلادته وبروده لدى بحثه طوباوية قسائم العمل النقدي في طريقته الطفولية الساذجة. وبما أنه يوجد لكل قسيمة أو شهادة قيمة لشيء مقابل يسلم عوضا عنها، إذ لا تعطي قيمة لشيء إلا مقابل شهادة أو قسيمة، نرى أن مجموع الشهادات أو القسائم يجب أن تـُعطى مقابل مجموع قيمة الأشياء. إن حساب هذه العملية يسير ويعمل دون إبقاء باق، وهكذا لا نعود نحتاج لمحاسب حكومي من جانب الضرائب ولا نعود نجد أخطاء. وماذا نريد أكثر من هذا ؟
نلاحظ في المجتمع الرأسمالي الحاضر أن كل صناعي ينتج على حسابه ما يشاء وكيف يشاء. ويبقى الطلب الاجتماعي عاملا مجهولا له بالنسبة لجودة الصنف وبالنسبة للأشياء المطلوبة وبالنسبة للكمية فالشيء الذي لا يمكن عرضه اليوم بكميات وافرة وكافية يمكن أن يتوفر غدا إذا زاد الطلب. وهكذا يعمل المنتج على إشباع رغبة الطلب بسلع حتى ولو كانت رديئة أو جيدة، وكنتيجة يوجه المنتجون إنتاجهم للبضائع المطلوبة. فكيف نقدر أن نوفق بين هذا التناقض – إذ يقال إن المنافسة هي الدواء. وكيف تقدر المنافسة أن تحل المشكلة ؟ فقط عندما نهمل السلع غير النافعة لحاجات المجتمع، وعندما نجعل المنتجين يشعرون أنهم قد أنتجوا أشياء غير نافعة وبكميات مضرة. عند هذا نصل لنقطتين:
النقطة الأولى، أن الإغراق الدائم لأسعار السلع بالنسبة لقيمتها ضروري لكي تنتج السلع. وفقط بواسطة تذبذبات المنافسة، وبواسطة أسعار السلع، نتأكد من وجود قانون قيمة السلعة المنتجة ونتأكد أن يتحقق تحديد قيمة السلعة بواسطة وقت العمل الضروري اجتماعيا وهكذا نرى أن عرض فكرة القيمة والسعر كقاعدة يصبح لها وجه مختلف عن القيمة الحقيقية التي تظهر بها. وهذا ليس إلا مصيبة لقياس القيمة بأكثرية المفاهيم الاجتماعية. إن الملك يختلف عن المملكة التي يمثلها.. ولكي نرغب في مجتمع مؤلف من المنتجين الذين يتبادلون سلعهم، ولكي نتأكد من تحديد القيمة بوقت العمل، ولكي نمنع المنافسة لنتأكد من تحقيق القيمة بواسطة الضغط على الأسعار بالطريقة التي نقدر أن نعمل بها، إن هذا كله يعني ويبرهن أننا تبنينا الطوباوية واحتقرنا القوانين الاقتصادية.
والنقطة الثانية: إن المنافسة التي تحقق عملية قانون قيمة إنتاج السلعة في مجتمع مؤلف من المنتجين يبادلون سلعهم، تحقق أيضا تنظيم وترتيب الإنتاج الاجتماعي الممكن تقديمه في الأحوال السائدة. وهذا يكون فقط أما بتخفيض أو بزيادة قيمة المنتوجات فيستطيع المنتجون أن يعرفوا أية كمية أو أي صنف يتطلبه المجتمع أو لا يتطلبه. وإذا سألنا عندئذ عن أي ضمان يؤكد لنا الكمية الضرورية وليس أكثر لكل منتوج يجب أن تنتج، وماذا يضمن لنا أننا لن نجوع لقلة اللحم والقمح بينما تكون البطاطا كثيرة، ومن يضمن أنه لن تنقصنا الثياب لنغطي عرينا بينما الأزرار تكون قد أغرقت السوق، إن رودبرتوس يرينا انتصار بحساباته الشهيرة. وهذه الحسابات مؤلفة من القسائم التي تـُسلَّم لكل كيلو سكر تافه ولكل برميل كحول فارغ غير مباع، ولكل زر ثياب عديم النفع، إن هذه الحسابات « صحيحة » تماما – ونستطيع بالنسبة لرودبرتوس إشباع كل المطاليب ونقدر أن نحقق سيولة الإنتاج. وكل واحد لا يعتقد بهذا العمل يقدر أن يحتج إلى محصل الضرائب الحكومي السيد... وهو السيد الذي راقب الحسابات ووجدها صحيحة، وهو السيد الذي لم يقترف إثم غلطة واحدة في حساباته، وهكذا فإن هذا السيد رجل أمين.
والآن لنأخذ بعين الاعتبار سذاجة رودبرتوس واعتقاده أنه يقضي على الأزمات الصناعية والتجارية بواسطة طوباويته. فعندما يصل إنتاج السلع إلى الأسواق العالمية تتم المساواة بين المنتجين الأفراد الذين ينتجون لحسابهم الخاص وبين السوق الذي ينتجون له – والواقع إن هؤلاء المنتجين لا يعرفون هذا السوق جيدا – فعندما تتم هذه المساواة بين هؤلاء المنتجين وبين أسواقهم تنزل بهم أزمة تجارية (1) وإن كنا سنمنع المنافسة الآن لكي نحذر المنتجين الأفراد ولكي ندرك إنتاج السلع بهذه الصورة ولندرك أن المنتجين لا يقدرون أن يعلموا أي شيء عن حالة السوق الذي ينتمون له – إن هذا في الواقع مرض الأزمة الذي جعل الدكتور ايزنبرت Eisanbert يحسد رودبرتوس.
والآن يفهم كل فرد لماذا يحدد رودبرتوس قيمة السلع بواسطة « العمل » ولماذا يقبل درجات مختلفة للعمل. ولكنه لو تعمق ودرس كيف أن العمل يخلق القيمة وكيف يحددها ويكون مقياسا لها، لتوصل إلى العمل الاجتماعي الضروري لإنتاج منتوج واحد بالنسبة للمنتوجات الأخرى من نفس النوع وبالنسبة للطلب الكلي للمجتمع. والاصطدام بالسؤال التالي: كيف يتم التوفيق والتعديل بين منتوجات منتجين لسلع مختلفة لتكفي الطلب الكلي للمجتمع ؟ ولو سأل نفسه هذا السؤال لسقطت طوباويته وتهدمت. ولقد فضل هذه المرة أن يشكل « فكرة مجردة » فقط للأشياء التي تهمة.
وأخيرا نأتي للنقطة التي يقدم بها لنا رودبرتوس شيئا جديدا. وهذا الشيء الجديد يميزه عن باقي الذين يساندون فكرة التبادل الاقتصادي بواسطة القسائم كلهم يطلبون تحقيق هذه المؤسسة التبادلية لأنها – بزعمهم – تلقى استعباد وهضم حقوق رأس المال للأجور. يجب على كل منتج أن يستلم قيمة العمل الكاملة لإنتاجه. إنهم يتفقون على هذا القول – من جراي لبرودون – لكن رودبرتوس يقول، كلا، إن تأخر أجور العمل والاستعباد سيبقيان.
في الدرجة الأولى، لا نجد العامل في أي مجتمع يستلم ويستهلك القيمة الكاملة لإنتاجه. إننا لا نجد شيئا من هذا بل نجد عوامل غير منتجة وأشخاصا لا ينالون إلا نتائج عمل غير منتج. وهذا يتحقق في مجتمع يتبع خطوات فاسدة لتقسيم العمل فالمجتمع الذي لا نجد فيه أن العمل المنتج إجباري – وهذا شيء معقول – نجد أن الأشخاص يصلون فيه لعمل منتج، ولكن حتى في هذه الحالة تبقى الحالة السابقة كما هي لأن العمال كلهم يبقون تحت رحمة العمل وملكا للعمل، ولا ينال كل عامل « الإنتاج الكامل لعمله »، إن الطوباويين لم يبحثوا أبدا بقاء العمال في عمل غير منتج. إنهم يتركون العمال أن يفرضوا ضرائب على أنفسهم بشكل ديموقراطي، بينما رودبرتوس وجه إصلاحه سنة 1842 إلى الدولة البروسية في ذلك الوقت ويضع المسؤولية على فساد الحكم، وبنظره أن أولياء الحكم يجب أن يقرروا حصة العامل في إنتاجه ويجب أن يعملوا لينالوها.
وفي الدرجة الثانية يبقى ريع الأرض والفوائد كما كانت بحالة فساد، لأن الملاكين والرأسماليين الصناعيين يمارسون وظائف ومهمات اجتماعية قوية وضرورية – حتى ولو كانت هذه الوظائف غير منتجة – وهم يستلمون الريع والفوائد كدفع على الحساب – وهذه الفكرة لم تكن جديدة سنة 1842، وهكذا يحصلون الكثير من القليل الذي يعملونه، وهم هكذا يسببون ضررا سريعا، لكن رودبرتوس يحتاج على الأقل لخمسمائة سنة لإبقاء الطبقة الممتازة وهكذا تبقى القيمة الفائضة ولكن لا يسمح لها أن تزداد، إن نسبة الفائض هذه يعتبرها رودبرتوس 200 بالمائة 12 ساعة عمل في النهار، ولا يستلم العامل قسيمة بـ 12 ساعة عمل بل بـ 4 ساعات بين الملاك والرأسمالي. إن قسائم العمل التي قام بها رودبرتوس هي قسائم عمل كاذبة. ونقول أيضا أنه لا يمكن أن نتصور أن طبقة عاملة تعمل 12 ساعة حتى تستلم قسيمة 4 ساعات عمل. إن هذا يعد سرقة فاضحة من قبل الملاك والرأسمالي. إن كل قسيمة تعطى لعامل تكون دعاء للثورة وتقع تحت عقاب المادة 110 من قانون العقوبات الإمبراطوري الألماني يجب أن لا نرى أن أحدا يمثل البروليتاريا إلا العامل اليومي البروليتاري، هذا العامل الذي لا يزال في حالة نصف عبودية، ولا يزال يجلد، ولا يزال الملاك يملك ويحتضن فتيات القرية الجميلات ليجعلهن من حريمه، وهذا يكفي لأن يكون إهانة كبرى للعامل. إن المحافظين عندنا هم أكبر ثوريين.
إذا قبلنا عمالنا – وهم في قبولهم يتواضعون ويتلطفون – أن ينالوا حصتهم أي نتيجة أربع ساعات من أصل 12 ساعة عمل، يجب أن يُضمن لهم أن حصتهم هذه لن تنزل عن هذا المعدل أي الثلث. ولكن هذا الزعم حيلة ولا تستحق الذكر. وعند وصولنا لهذا الحد نجد شيئا جديدا في قصة رودبرتوس الطوباوية فيما يتعلق بقضية تبادل العمل على أساس القسائم: وهذه القصة ليست إلا مجرد ألعوبة صبيانية وحتى أنها لم تبلغ درجة أصدقائه الذين تناولوا هذه الفكرة، إن كانوا قبله أو بعده.
عندما ظهر كتاب رودبرتوس Zur Erkumtsis اعتبر هذا الكتاب مهما لأن اعتناقه وشرحه لنظرية ريكاردو في القيمة كانا برهانا على بداية حسنة، وحتى لو كان الاعتقاد بالنسبة له وبالنسبة لألمانيا أن هذه النظرية كانت جديدة لكننا نرى على كل حال أنه لم يكن أحسن من الكتاب الانجليز الذين عاصروه وسبقوه، ولكن تفكيره كان بداية لو أنه استطاع أن ينهيه بطريقة نقدية جيدة. لكنه قطع على نفسه طريق تطور الفكر وقيمتها في طريق الصالح ولذلك عبر عنها بطريقته الثانية وهي الطوباوية. وهكذا فقد طريقته الأولى في النقد ولم يحرر نفسه من الاعتماد على تفكير غيره. لقد عمل واشتغل ليحقق هدفا خاصا وهكذا أصبح رجلا اقتصاديا يتبع ميلا محددا Tendenzökonom.
وعندما وقع رودبرتوس في حبال الطوباوية قطع عن فكره الطريقة العلمية. لقد عاش في حلقة مفرغة من سنة 1842 حتى مماته، إذا كان يعيد نفس الأفكار التي كان قد عبر عنها أو أظهرها في كتابه الأول، وكان يشعر أنه غير مرغوب بتفكيره، وأخيرا ظل يرفض أنه لم يكتشف شيئا جديدا لأن كل ما قاله كان قد قيل وكل ما اكتشفه كان قد اكتشف سابقا.

صحي هالجزا طويل بس مهم
سلام  






Dont let the system get you down

أنت غير مسجل لدينا.. يمكنك التسجيل الآن.

مشاركة : 2


شو عدا ما بدا

جامعـي مشــارك




مسجل منذ: 28-11-2009
عدد المشاركات: 68
تقييمات العضو: 0
المتابعون: 18

غير موجود
اشــترك بالتحديثات
رسالة مستعجلة

بؤس الفلسفة :تناقض معنى قيمة الانتفاع و قيمة التبادل

24-12-2009 07:35 PM






الفصل الاول

« إن مقدرة كل المنتوجات، المنتوجات الطبيعية أو الصناعية، التي لها علاقة والتي هي ذات نفع عام لوجود الإنسان تحدد بقيمة الانتفاع، ومقدرة هذه المنتوجات أن تتبادل مع بعضها تتحدد بقيمة التبادل... وكيف تصبح قيمة الانتفاع قيمة تبادل ؟ إن تكوين فكرة قيمة التبادل، لم تلق عناية كافية من الاقتصاديين فمن الضروري إذن أن ندرسها وبما أن عددا كبيرا من الأشياء التي احتاجها موجود في الطبيعة بكميات معتدلة أو بكميات قليلة جدا أو أنها غير موجودة إطلاقا، فأنا مجبر أن أعمل لإنتاج ما أحتاجه. وبما أنني لا أقدر على إنتاج أشياء كثيرة، فإنني أعرض على أناس غيري – أناس هم مساعدون لي في عوامل كثيرة ومتنوعة – أن يسلموني قسما من إنتاجهم وأسلمهم قسما من إنتاجي نتيجة للتبادل » برودون المجلد 1، الفصل 11.
يتعهد برودون أن يشرح لنا قبل كل شيء طبيعة القيمة الازدواجية أي « التمييز في القيمة » ويتعهد أن يشرح لنا عملية تحويل قيمة الانتفاع إلى قيمة تبادل، فمن المهم إذن أن نشارك برودون في هذا التحويل. وما سيكتسب الآن هو كيفية تكميل هذا العمل بالنسبة لمؤلفنا.
إن عددا كبيرا من المنتوجات لا توجد في الطبيعة، بل هي منتوجات الصناعة وإذا كانت حاجيات الإنسان تتطلب أكثر من إنتاج الطبيعة لذلك فهو مجبر أن ينتج بواسطة الصناعة. وما هي هذه الصناعة بنظر برودون ؟ وما هو أصلها ؟ إن شخصا واحدا يشعر أنه بحاجة أن يحصل على أشياء كثيرة « لا يقدر أن ينتج أو يحصل على هذه الأشياء الكثيرة ». ولكي نشبع حاجات كثيرة يعني افتراض أشياء كثيرة للإنتاج – ولا توجد منتوجات بدون إنتاج. ولا نتاج أشياء كثيرة يعني افتراض وجود أكثر من يد رجل واحد لتساعد على إنتاجها، لا بد أن يُفرض حالا إنتاج كامل قائم على تقسيم العمل، وهكذا فالحاجة كما يفترضها برودون تفترض التقسيم الكلي للعمل. ولدى افتراضك تقسيم العمل فإنك تحصل على التبادل. وكنتيجة تحصل على قيمة التبادل فالمرء يمكنه أن يكون قد افترض قيمة الانتفاع في البداية.
لكن برودون يفضل أن يدور حول الموضوع، والآن لنتبعه في كل دوراته التي ترجعه دوما إلى النقطة التي ابتدأ منها.
حتى أستطيع أن أتخلص من الحالة التي ينتج فيها كل شخص بمفرده لأصل إلى التبادل « على أن أدعو رفاقي ومساعديّ لأعمال متنوعة » هذا ما يقوله برودون فأنا إذن عندي مساعدين يقومون بأعمال مختلفة. ورغم كل هذا، فأنا وكل الآخرين، بالنسبة لافتراضات برودون، لا نكون قد كونّا إلا اشتراكية روبنسون كروزوإن وجود مساعدين غيري، ووجود الأعمال المتنوعة، ووجود تقسيم العمل والتبادل، يمكن الحصول عليها.
ولنستخلص ما قيل: أنا عندي بعض الحاجات التي تقوم على تقسيم العمل وعلى التبادل، وعندما اسبق وافترض هذه الحاجات يكون برودون قد سبق وافتراض التبادل، وهذا هو ما يهدف إليه « أن يلاحظ تكوين هذه الفكرة باعتناء أكثر مما اعتنى بها الاقتصاديون ».
كان يقدر برودون أن يحول ويقلب نظام الأشياء دون أن يبدل ويغير دقة نتائجه. فلكي نشرح قيمة التبادل يجب أن يكون عندما تبادل. ولنشرح التبادل يجب أن يكون عندنا تقسيم العمل، ولنشرح تقسيم العمل يجب أن يكون عندنا حاجات تجعل تقسيم العمل ضروريا. ولنشرح هذه الحاجات يجب أن نسبق ونفترضها، إننا لا ننكرها – وهذا التحليل يناقض القاعدة الأولى في مقدمة برودون والتي تقول « لكي نسبق ونفترض وجود الله يعني نكرانه » المقدمة صفحة 1.
فكيف يقدر برودون وهو يقر بتقسيم العمل وكأنه شيء معروف أن يشرح قيمته التبادلية، هذه القيمة التي هي مجهولة دائما بالنسبة له ؟
« إن رجل » يبتدئ « ويقترح على الرجال الآخرين أي مساعديه في أمور وأعمال أخرى » بأن يؤسسوا التبادل، أن يميزوا بين القيمة العادية وقيمة التبادل، ولدى قبول هذا التمييز المقترح نرى أن المساعدين الآخرين لم يتركوا لبرودون إلا أن يسجل الواقع وأن يؤكد ملاحظته في بحثه للاقتصاد السياسي « تكون فكرة القيمة ». ولكن عليه أن يشرح لنا « تكوين » اقتراحه ويخبرنا أخيرا كيف يقدر الفرد وحده (روبنسون كروزو) أن يقترح فجأة على مساعديه ورفاقه ما مر معنا وكيف قبل هؤلاء المساعدون الفكرة بدون أي احتجاج ؟
إن برودون لا يدخل في صلب هذه التفاصيل، ولكن ما يعمله هو أن يضع طابعا تاريخيا على واقع التبادل ليضعه بشكل حركة يقوم بها فريق ثالث لكي يتم تأسيس التبادل.
إن هذا نموذج عن « الطريقة التاريخية والوضعية » عند برودون الذي يعلم ويبشر باحتقار « الطرق التاريخية » عند ريكاردو وآدم سميث.
إن التبادل له تاريخ خاص به ولقد مر بأطوار مختلفة.
لقد مر وقت كالعصور الوسطى مثلا، عندما كان يتم التبادل نتيجة للزيادة التافهة التي كانت تطرأ لجهة الإنتاج على الاستهلاك.
وقد مر وقت أيضا عندما أصبح التبادل – كل المنتوجات وكل الوجود الصناعي – تحت تصرف التجارة أو كان الإنتاج تعتمد على التبادل. فكيف نقدر أن نفسر هده الخطوة الثانية للتبادل – القيمة الموجودة في السوق مرفوعة للقوة الثانية ؟
لقد أجاب برودون بسرعة على كل هذا: لنفترض أن رجلا « اقترح على رجال آخرين مساعديه في أعمال متنوعة » أن يرفعوا القيمة الكائنة في السوق إلى القوة الثانية.
وأخيرا أتى وقت نرى فيه كل شيء كان يحسبه المرء غريبا قد أصبح يخضع للتبادل وأصبح واسطة للنقل أو أصبح غريبا عليه. وهذا هو الوقت الذي كانت فيه كل الأشياء تخضع للانتقال من شخص لشخص ولكنها لا تخضع للتبادل وكانت تعطى ولا تباع. وكان يحصل عليها ولكن لا تشترى وهذه الأشياء كانت الفضيلة والمحبة والمعرفة والضمير الخ.. وكان الوقت عندما أصبح كل شيء يخضع للتجارة، أنه وقت الفوضى العامة ووقت التأخير، إنه الوقت عندما أصبح لكل شيء – أخلاقي أو مادي – قيمة تخضع لعوامل السوق. فأصبحت هذه المفاهيم الجميلة تخضع لتأثيرات السوق وتنال قيمتها في السوق.
فكيف نقدر أن نشرح هذه الفكرة الجديدة والأخيرة للتبادل – أي القيمة الخاضعة للسوق ومرفوعة للقوة الثالثة.
يجيب برودون بسرعة على هذا: لنفترض أن شخصا اقترح على أشخاص آخرين، إلى مساعديه في أعمال متنوعة، أن يجعلوا من المحبة والفضيلة الخ... قيمة سوق أي قيمة تخضع لتقلبات السوق وأن يرفعوا قيمة التبادل للقوة الثالثة أي القوة الأخيرة.
نحن نرى أن « طريقة برودون التاريخية والوصفية » تطبق على كل شيء وتجيب على كل شرح وتشرح كل شيء، فإذا كانت طريقه، علاوة على كل شيء، تستعمل لشرح « تكوين الفكرة الاقتصادية » تاريخيا فهي تقول أن الرجل الذي يقترح على رجال آخرين « مساعديه في أعمال متنوعة » أن يكملوا هذا التكوين، ولدى تكميله يحققون هدف العمل.
نحن علينا أن نقبل « تكوين » فكرة قيمة التبادل كعمل تام وكامل، ويبقى علينا الآن أن نعرض العلاقة بين قيمة التبادل وقيمة الانتفاع. ولنستمع لما يقوله برودون:
« لقد بحث الاقتصاديون جيدا المفهوم الازدواجي للقيمة، لكنهم لم يشيروا بدقة إلى طبيعة القيمة المتناقضة، ومن هنا يبتدئ نقدنا.. إن المقارنة بين قيمة الانتفاع وقيمة التبادل شيء بسيط، ولم ير الاقتصاديون بهذه المقابلة إلا عملية بسيطة: لكن نحن نظهر أن هذه البساطة تطوى في ثناياها عجيبة عميقة من واجبنا أن نتعمق ونخترقها... ولكي نضع الكلام بأشكال علمية نقول أن قيمة التبادل وقيمة الانتفاع هما في نسبة معاكسة الواحدة للأخرى ».
فإذا كنا قد تفهمنا فكرة برودون نجد أنه يحاول أن يظهر أربع نقاط:
1– أن قيمة الانتفاع وقيمة التبادل يشكلان « مقارنة عجيبة » إنهما تناقضان بعضهما.
2– أن قيمة الانتفاع وقيمة التبادل تتناقضان بنسبة معاكسة لبعضهما.
3– لم يذكر الاقتصاديون ولم يلاحظوا هذا التناقض بين قيمة الانتفاع وقيمة التبادل.
4– إن نقد برودون يبتدئ في نهايته.
ونحن سنبتدئ في النهاية، ولكي نبرر موقف الاقتصاديين من اتهامات برودون سنستمع لكلام اقتصاديين معروفين جيدا.
سيسموندي Sismondi: إن التناقض بين قيمة الانتفاع وقيمة التبادل هو الذي نقـّص قيمة كل شيء، (كتابه: دراسات). Etudes، Vol 2، P. 162. Brussels Edition
لوردردال Laurderdale: نرى نسبيا أن غنى الأفراد يزداد بزيادة قيمة السلع وتنخفض ثروة المجتمع وعندما تنقص نسبيا مجموعة الثروات الفردية، ولدى تخفيض وتنقيض قيمة السلعة يزداد الغنى « يكثر ». كتابه: دراسات عن أصل وطبيعة الثروة العامة. Recherches sur la nature et L'origine de la richesse publique.
Paris 1808 P. 33.
يعترف سيسموندي من جراء بحثه للتناقض بين قيمة التبادل وقيمة الانتفاع أن انخفاض الواردات يتناسب مع زيادة الإنتاج.
لقد أسس لودرال طريقته على التعاكس النسبي بين نوعي القيمة. وكان مبدؤه شعبيا زمن ريكاردو حتى أن ريكاردو نفسه استطاع أن يتكلم عن هذا المبدأ وكأنه شيء معروف. تزيد الثروة في التفريق بين القيمة والثروة وبتنقيص كمية السلع أي الأشياء الضرورية والمناسبة والممتعة لحياة البشر، ريكاردو في كتابه: مبادئ الاقتصاد السياسي. Recardo, Principes de l'économie politique, Paris 1835 Vol 2.
لقد رأينا الآن أن الاقتصاد قبل برودون يتكلمون عن التناقص بين قيمة التبادل وقيمة الانتفاع. ولننظر الآن كيف يشرح برودون هذا التناقض.
إن قيمة التبادل لمنتوج تنخفض عندما يزداد العرض وعندما يبقى الطلب كما كان، أي أنه كلما كان الإنتاج غزيرا بالنسبة للعرض كلما انخفضت قيمته التبادلية أي كلما انخفض سعره. والعكس بالعكس. وكلما قل العرض بالنسبة للطلب كلما ارتفعت قيمة التبادل أو المنتوج المعروض: أي كلما قل عرض المنتوجات بالنسبة للطلب كلما ارتفعت الأسعار. إن قيمة التبادل لإنتاج معين يعتمد على كثرته أو قلته ويكون دوما متعلقا بالنسبة للطلب. خذ منتوجا ليس كثيرا ولا قليلا واجعله فريدا من نوعه، تجد أن هذا المنتوج يكون أغزر وأكثر إذا لم يكن هناك طلب عليه. ومن الناحية الأخرى، خذ منتوجا ينتج بالملايين، فإنك ستعده نادرا وقليلا إذا لم يكن كافيا لإشباع الطلب أي إذا كان الطلب كثيرا عليه.
هذه كلها تعد حقائق ثابتة، ورغم هذا نعيدها حتى نسهل فهم أعاجيب وأسرار ألغاز برودون.
« وهكذا إذا تبعنا المبدأ حتى نتائجه الأخيرة فإننا سنصل إلى النتيجة المنطقية وهي، أن الأشياء التي لا يستغنى عن استعمالها والتي لا تحد كمياتها يمكن الحصول عليها بلا شيء، والأشياء ذات النفع القليل والتي تمتاز بندرتها وقلتها تكون ذات قيمة لا تعد ولا تحصى. ولكي تتغلب على الصعوبات نقول أن هذه الأقوال المتطرفة ليست واقعية: فمن جهة لا نجد إنتاجا بشريا يمكن أن يكون غير محدود الطاقة ومن جهة ثانية نجد أن أقل الأشياء ندرة يجب أن تكون نافعة لدرجة ما وإلا لكانت عديمة النفع. قيمة الانتفاع وقيمة التبادل مرتبطتان ببعضهم ». المجلد الأول صفحة 93
ماذا نفعل بالصعوبات التي تتعلق ببرودون ؟ لقد نسي كل ما يتعلق بالطلب وأن الشيء يكون نادرا أو عزيزا إذا كان مطلوبا. وعندما يترك فكرة الطلب يقول أن قيمة التبادل تعني الندرة أو القلة، ونراه يقول أن قيمة الانتفاع تعني الغزارة أو الكثرة. وفي الواقع عندما نقول أن الأشياء « التي منفعتها عدم وقليلة تمتاز بقيمة لا تحصى » نصرح أن قيمة التبادل تكون نادرة. « الندرة والقلة القصوى ينقصها لا شيء » تعني الندرة أو القلة. « القيمة التي لا تعد » هي أعلى من قيمة التبادل، وهي قيمة تبادل. وهو يعادل بين هاتين الحالتين. وهكذا نرى أن قيمة التبادل والندرة هي شروط واحدة متعادلة، وعندما نصل لهذه النتائج المتطرفة نجد برودون يحمل هذه التعابير إلى أقصاها ولكنه لا يحمل الحقائق إلى أقصاها، وهكذا يبرهن على بلاغته ولكنه لا يبرهن عن منطقه. إنه يكتشف من جديد اقتراحاته الأولى مجردة عن الواقع بينما يفكر أنه قد اكتشف نتائج جديدة. ونحن نشكره لأنه عني بقيمة التبادل ما عناه بالغزارة أو بالكثرة.
بعد أن رأينا قيمة التبادل والندرة متعادلتين في المعنى، وأن قيمة الانتفاع والغزارة متعادلين في المعنى، نجد أن برودون يدهش لأنه لا يجد أن قيمة الانتفاع تعادل الندرة وقيمة التبادل ولا يجد أن قيمة التبادل تعني الغزارة وقيمة الانتفاع، وإذ يرى أن هذه الأضداد يستحيل تطبيقها لذلك لا يجد مفرا إلا الالتجاء للألغاز. إن القيمة التي لا تحد موجودة بالنسبة له، وهذا لأن الشارين غير موجودين ولأنه لا يجد شارين طالما أنه لا يهتم ولا يأخذ الطلب بعين الاعتبار.
ونجد من جهة أخرى أن الغزارة في نظر برودون تبدو كأنها شيء داخلي. فهو ينسى أنه يوجد أناس ينتجونها ومن مصلحتهم ألا يهملوا الطلب، وإلا فكيف يستطيع برودون أن يقول أن الأشياء التي هي نافعة جدا يجب أن يكون لها سعر منخفض جدا أو أنها لا تكلف شيئا ؟ فعلى العكس، عليه أن يستنتج أن الغزارة أي أن إنتاج الأشياء النافعة جدا يجب أن ترتبط بأسعارها، ولذلك يجب رفع قيمتها التبادلية.
كان زارعو الكرمة الفرنسيون يطلبون قانونا يمنع غرس الكرمة الجديدة. وكان الهولنديون يطلبون أن يحرقوا التوابل الآسيوية ! إن هؤلاء كانوا يحاولون أن يقللوا الغزارة أي الكثرة حتى يرفعوا قيمة التبادل. وكان يعمل بهذا المبدأ طوال القرون الوسطى، هذا المبدأ الذي كان يحدد بواسطة القوانين عدد الشغيلة المياومة، الذين كان المعلم يشغلهم وكان يحدد عدد الآلات التي يمكن استعمالها (راجع اندرسون، تاريخ التجارة).
بعد أن مثلنا الغزارة بقيمة الانتفاع والندورة بقيمة التبادل – ولا شيء أسهل من البرهان على أن الغزارة والقلة هما نسبتان متعاكستان – نجد برودون يعني أن قيمة الانتفاع هي العرض وأن قيمة التبادل هي الطلب. ولكي يظهر وجه التعاكس بصورة أوضح فإنه يستعيض عنها بتعبير جديد، يستعمل « قيمة التقدير » Estimation Value عوضا من قيمة التبادل. لقد انتقلت المعركة الآن من موضعها وأصبح عندنا من جهة المنفعة (قيمة الانتفاع، والعرض) ومن جهة ثانية عندنا التقدير (قيمة التبادل والطلب).
ومن يقدر أن يصالح هاتين القوتين المتناقضتين ؟ وماذا نقدر أن نعمل ليتفقا ؟ وهل نقدر أن نجد فيهما ولو نقطة للمقابلة ؟
« بالتأكيد » يصرخ برودون « توجد طريقة واحدة وهي، (الإرادة الحرة) والسعر الذي نستخلصه من المعركة بين العرض والطلب، بين المنفعة والتقدير ليس إلا تعبيرا للعدالة الأبدية ».
ويتابع برودون ليكمل تعاكساته:
« بمقدرتي كتاجر أن أكون قاضيا لحاجاتي، قاضيا لاختار الشيء، قاضيا للسعر الذي أريد أن أدفعه ومن جهة ثانية، بمقدرتك كمنتج حر أن تكون سيد وسائل التنفيذ وكنتيجة تحصل على السلطة التي تساعدك على تخفيف مصاريفك » المجلد 1، صفحة 41.
وبما أن الطلب أو قيمة التبادل تعني التقدير نجد برودون يقول:
« من المبرهن أن حرية الإرادة عند الإنسان هي التي تخلق التناقض بين قيمة التبادل وقيمة الانتفاع. فكيف نقدر أن نقضي على هذا التناقض طالما أن الإرادة الحرة موجودة وكائنة ؟ وكيف نضحي بالأخيرة (أي الإرادة الحرة) دون أن نضحي بالإنسانية ». المجلد 1، صفحة 41.
وهكذا لا نجد منفذا. يوجد صراع بين قوتين لا تتعادلان صراع بين المنفعة والتقدير. بين الشاري الحر والمنتج الحر.
والآن لننظر إلى الأشياء بإمعان أكثر.
إن العرض لا يمثل المنفعة تماما، والطلب لا يمثل التقدير تماما، ألا يعرض الطالب أيضا منتوجا هو النقد وكعارض لا يمثل بالنسبة لبرودون، المنفعة أو قيمة الانتفاع !
ألا يطلب العارض منتوجا، ألا يطلب العلامة التي تمثل كل المنتوجات وهي النقود ؟ ألا يصبح عندئذ ممثل التقدير أي قيمة التقدير وقيمة التبادل ؟
إن الطلب هو بحد ذاته العرض، والعرض بحد ذاته الطلب، وهكذا فإن تعاكس نظرية برودون – عندما يقارن العرض بالمنفعة والطلب بالتقدير – ليس إلا فكرة مجردة ضارة.
إن ما يدعوه برودون « قيمة الانتفاع » يدعوه الاقتصاديون « قيمة التقدير » وهم على حق بهذه التسمية. ونحن الآن نعود إلى ما يقوله ستورش Storch في كتابه دراسة الاقتصاد السياسي صفحة 48 و49.
تكون الحاجات بالنسبة لستورش أشياء نشعر أننا نحتاجها، وتكون أشياء تنسب لها القيمة أي أنها ذات قيمة. وهناك كثير من الأشياء التي لها قيم لأنها تشبع حاجات يخلقها التقدير. وتقدير حاجاتنا يمكن أن يتبدل، إذن منفعة الأشياء التي تعبر عن النسبة بين الأشياء يمكن أن تتبدل. إن الحاجات الطبيعية تتغير باستمرار والواقع أن الأشياء التي يحتاجها الشعب والتي يعدها مهمة تتغير دوما.
إن النزاع هنا لا يقوم بين المنفعة والتقدير بل يقوم بين القيمة في السوق التي يطلبها العارض وبين القيمة في السوق التي يعرضها الطالب. فقيمة المنتوج التبادلية تكون كل مرة حاصل هذه المتناقضات.
وفي تحليلنا الأخير نقول أن الطلب والعرض يخلقان الإنتاج والاستهلاك – الإنتاج والاستهلاك المبنيين على التبادل الفردي.
إن المنتوج المعروض لا يكون نافعا بحد ذاته، فالمستهلك هوالذي يحدد منفعته. وحتى لو كانت منفعة المنتوج قائمة فليس من الضروري أن تتمثله المنفعة ولقد تبدلت هذه المنفعة خلال الإنتاج بتكاليف الإنتاج، فالمواد الأولية وأجور العمال وهذه كلها تؤلف قيم السوق. فالإنتاج إذن يمثل في نظر المنتج مجموع القيم التي ستعرض في السوق. وما يعرضه المنتج لا يكون شيئا نافعا بل يكون فوق كل شيء قيمة تفرض في السوق.
وفيما يتعلق بالطلب، يكون الطلب ذا تأثير في الأحوال التي تتم فيها وسائل التبادل. وتؤلف هذه الوسائل بحد ذاتها المنتوجات نفسها، وقيمة السوق.
وفيما يتعلق بالطلب والعرض، نجد من جهة منتوجا له تكاليف قيمة قيم السوق والحاجات لبيعه ومن جهة ثانية نجد الوسائل التي خلقت تكاليف قيم السوق، والرغبة في الشراء.
إن برودون يضع الشاري الحر أمام المنتج الحر، ويطبق عليهما أوصافا ميتافيزيقية. وهذا ما يجعله يقول: « من الواضح والمعروف أن الإرادة الحرة عند الإنسان هي التي تخلق التناقض بين قيمة الانتفاع وقيمة التبادل » المجلد 1، صفحة 41.
عندما ينتج المنتج في مجتمع قائم على تقسيم العمل وعلى التبادل (وهذا هو افتراض برودون) يجد نفسه مجبرا على البيع. إن برودون يجعل المنتج سيدا لوسائل الإنتاج، لكنه يوافق معنا أن وسائل الإنتاج هي منتوجات يحصل عليها من الخارج، وبالنسبة للإنتاج الحاضر لا يكون المنتج حرا في إنتاج الكمية التي يريدها. إن درجة تطور ونمو القوى الإنتاجية تجبره أن ينتج بالنسبة لمقياس معين.
والمستهلك لا يملك حرية أكثر من المنتج. وحكمه هذا يعتمد على وسائله وحاجاته – ووسائله وحاجاته تعتمد على مركزه الاجتماعي، ومركزه الاجتماعي يعتمد على التنظيم الاجتماعي الكامل. والواقع أن العامل الذي يشتري بطاطا والمرأة التي تشتري خيوطا يتبعان كلاهما حكمهما على الأشياء. لكن الاختلاف في مقدار حكمهما يتوقف على المراكز التي يشغلانها في العالم، وهذه المراكز هي نتاج التنظيم الاجتماعي.
هل أن كل الحاجات قائمة على التقدير أو على التنظيم العام للإنتاج ؟ إن الحاجات غالبا تقوم مباشرة نتيجة للإنتاج أو من حالة الأعمال القائمة على الإنتاج. فالتجارة العالمية تقوم تقريبا على الحاجات ولا تقوم على الاستهلاك الفردي بل على الإنتاج. ولنختار مثالا آخر، ألا تكون الحاجة للمحامين نتيجة لوجود القانون المدني الذي يعبر عن تطور الملكية أو تطور الإنتاج.
لم يكن هذا حلا كافيا لبرودون أن يقلل من العوامل المذكورة بالنسبة لعلاقة العرض والطلب. إنه يحمل الفكر المجرد إلى أبعد حدوده عندما يُذيب المنتجين بشكل منتج واحد، وعندما يذيب كل المستهلكين في مستهلك واحد، وعندما يتم صراعا بين هذه الشخصيات الوهمية. ففي العالم الواقعي تحدث الأشياء ولكن بشكل آخر. فالمنافسة بين العارضين والمنافسة بين الطالبين تشكل قسما ضروريا من الصراع بين الشارين والبائعين، وتكون قيمة السوق نتيجة لهذا الصراع.
وبعد أن يكون برودون قد خفف من قيمة المنافسة وتكاليف الإنتاج يقدم لنا قاعدته الفارغة عن العرض والطلب:
يقول « العرض والطلب هما أشكال احتفالية Ceremonial forms تعمل على وضع قيمة الانتفاع وقيمة التبادل وجها لوجه، وتحاول أن تصلح بينهما، إنهما – أي العرض والطلب – قطبا الكهرباء اللذان عندما يتصلان، يجب أن ينتجا المظهر الذي ندعوه التبادل ». المجلد 1 صفحة 49 و50.
ويقدر كل شخص أن يقول أن التبادل هو شكل احتفالي يعمل على تعريف وتقديم المستهلك الشيء المعد للاستهلاك. ويستطيع كل فرد أن يقول أيضا أن كل العلاقات الاقتصادية هي أشكال احتفالية تخدم مصلحة الاستهلاك، وليس العرض والطلب علاقات بين منتوج معطى أكثر مما هما تبادلات بين أفراد.
فماذا يتضمن، ديالكتيك برودون بعد هذا البحث ؟ إن هذا ديالكتيك يبحث في المقارنة بين قيمة الانتفاع وقيمة التبادل، والمقارنة بين العرض والطلب، والمقارنة بين المجرد والأفكار المتناقضة (مثل الندرة والغزارة أي القلة والكثرة) والمقارنة بين المنفعة والتقدير، والمقارنات بين مستهلك ومنتج وكلاهما فرسا الإرادة الحرة.
إلام كان يهدف برودون ؟
كان يظن أنه يعرف ويدخل عاملا هاما في أبحاثه وهو تكاليف الإنتاج ويعني بها نتيجة تناقض Synthesis قيمة الانتفاع وقيمة التبادل. وبنظره إن تكاليف الإنتاج تؤلف وتشكل القيمة الناتجة Synthetic أو القيمة المشكلة Constituted.




Dont let the system get you down

أنت غير مسجل لدينا.. يمكنك التسجيل الآن.

مشاركة : 3


شو عدا ما بدا

جامعـي مشــارك




مسجل منذ: 28-11-2009
عدد المشاركات: 68
تقييمات العضو: 0
المتابعون: 18

غير موجود
اشــترك بالتحديثات
رسالة مستعجلة

بؤس الفلسفة:تطبيق قانون نسبية القيمة

25-12-2009 09:16 AM







أ – النقد
« كان الذهب والفضة أول السلع التي نالت قيمة مشكلة »
وهكذا فالذهب والفضة كانا أول التطبيقات « للقيمة المشلكة » هذا ما يقوله برودون، وبما أن برودون يشكل قيمة المنتوجات إذ يحددها بكمية العمل المقارن المتضمن بها، لذلك كان عليه أن يبرهن أن التغييرات في قيمة الذهب والفضة تفسر دوما بتغييرات في وقت العمل المأخوذ لإنتاجها لذلك لا يتكلم برودون عن الذهب والفضة كسلع بل كنقود.
إن منطقه الوحيد – إن كان عنده منطق – يقوم على الخلط بين مقدرة الذهب والفضة لاستعمالها كنقد لصالح ككل السلع التي تخضع لخصائص التقييم بوقت العمل. في الواقع نجد بساطة أكثر مما نجد خبثا في هذا القول.
إن سلعة نافعة – عندما توضع لها قيمة بالنسبة لوقت العمل الذي يحتاج لإنتاجها – تقبل دائما في التبادل، لكن برودون لا يقول هذا إلا عن الذهب والفضة إذ يتكلم عنهما بشروطه كما يرغب بها بالنسبة للتبادل. فالذهب والفضة هما قيمة وصلت حالة التشكيل: إنهما متضامنان في فكر برودون. إن الذهب والفضة رغم مقدرة كونهما سلعا ورغم أنهما تخضعان للتقييم كأية سلعة أخرى بالنسبة لوقت العمل، فإن لهما مقدرة كونهما الوسطاء العامين للتبادل، وأيضا مقدرة كونهما نقود، والآن يعتبر الذهب والفضة بتطبيق « القيمة المشكلة » بوقت العمل، إذ لا شيء أسهل من البرهان على أن كل السلع التي تشكل قيمتها بوقت العمل تخضع للتبادل، فهي تعد إذن.
إن برودون يتعرض لسؤال بسيط جدا. لماذا يمتاز الذهب والفضة بإعطائهم « القيمة المشكلة » ؟
« إن الواجب الذي جعل المواد الثمينة تمتاز بالاستعمال، وتستعمل كوسيط في التجارة، هذه الرسوم التي هي محض اتفاق وأن بمقدرة أية سلعة أخرى – ولو بدرجة أقل – أن تقوم بهذا الواجب، يذكر الاقتصاديون هذا ويقدمون أكثر من مثال واحد، فما هو السبب الذي يجعل العالم يفضل هذه المعادن كنقود ؟ وكيف يشرح الاختصاص لخواص النقود – هذا الاختصاص الذي ليس لها مثلها في الاقتصاد السياسي ؟ أ من الممكن أن نعيد بناء الحلقات التي مر بها النقد واجتازها، وأن نقتفي أثره لنصل إلى المبدأ الحقيقي ؟ » المجلد 1، صفحة 68، 69.
وبما أن برودون قد وضع السؤال بهذا الشكل نجد أنه يفترض مسبقا وجود النقد، كان يجب أن يسأل نفسه هذا السؤال وهو لماذا – في التبادلات كما هي موضوعة – من الضروري أن تخضع قيمة التبادل للتبادل الفردي أي بخلق عميل خاص للتبادل. ليس النقد شيئا بل هو عبارة عن علاقة اجتماعية. لماذا تكون علاقة إنتاج مثل أية علاقة تجارية كتقسيم العمل مثلا ؟ إذا كان برودون قد أخذ هذه العلاقة بعين الاعتبار كما رأى في النقد استثناء، ولما رأى به عاملا لا يتعلق بمجموعة حوادث أو أنها تحتاج لإعادة بنائها.
كان على برودون أن يتحقق من أن هذه العلاقة هي حلقة كاملة الاتصال مؤلفة من العلاقات الاقتصادية، وأن هذه العلاقة تقابل شكلا معينا من الإنتاج كمثل لا أكثر ولا أقل للتبادل الفردي. فماذا يفعل هو ؟ إنه يبدأ بتجريد النقد من الشكل الواقعي للإنتاج كمجموعة ومن ثم يجعل منه العضو الأول بمجموعة خيالية. بمجموعة يجب إعادة بنائها.
وعندما يكون من الضروري إيجاد عميل خاص للتبادل أي للنقد، يتبقى أن نشرح سبب إعطاء ميزة خاصة للذهب والفضة بينما لا نعطيها لأية سلعة أخرى. إن هذا السؤال يبقى ثانويا لأنه يفسر بسلسلة علاقات الإنتاج وبالنوع والكيفية الخاصة الموجودة في الذهب والفضة كمواد. وإذا كان هذا الذي جعل الاقتصاديين يخرجون عن حدود علمهم الخاص وينخرطون في الفيزياء والميكانيك والتاريخ الخ. (كما يوبخهم برودون) فإنهم يعملون ما أجبروا على عمله، لأن السؤال لم يكن بعد محسوبا ضمن حدود الاقتصاد السياسي.
يقول برودون « إن الذي لم يفهمه أي اقتصادي هو المنطق الاقتصادي الذي حدد – لصالح المعادن الثمينة – القيمة التي تتمتع بها هذه المعادن » المجلد 1، صفحة 69.
إن هذا السبب الذي لم يفهمه أحد – فهمه برودون وقدمه للأجيال القادمة.
« إن الشيء الذي لم يلاحظه أحد هو أنه من كل السلع – الذهب والفضة كانا أول سلع تحصل على قيمتها المشكلة. ففي الزمن البطريركي كان الذهب والفضة لا يزالان يخضعان للمقايضة وكانا يتبادلان بكميات من المعادن ولكن رغم هذا فقد أظهرا ميلا منظورا ليصبحا ذات مقدرة فعالة ونالا درجة مرموقة عن غيرهما فملكها الحكام رويدا رويدا وختموها بأختامهم، ووُلد النقد عندما قام الحاكم بهذا العمل، هذا النقد أي السلعة المفضلة التي رغم كل صدمات التجارة يحتفظ بقيمة نسبية محدودة ويجعل ذاته مقبولا في كل المدفوعات. تعود الصفة المميزة للذهب والفضة في الواقع – لنشكر خواصهم المعدنية لصعوبة إنتاجهما، وإلى تدخل سلطة الدولة، ولقد نالا الاستقرار والموافقة لاعتباريهما سلع ».
إذا قلنا أن الذهب والفضة كانا من بين السلع الأولين اللذين نالا قيمتها المشكلة فهذا يعني أن الذهب والفضة كانا من أول من حقق حالة النقد. وهذا هو وحي برودون الأكبر، وهذه هي الحقيقة التي لم يكتشفها أحد قبله.
إذا كان يعني برودون أن الذهب والفضة كانا من بين السلع التي عُرفت وقت إنتاجها، فإن هذا يعني غير ما أراد أن يقدمه لقرائه وإذا أردنا أن نمضي في هذه الأخطاء البطريركية علينا أن نخبر برودون أن الحديد كان أول معدن عرف لأنه كان من الأشياء الضرورية للإنتاج. ونحن نوفر عليه قوس آدم سميث الكلاسيكي.
ولكن، بعد كل هذا، كيف يقدر برودون أن يستمر في الكلام عن تشكيل القيمة، بينما لا تتشكل القيمة من ذاتها ؟ إنها تتشكل، لا بالوقت الذي يحتاج إنتاجها بذاتها، ولكن بالعلاقة للكوتا لكل منتوج آخر يمكن خلقه في نفس الوقت. وهكذا فتشكيل قيمة الذهب والفضة تفترض مسبقا تشكيلا كاملا لعدد من المنتجات الأخرى.
ليست السلعة إذن هي التي حققت في الذهب والفضة – حالة القيمة المشكلة – إنها القيمة المشكلة عند برودون التي حققت في الذهب والفضة حالة النقد.
والآن دعنا نفحص بإمعان هذه الأسباب الاقتصادية التي بالنسبة لبرودون – أكسبت الذهب والفضة حسنة إذ رُفعت لحالة النقد بسرعة أكبر من المنتجات الأخرى – لنشكر الذهب والفضة لإنهما مرَّا بطور تشكيل القيمة –.
إن هذه الأسباب الاقتصادية هي: الميل المتطور لتصبح « مفهوما مشكل » هي « تفضيل السوق » حتى في « الزمن البطريركي »، وأحوال أخرى تتعلق بالواقع الحقيقي – الذي يزيد الصعوبة، طالما أنها تزيد الحقائق بزيادة الحوادث التي يحاول برودون إدخالها ليشرح الواقع. لم يستنفذ برودون كل هذه الأسباب الاقتصادية. وهنا نورد أحد عوامل القوة التي تتمتع بها السلطة:
« ولد النقد من رغبة السلطة: يمتلك أصحاب السلطة الذهب والفضة ويضعون ختمهم عليه » المجلد 1، صفحة 69.
وهكذا فإن أهواء أصحاب السلطة هي بالنسبة لبرودون السبب الأول والأعلى في الاقتصاد السياسي.
الواقع، يجب على الشخص أن يكون قليل المعرفة بالتاريخ لكي يعرف أن السلطة هي التي كانت خاضعة في كل العصور للأحوال الاقتصادية، ولكنهم لم يضعوا قوانين لها. إن التشريع – إن كان سياسيا أو مدنيا – لا يكون أكثر من أن يعبر عنه في كلمات – إرادة العلاقات الاقتصادية.
أهو الحاكم الذي امتلك الذهب والفضة ليجعل منهما وسطاء عامين للتبادل بتثبيت ختمه عليها ؟ إذا لم يكن هؤلاء الوسطاء العامون للتبادل هم الذين امتلكوا الحاكم وأجبروه أن يضع ختمه عليها ليعطيها قيمة سياسية !
إن التأثير الذي كان ولا يزال يُعطى للنقود لا يعود لقيمته لكن لوزنه، هذا الاستقرار والسيطرة التي يتكلم عنها برودون تنطبق فقط على مقياس النقد، ويشير هذا المقياس إلى مقدار المادة المدنية الموجودة في قطعة النقد. يقول فولتير « إن القيمة الأصلية لقطعة فضة هي قطعة فضة، نصف باوند تزن 8 أونس ». إن الوزن والمقياس وحدهما يشكلان هذه القيمة الأصلية. فالسؤال: كم يستحق أونس من الفضة أو الذهب، ليبقى كما هو. إذا كان نوعٌ من الصوف من مستودعات « كولبير البطة » وسيط ماركة تجارية – صوف نقي – إن هذه الماركة لا تُخبرك عن قيمة هذا النوع من الصوف. ويجب فقط أم نعتبر السؤال: كم يُساوي الصوف ؟ « إن فيليب الأول ملك فرنسا » يقول برودون « يصدر شارلمان الذهبية ثلثاً بثلثين، مُتخيِّلاً أنه يحتكر صناعة النقد، وهطذا يقدر كل تاجر أن يعمل إذا احتكر منتوجاً ما. وماذا كان سبب تخفيض قيمة الصرف التي يقوم لأجلها فيليب الأول ومن تبعه ؟ كان عمله المنطق الصادر عن وجهة نظر الواقع التجاري، لكن كل علم اقتصادي غير منطقي يفترض أن – كما أن العرض والطلب ينظِّمان القيمة إمَّا بإنتاج قلةٍ مُصطنعةٍ أو باحتكار الأشياء المصنوعة – يزاد تقدير قيمة الأشياء، وهذا شيءٌ ينطبق على الذهب والفضة كما ينطبق على القمح والخمر والزيت والتبغ. لكن خِداع فيليب لم يشك به حالاً إلا عندما انخفضت القيمة الواقعية لنقده، وخسر هو نفسه ما طن أنه سيربحه من أتباعه. وقد حدث نفس الشيء نتيجة لكل محاولة مُشابهة » المجلد 1، صفحة 70 – 71.
لقد برهن عدة مرات أنه إذا أراد أمير أن يخفض من قيمة الصرف فإنه سيخسر. فما يربحه لدى أول إصدار يخسره كل مرة تعود إليه القطع النقدية الزائفة بشكل ضرائب الخ. لكن فيليب وأتباعه كانوا قادرين أن يحموا أنفسهم من هذه الخسارة لأنهم عندما وضعوا القطع النقدية للتداول، فإنهم كانوا يأمرون بجمع المال كما كانوا يفعلون سابقا.
وعلاوة على ذلك لو أستطاع فيليب الأول أن يكون منطقيا مثل برودون لما كان منطقيا ممتازا « من الوجهة التجارية » لم يبرهن لا برودون ولا فيليب الأول عن أية عبقرية تجارية عندما تصوروا إمكانية تغيير قيمة الذهب كإمكانية تغيير أية سلعة أخرى: وهذا فقط لأن سعرها محدد بالعلاقة بين العرض والطلب.
لو أمر الملك فيليب أن يصبح مكيال من الحنطة في المستقبل مكيالين من الحنطة. لكان في عمله هذا مخادعا، ولخدع كل الذين يحصلون على دخل، ولخدع الناس الذين كانوا يحصلون على مائة مكيال من الحنطة. ولكان سبب تخفيض مائة مكيال ينالها البعض إلى خمسين مكيال فقط. ولنفترض أن الملك كان مديونا بمائة مكيال حنطة فكان عليه أن يدفع خمسين فقط. لكن في التجارة نرى أن المائة لا تساوي أكثر من الخمسين، ففي تغييرنا للاسم لا نغير شيء. إن كمية الحنطة، معروضة أو مطلوبة، لا تزداد أو تنقص بتغيير الاسم فقط. وهكذا فالعلاقة بين العرض والطلب يبقى نفس الشيء رغم هذا تغيير في الاسم وسعر الحنطة لا يتأثر بأي تغيير حقيقي. عندما نتكلم عن عرض وطلب الأشياء لا نتكلم عن عرض وطلب أسماء الأشياء.
لم يكن فيليب الأول صانع ذهب أو فضة كما يقول برودون، لقد كان صانع أسماء القطع النقدية. اجعل نوع الصوف الفرنسي نوعاً من الصوف الآسيوي فتستطيع أن تخدع شارياً أو شاريين، ولكن عندما تُكتشف الخدعة، فإن ما تدعوه صوفاً آسيوياً يهبط سعره إلى سعر الصوف الفرنسي. عندما وضع الملك فيليب قاعدة عامة للذهب والفضة استطاع أن يخدم غيره طالما أن الخدعة لم تكن معروفة. وكأي صاحب خدع فإنه خدع زبائنه عندما وصف لهم مستودعاته وصفاً كاذباً، لكن هذا الكذب لم يدم طويلاً. لقد أُجبر أخيراً أن يقاسي مرارة القوانين التجارية. وهل هذا هو ما أراد برودون أن يبرهنه ؟ كلا، بالنسبة له. يحصل النقد على قيمته من السلطة وليس من التجارة ولكن ماذا يبرهن حقاً أن التجارة لها سلطة أكثر من السلطة. دع قرارات السلطة تجد أن ماركاً واحداً سيكون في المستقبل ماركين، وتستمر التجارة تقول إن هذين الماركين لا يساويان أكثر من ماركٍ سابقاً.
ولكن علاوةً على كل هذا نجد أن مسألة القيمة المحددة بكمية العمل لم تتقدم خطوة واحدة ولا نزال في حيرةٍ لنُقرر إن كانت قيمة الماركين (اللذين أصبحا بقيمة مارك واحد) تُحدد بتكاليف الإنتاج أو بقانون العرض والطلب.
يُتابع برودون « يجب أن نثبت في عقولنا – عوضاً أن نُنقص من قيمة الصرف أنه كان بمقدور الملك أن يُضاعف حجمه – أن تبادل قيمة الذهب والفضة كان سيسقط إلى النصف وهذا يعود دوماً لأسباب النسبة والتساوي ». المجلد 1، الصفحة 71.
لو كانت هذه الفكرة شرعية (وهو يُشارك غيره من الاقتصاديين) – فستناقش فقط فكرة العرض والطلب وتحبذ فكرة النسبة عند برودون. فمهما تكن كمية العمل المضمنة في حجم مضاعف للذهب والفضة، فإن قيمتها ستسقط للنصف، لأن الطلب يبقى نفس الشيء بينما العرض قد تضاعف. أيمكن أن نخلط قانون النسبة بقانون العرض والطلب ؟ إن قانون النسبة هذا الذي يتكلم عنه برودون يظهر أنه مطاط جدا وقادر على التغييرات وقابل للاتحاد والذوبان بقوانين غير، حتى أنه يطابق ولو مرة واحدة، قانون الطلب.
لكي نجعل « كل سلعة قابلة للتبادل، إذا تم هذا التبادل فأنه يتم بحق ». لنطبق هذا الحق على قاعدة الدور الذي يلعبه الذهب والفضة، يعني عدم فهم هذا الدور. يقبل الذهب والفضة بحق لأنهما يقبلان واقعيا، ويقبلان واقعيا لأن التنظيم الحاضر للإنتاج يحتاج لوسيط عام يقوم بدور التبادل. فالحق هو التعريف الرسمي للواقع.
لقد رأينا أن مثال النقد كتطبيق للقيمة – هذه القيمة التي حققت دور التشكيل – إن برودون قد أختار هذا المثال ليتهرب من مبدئه الكلي في التبادل، يعني لكي يبرهن أن كل سلعة تعطي قيمتها على أساس تكليف إنتاجها يجب أن تصل لحالة النقد. كل هذا يمكن أن يكون جميلا لولا الاعتراف بالواقع أن الذهب والفضة – كنقود – هي الوحيدة بين السلع التي لا تتحدد بتكاليف إنتاجها ودليل على هذا هو أنه يمكن أن نستعيض عنها بالنقد الورقي أثناء التداول. وطالما أنه توجد نسبة معينة وملحوظة بين متطلبات التداول بين كمية النقود المطروحة، ولو كانت ورقا أو ذهبا أو بلاتين أو نقود ا نحاسية، فلا يمكن أن نلاحظ وجود نسبة بين القيمة الداخلية المخلوقة « تكاليف الإنتاج » وبين قيمة النقود المسماة. بلا شك، في التجارة العالمية، يحدد النقد كأية سلعة أخرى أي بوقت العمل. ولكن في الواقع إن الذهب والفضة في التجارة الدولية هي وسائل المنتوجات وليست كنقود. وهذا يعني أن النقود تفقد « صفتها العامة والمستقرة » وتفقد « موافقة السلطة » التي – بالنسبة لبرودون – تُشكِّل مميزاتها الخاصة. لقد فهم ريكاردو هذه الحقيقة جيداً حتى بعد أن أسس طريقته على القيمة المحدودة بوقت العمل، وبعد أن قال: « إن الذهب والفضة ككل السلع الأخرى، لها قيمة فقط بالنسبة لكمية العمل الضروري لإنتاجها والتي تأتي بها للسوق » فإنه يُضيف أن قيمة النقد لا تُحدد بوقت العمل المتضمن بمادته بل بقانون العرض والطلب فقط.
« ورغم أن النقد الورقي ليس له قيمة داخلية، ولكن لدى تحديد كميته، نرى أن قيمته في التبادل عظيمة كمقدار قطعة النقود (أي أن الورق يحل محل قطعة النقد المعدنية). وبنفس المبدأ لدى تحديد كميته, فإن قطعة نقد مُخفَّضٌ وزنها تُتداول بالنسبة للقيمة التي تحملها، ولو لم تكن في وزنها الشرعي وقيمتها الأصلية لتم تبادلها كما كان سابقاً. نجد في تاريخ النقد الإنكليزي أن قيمة الصرف لم تنخفض بنفس النسبة التي تخفض به قطعة النقد وسبب هذا هو أن النقد لم يزدد أبداً كمياً بالنسبة لقيمته المنخفضة » ريكاردو.
والآن نُورد ما يلاحطه ساي بالنسبة لقول ريكاردو:
يكفي هذا المثال، كما أظن لِيَقنع المؤلف أن أساس كل قيمة ليست كمية العمل الذي يحتاج له لعمل السلعة، لكن الحاجة لتلك السلعة إذا قوبلت بِقلَّتها وندرتها.
وهكذا فالنقد – الذي ليس هو بالنسبة لريكاردو قيمة يُحدِّدُها وقت العمل، والذي يتَّخذه ساي كمثالٍ ليُقنِع ريكاردو أن القِيم الأخرى لا يمكن تحديدها أيضاً بوقت العمل، هذا النقد، الذي يتَّخذه ساي كمثال لقيمة تحدد بالعرض والطلب، يصبح بالنسبة لبرودون المثال الممتاز لتطبيق القيمة المشكلة بوقت العمل.
ولكي نستنتج – إذا لم يكن النقد قيمة « مشكلة » بوقت العمل – إذن له علاقة بفكرة النسبة عند برودون. إن الذهب والفضة يخضعان للتبادل دوما لأن لهما ميزات خصوصية للخدمة كوسيط عام التبادل وليس لأنها موجودة بكمية نسبية لحاصل مجموع الثروة، ولنضع الاستنتاج بقالب أحسن: إنهما – الذهب والفضة – نسبيتان لأنهما – وهما وحدهما نسبيتان بين كل السلع – تخدمان كنقد، وكوسيط عام التبادل مهما كانت كميتهما بالنسبة لحاصل مجموع الثروة. « لا يمكن أن يكون التبادل غزيرا حتى يطوف، لأنه لدى تنقيص قيمته – وبنفس النسبة أنت تزيد كميته – ولدى زيادة قيمته، فإنك تقدر أن تنقص كميته » ريكاردو.
« ما هو هذا التعقيد في الاقتصاد السياسي » يصرخ برودون.
« ملعون هو الذهب » يصرخ شيوعي بفم برودون. إنك تقدر أن تقول: ملعون هو القمح، ملعونة هي الكرمة، ملعونة هي الخراف !.. لأنها مثل الذهب والفضة، فنرى أن كل قيمة تجارية يجب أن تنال تحديداتها الصحيحة ». المجلد 1، صفحة73.
إن فكرة جعل الخراف والكرمة تصل لحالة النقد ليست جديدة ففي فرنسا، في عصر لويس الرابع عشر، ففي ذلك الزمن، عندما ابتدأ النقد في فرض سيطرته، أخذ الناس يتذمرون من انخفاض كل السلع الأخرى، وكان يرجى أن يكون ذلك الوقت الذي يمكن تنال فيه « كل قيمة تجارية » تحديدا صحيحا وأن تنال حالة النقد أي أن تحقق كونها نقدا. وحتى في كتاب بواغيبر Boisguillebert وهو أحد الاقتصاديين الفرنسيين القدماء، نجد هذا القول« النقد إذن – لدى وجود مُنافسين عديدين بشكل سلع، وهذه السلع وهي حاصلة على قيمتها الحقيقية – سيعود مرة أخرى لحدوده الطبيعية ». كتابه « الاقتصاديون ورجال المال في القرن الثاني عشر ».
Economists, Financiers de Dix – Huitième Siècle
كلُّ واحدٍ يرى أن أول أوهام البورجوازية هو آخر أوهامها.

   




Dont let the system get you down

أنت غير مسجل لدينا.. يمكنك التسجيل الآن.

مشاركة : 4


شو عدا ما بدا

جامعـي مشــارك




مسجل منذ: 28-11-2009
عدد المشاركات: 68
تقييمات العضو: 0
المتابعون: 18

غير موجود
اشــترك بالتحديثات
رسالة مستعجلة

بؤس الفلسفة: تطبيق قانون نسبية القيمة 2

25-12-2009 09:12 PM






ب – العمل الفائض
 
« في بعض كتب الاقتصاد السياسي نقرأ هذه الفرضية: لو تضاعف سعر كل الأشياء ... كان سعر كل شيء لن يكون النسبة بين الأشياء – إذ أن كل واحد يقدر أن يُضاعف العلاقة والنسبة أو القانون » المجلد 1، صفحة 81.
لقد سقط الاقتصاديون في هذه الفرضية البالية لأنهم لك يعرفوا كيفية تطبيق « قانون النسبة » وقانون « القيمة المُشكَّلة ».
ولسوء الحظ نقرأ في نفس كتاب برودون « المجلد 1، صفحة 110 » « لو ارتفعت الأجور ارتفاعاً عاماً، فإن سعر كل شيء سيرتفع ». وعلاوة على هذا. لو وجدنا هذا السؤال في كتب الاقتصاد السياسي لوجدنا شرحاً له: « عندما يتكلم شخصٌ عن سعر كل السلع عندما ترتفع أو تهبط، فإنه يُجرد عنها سلعةً ما. وهذه السلعة التي لا تخضع لهذ الفرضية هي النقد والعمل ».
John Stuart Mill: Essays on Some UnsettledQuestions of Political Economy.
لِنأت الآن إلى التطبيق الثاني « للقيمة المُشكَّلة » ولنأت إلى نسبٍ أخرى – هذه النسب ينقصها نسب حقة – ولننظر إن كان برودون أكثر سعادةً هنا من المكان الذي يُحاول فيه أن يجعل الخراف والكرمة نقوداً.
« قبِل الاقتصاديون فرضيَّة ما وهي أن كلَّ عملٍ يجب أن يترك فائضاً. ففي نظري هذه الفرضية حقيقة مطلقة وعامة .. إنها تابع لقانون النسبة التي يمكن أن نعتبرها كخلاصة لعلم الاقتصاد كله. ولكن إذا سمح لي الاقتصاديون أن أقول أن المبدأ القائل أن كل عملٍ يجب أن يترك فائضاً، فإن هذا المبدأ لا معنى له ولا يخضع لأي برهان أو دليل » المجلد 1، صفحة 73.
ولكي يُبرهن أن كلَّ عملٍ يترك فائضاً نرى برودون يُعطي شخصيَّةً للمجتمع. إنه يلتفت إلى شخص – المجتمع – أنه ليس مجتمعاً من الأشخاص وليس له مفهوم عام مع الأشخاص الذين يؤلفونه: وذكاؤه (أي ذكاء المجتمع) ليس هو ذكاء الناس الذين به لكنه مجتمعٌ خالٍ من كلِّ شعورٍ بالذوق والحساسية. إن برودون يوبِّخ الاقتصاديين لأنه لم يفهم تضامن المخلوقات. ونحن نفرح أن نجابهه بهذا القول الذي اقتبسناه عن اقتصاديٍ أمريكيٍ؛ إذ يتهم الاقتصاديين بعكس ما اتهمهم برودون: « إن الوحدة الأخلاقية – الكائن النحوي الذي تدعوه الأمة، وُصف دوماً كشيءٍ موجودٍ حقاً، لكنه ليس موجوداً إلا بمخيلة هؤلاء الذين يخلقون شيئاً من كلمة .. لقد سبب هذا متاعب كثيرة وسبب كثيراً من الاضطراب وعدم الفهم في الاقتصاد السياسي.
Cooper, « Lectures on The Elements of Political Economy ».
يُتابع برودون ويقول: « إن هذا المبدأ المُتعلِّق بفائض العمل هو حقيقةٌ بالنسبة للأفراد لأنه يصدر عن المجتمع الذي يُطبِّق عليهم منفعةَ قوانينه » المجلد 1، صفحة 75.
هل يعني برودون أن إنتاج الفرد الإجتماعي يفوق إنتاج الفرد وحده ؟ هل يُشير برودون إلى أن إنتاج الأفراد المجتمعين يزيد على إنتاج الأفراد غير المجتمعين ؟ وإذا كان هذا، فنحن نقدِر أن نُقدِّم له مئات الاقتصاديين الذين تكلموا في هذا الحقل البسيط بدون أي تصوفٍ يُحيط به برودون نفسه. وهذا ما يقوله سادلر:
« إن العمل المُتحد يُعطي نتائج أحسن بكثير من العمل الذي يقوم به الفرد. وبما أن البشر يزداد عددهم فإن إنتاج عملهم المتحد سيزيد بكثير كمية أية إضافة حسابية على أي عملٍ فردي .. ففي الفنون الميكانيكية كما في الأبحاث العلمية، يمكن للرجل أن يُنتج أكثر في اليوم وهو يعمل مع غيره .. أكثر مما لو كان يعمل منفرداً طول حياته .. والهندسة تقول: إن الكل يُساوي مجموع الأجزاء، فإذا طبَّقنا هذا القول على هذا الموضوع فإن هذه الفرضية تكون خطأً ولدى اعتبارنا للعمل – وهو العمود الفقري العظيم للوجود الإنساني يمكن أن يُقالأن الإنتاج الكلي للعمل المتحد يزيد إلى ما لا نهاية كل الجهود التي يقوم بها الفرد » ..
T. Sadler « The Law of Papulation »
ولنعود الآن لبرودون، إن العمل الفائض – يقول برودون – يشرحه الشخص – المجتمع – إن حياة هذا الشخص (المجتمع) تقودها القوانين التي تحكم نشاطات الإنسان كفرد. وبرودون يرغب أن يُبرهن هذا بالوقائع.
إن اكتشاف عملية اقتصادية لا يُقدِّم للمخترع ربحاً مُساوياً للمنفعة التي يُقدِّمها للمجتمع .. ولقد شُوهد أن مشاريع السكك الحديدية هي مصدر ثروةٍ أقل للمتعهدين .. إن معدَّل تكاليف نقل السلع على الطرق هو 18 سنتيم للطن في الكيلومتر؛ وهذا السعر ينطبق على البضائع من مكان تحميلها لمكان تسليمها. ولقد حسب أنه بناءً على هذه النسبة إن مشروع سكةٍ حديديةٍ لا يربح 10 سنتيم بالنسبة للنقل على الطرقات. ولكن لنفترض أن سرعة النقل بواسطة سكة الحديد بالمقابلة مع سرعة النقل على الطرقات هي 4 – 1. وبما أن الوقت في المجتمع هو القيمة نفسها، فإن سكك الحديد – الأسعار كونها مُتساوية – تُمثِّل تقدُّماً بـ 400 % على النقل عل الطرقات، ومع ذلك فإن هذه الحسنة الكبيرة – وهي حسنةٌ للمجتمع لا تتحقق بنفس النسبة للناقل، هذا الناقل الذي يُقدِّم للمجتمع قيمةً إضافيَّةً مؤلَّفةً من 400 % لا يقدر من جهة أن يسحب 10 بالمائة. ولكي نوضح الموضوع أكثر نقول: دعنا نفترض، كواقع، أن سكة الحديد تضع معدَّلاً قدره 25 غرشاً بينما يبقى النقل على الطرقات 18 قرشاً، ففي هذه الحالة تخسر الخطوط الحديدية كل زبائنها. فمرسلو البضائع ومستلموها، وكل واحد يعود إلى النقل بالعربات القديمة إذا رأى ذلك ضرورياً. وحينئذٍ تُهجر عربات القطار. إن التقدم أو ميزة 400 % ستُضحي لخسارةٍ خاصةٍ مقدارها 35 بالمائة. وسبب هذا نعرفه بسهولة: إن التقدم الحاصل من سرعة القطار هو تقدمٌ اجتماعي وكل فردٍ يُشارك بهذا التقدم بنسبة دقيقة بينما تقع الخسارة على المستهلك مباشرةً وشخصياً. إن ربحاً اجتماعياً قدره 400 % لا يُمثِّل بالنسبة للفرد – إذا كان المجتمع مليون فرد – 4 من عشرة آلاف، بينما نجد أن خسارة 33 % للمستهلك تفترض تراجعاً اجتماعياً مؤلفاً من 33 مليوناً ». المجلد 1، صفحة 75 و76.
والآن لننظر لماذا عبَّر برودون عن سرعة أربع مرات (400) أكثر من السرعة الأصلية. لكنه يُريد أن يخلق علاقةً بين نسبة السرعة المئوية ونسبة الربح المئوية ويقيم عندئذٍ نسبةً بين هاتين العلاقتين اللتين – رغم أن كلَّ واحدةٍ تُقاس على حِدة بالنسة المئوية – لا يُمكن قياسها مع بعضها ! وهكذا يعمل على أن يظهر نسبة بين النسب المئوية بدون الإشارة إلى مخرجٍ لهما.
إن النسب المئوية تبقى دوماً نسباً مئوية، 10 بالمائة و400 % يمكن قياسهما، إنهما لبعضهما بنسبة 10 إلى 400، وهكذا يستنتج برودون أن ربح 10 % يُعادل 40 مرة أقل من سرعة أربع مرات أكثر. ولكي يخدع غيره بالمظاهر يقول إن الوقت بالنسبة للمجتمع، هو نقود. يعود هذا الخطأ لأنه لم يفهم جيداً وجود صلة بين القيمة ووقت العمل، فهو يسرع أن يُقارن ويُشبِّه وقت العمل بوقت النقل، يعني أنه يعين السواقين وغيرهم الذين وقتهم يُمثِّل وقت نقل، إنه يمثل عمل هؤلاء بالمجتمع كلِّه. وبضربةٍ قاضيةٍ واحدةٍ، تُصبح السرعة رأسمالاً، وفي هذه الحالة يعتقد حقاً إذ يقول: « إن ربح 400 % ستضحي لخسارة 34 % ». وبعد أن يُؤسس هذه الفرضية الغريبة كرياضياتي يعتقد أنه عليه أن يشرحها لنا كاقتصادي.
« إن ربحاً اجتماعياً يُعادل 400 % يُمثِّل بالنسبة للفرد – في مجتمعٍ مؤلفٍ من مليون شخص – أربعةً من عشرة آلاف ». اتفقنا: لكنن هنا لا نبحث في 400 % لا أكثر ولا أقل. ومهما يكن رأس المال فإن الأشخاص الذين ستُقسم بينهم النسبة سينالون دوماً 400 % وماذا يعمل برودون ؟ إنه يتكلم عن النسبة المئوية كأنها رأسمال، ونراه خائفاً من اضطرابه لأنه لم يشرح قوله، ويُتابع:
« وإن خسارة 33 % بالنسبة للمستهلك تفترض تأخراً اجتماعياً من 33 مليوناً ». إن خسارة 33 % بالنسبة للمستهلك تبقى خسارة 33 % لمليون مستهلك، وكيف يقدر برودون أن يقول إن التأخر الاجتماعي في حالة خسارة 33 % تُعادل 33 مليوناً عندما لا يعلم هو الرأسمال الاجتماعي والرأسمال العائد لكل فرد من الأفراد الذين تتعلق بهم المسألة ؟ وهكذا لم يكن كافياً لبرودون أب يخلط بين رأسمال ونسبةٍ مئويةٍ، إنه يفوق نفسه عندما يعرف أن رأس المال قد غرق في مشروع مع عدد الفرقاء المهتمين.
« ولكي يوضح المسألة أكثر دعنا نفترض أن الواقع » رأسمالاً مُعطى. إن ربحاً اجتماعياً من 400 % يُقسم على مليون مشترك أو مُساهم – وكل واحد من المُساهمين يهتم بربحِ وفرنكٍ واحدٍ – يُعطي نتيجة 4 فرنكات لكل شخص وليس 0.0004 كما يقول برودون وهطذا فخسارة 34 % لكل من المشتركين تُمثِّل تأخراً اجتماعياً من 330000 ألفاً وليس 33 مليوناً (330:100 = 300000:1000000).
إن برودون، بما أنه كان مشغولاً بنظريته في الشخص (المجتمع) ينسى أن يُقسِّم على 100 لكي يحصل على خسارة 330000 فرنكاً، لكن ربح فرنكات لكل فرد يؤدي لربح 4 ملايين فرنكاً ربحاً للمجتمع، ويبقى للمجتمع ربحٌ صافٍ من 3670000 فرنكاً. وهذا الحساب الدقيق يُبرهن بدقة التناقض فيما أراد برودون قوله: وهو أن أرباح وخسائر المجتمع ليست في نسبةٍ معكوسةٍ لأرباح وخسار الأفراد.
وبما أننا قد قدمنا هذه الأخطاء البسيطة العائدة لحساباتٍ دقيقةٍ، لنلق الآن نظرةً على النتائج التي نصلها إذا نحن قبِلنا هذه العلاقة بين السرعة ورأس المال في حالة الخطوط الحديدية – كما يُقدِّمها برودون – دعنا نفترض أن نقل أربعَ مراتٍ أسرع يُلكِّف أربع مراتٍ أكثر ! إن هذه النقل لا يُعطي ربحاً أقل مما يُعطيه النقل بالعربة التي هي أبطأ أربع مرات أقل وتُكلِّف ربع الكمية. فإذا كانت العربة تتقاضى 18 غرشاً فإن خط الحديد يتقاضى 72 غرشاً. وهذا يكون بالنسبة للحسابات نتيجةً للفرضيَّة التي عرضها برودون – ودائماً تنقص أخطاؤه – وهنا فجأةً نراه يقول لنا أنه عوضاً عن 72 غرشاً، فإن الخطوط الحديدية تتقاضى 25 غرشاً لأنها تخسر كلَّ زبائنها. وبالنتيجة علينا أن نعود إلى العربة القديمة. فإذا كان علينا أن ننصج برودون يجب أن لا ننسى في برنامجه للمجتمع المُتزايد أن تقسِّم على 100، لكن مع الأسف نرى أنَّه لا يأخذ بنصيحتنا لأن برودون مبتهجٌ بحساباته التقدميَّة التي تُقابل وتُشبه المجتمع التقدَّمي، حتى أنَّه يصرخ مؤكِّداً: « لقد أظهرتُ في الفصل الثاني عندما حللت مفهوم تناقض القيمة، أن الحسنة التي يُقدِّمها كل امتشاف جديد هي قليلة بالنسبة لمخترع مهما عمل هذا المخترع للمجتمع. ولذلك قمت بالبرهان الثابت حتى توصَّلت لهذا النقطة واعتمدت على نشاطي الحسابي ».
ولنرجع إلى خُرافة الشخص (المجتمع)، هذه الخُرافة التي ينحصر هدفها بالبرهان على هذه الحقيقة البسيطة – وهي أنَّ اختراعاً جديداً يُساعد أن يُقدِّم كميةً من العمل ليُنتج عدداً أكبر من السلع، إن هذه الاختراع يُخفِّض قيمة الإنتاج، فالمجتمع إذاً ينال ربحاً، ليس في حصوله على قيم تبادل أكثر، بل في الحصول على سلعٍ أكثر بنفس القيمة.
وبما يتعلَّق بالمخترع، فإن المُنافسة تجعل ربحه يسقط إلى المستوى العادي للأرباح. هل برهن برودون هذه الفرضيَّة كما أراد هو ؟ كلا. إن هذا لم يمنعه أن يوبِّخ الاقتصاديين عندما فشل برهانه. وإذا برهنا له على العكس أنَّهم برهنوها فإننا نُقدِّم له – ريكاردو ولوردال – ريكاردو زعيم المدرسة التي تُحدِّد القيمة بوقت العمل، ولوردال أحد المُدافعين الكِبار عن تحديد القيمة بالعرض والطلب. وكلاهما عرضا الفرضيَّة نفسها.
« عندما نُسهِّل الإنتاج فإننا ننقص قيمة بعض السلع قبل الإنتاج، رغم أنه بنفس العوامل لا نزيد فقط الثروات الوطنية بل نزيد قوة الإنتاج في المستقبل – ... إنَّك بمساعدة الآلة وبمعرفتك للفلسفة الطبيعية، فإنَّك تُجبر العُملاء الطبيعيين أن يعملوا العمل الذي قام به الإنسان قبلاً، وقيمة التبادل لمثل هذا العمل تسقط وتنقص. فإذا كا عشرة رجال يديرون طاحونة قمح، وبعد الاكتشاف وُجد أنَّه بمساعدة الهواء أو بمساعدة الماء نقدر أن نوفِّر هؤلاء الرجال العشرة، فالدقيق الذي هو نتيجة قسم من العمل الذي قدمته الطاحونة سيهبط سعره بالنسبة لكمية العمل المُوفَّر، ويكون المجتمع أغنى بالسلع التي هي نِتاج عمل عشرة رجال » (ريكاردو) المجلد 2، صفحة 59.
وجاء دور لوردال ليقول:
« وفي كل وقت يُوظَّف به رأس المال ليُنتج ربحاً فإنه يرتفع إما – لأنه يؤلِّف قسماً من العمل الذي كانت يد الإنسان تقوم به – أو لأنه يؤلِّف قمساً من العمل الذي هو أبعد من أن يقوم به جُهد الإنسان. فالربح الصغير الذي يناله عادةً أصحاب الآلات عندما تقيسها بأجور العمل التي تُساعد الآة على خلقه، يمكن أن يخلق شيئاً بالنسبة لصحة هذه النظرة. إن بعض الآلات التي على النار تستهلك ماءً من الآلة التي تعمل على الفحم الحجري أكثر من الماء الذي يمكن حمله على أكتاف الرجال، فإذا جهزنا هذه الآلة بمرجل ماءٍ كبيرٍ فإنها تُنجز عملها بمصروفٍ أقل بكثير من كمية الأجور التي تُقدَّم لهؤلاء الذين كانوا يعملون لو كانوا يقومون بتجهيز ونقل الماء. وهذه الحقيقة تنطبق على كل أنواع الآلات. يجب أن تُنفِّذ كلُّ الآلات العمل الذي كان يُقام قبلاً، يجب أن تُنفِّذ هذا العمل بنسبةٍ أرخص مما لو كانت يد الإنسان تُقدِّمه ... فإذا كان هذا هو الامتياز الذي يُقدَّم لدى اختراع آلة – هذه الآلة التي بواسطة عمل شخصٍ واحدٍ، تُنجز كميةً من العمل كان يحتاج لأربع رجالٍ يقومون به، وبما أن ملكية هذا الامتياز يمنع المنافسة أن تعمل العمل – إلا ما كان يَنتج من عمل العمال وعن أجورهم طالما أن هذه الآلة تُخفِّض الأجور. ولكن عندما يوجد هذا الامتياز فإن آلاتٍ أخرى من نفس النوع تقوم وتُنافس، وحينئذٍ نرى أن كلَّ الآلات تعمل على نفس المبدأ لكثرة الآلات ... لربح الناتج عن الرأسمال المستثمر .. رغم أنه يأتي عمل مساعد، ولكن هذا الربح لا يأتي فقط عن العمل المساعد الذي تُقدِّمه الآلة بل عن المنافسة بين أصحاب رأس المال، يكون هذا الربح كثيراً بالنسبة لكمية رأس المال الذي يُمثل في إنجاز العمل وإنجاز الطلب ». (لودرال، صفحة 119، 123، 124، 125، 134).
وأخيراً طالما أن الربح هنا أكثر من الربح في الصناعات الأخرى، فإن رأس المال يوظَّف في الصناعة الجديدة حتى تهبط نسبة الربح للمستوى العام.
لقد رأينا أن مَثله للخطوط الحديدية لم يُساعده على إلقاء نورٍ على خُرافته – الشخص (المجتمع) – ومع ذلك فبرودونيختصر خطابه:« وبما أنني أوضحت هذه النقط، لا شيء أسهل من أن أشرح كيف أن العمل يترك فائضاً لكل منتج ». (المجلد 1، صفحة 77).
إن كلَّ ما سنراه يعود للآثار الكلاسيكية. إنها قصةٌ شعرية وُضعت لنفس القارئ بعد أن ألمَّ به تعب الحلول الحسابية التي مرت معنا. إن برودون يُطلق على الشخص (المجتمع) اسم بروميثوس ويُمجِّد برودون أعمال بروميثوس عندما يقول:
« قبل كل شيء، استيقظ بروميثوس من صدر الطبيعة وأتى إلى الحياة بقوَّةٍ جبَّارةٍ مُفرحةٍ إلخ... يبتدئ بروميثوس بعمل وفي اليوم الأول أي ثاني يوم بعد ولادته الثانية – يكون إنتاج بروميثوس الثروة أي ليكون في حالةٍ حسنةٍ، وثروته هذه تُعادل عشرة. وفي اليوم الثاني يَقسِم بروميثوس عمله فيصبح إنتاجه مساوياً لمئة. وفي اليوم الثالث وفي كل يوم يتبع يخترع بروميثوس الآلات ويكتشف منافع كثيرة في الأجسام ويكتشف قوى جديدة في الطبيعة –. وفي كل خطوةٍ يخطوها نشاطه الصناعي تنتج زيادةٌ في عدد منتوجاته، هذه الزيادة تُسبب له سعادةً كُبرى. وبعد كلِّ هذا تُصبح كلمة ”أن يستهلك“ تعني ”أن يُنتج“ ومن الواضح أن استهلاك كلِّ يومٍ – مستعملاً إنتاج اليوم السابق – يترك فائضاً في الإنتاج لليوم الثاني » (المجلد 1، صفحة 77 – 78).
إن بروميثوس الذي يتكلَّم عنه برودون لَهو شخصيةٌ غريبةٌ، يُعبِّر عن ضعفه في المنطق كضعفه في الإقتصاد السياسي. وطالما أن بروميثوس يُعلِّمنا تقسيم العمل واستعمال الآلة، والانتفاع من القوى الطبيعية والقوى العلمية، وزيادة القوى الإنتاجية في الإنسان لإعطاء فائض تقابلبانتاج العمل الفردي، إن بروميثوس هذا الجديد يمتاز بحظه السيِّء لأنه أتى مُتأخِّراً جداً. ولكن حين يبتدئ بروميثوس ويتكلَّم عن الإنتاج والإستهلاك يُصبح مُضحكاً. ليستهلك – كما يظن – يعني ليُنتج ! إنه يستهلك في اليوم الثاني ما أنتجه في اليوم السابق، وهكذا يبقى عنده زيادة يوم إلى الأمام، وزيادة هذا اليوم هو ”فائض عمله“. لكن إن كان يستهلك ثاني يوم ما أنتجه في اليوم السابق فيجب وهو في اليوم الأول – إذ لا يوجد يومٌ قبله ليكون له فائض – أن يكون قد قام بعمل يومين حتى يعمل يوماً واحداً حتى يبقى عنده زائد. وكيف ربح بروميثوس هذا الفائض في اليوم الأول – ذلك اليوم حيث لم يوجد تقسيم عمل ولم توجد آلة حتى أنه لم توجد معرفة عن القوى الطبيعية غير قوة النار ؟ فالسؤال إذن يعود ”لأول يوم بعد الخلق“ إذ إنه لم يتقدَّم خُطوةً واحدةً إلى الأمام. إن هذه الطريقة التي يستعملها برودون لشرح الأشياء مأخوذةٌ عن اليوناني وعن العبري لأنها تمتاز بصفتها الصوفية. هذه الطريقة تُعطي الحق لبرودون فيقول: « لقد برهنت نظرياً وعملياً المبدأ القائل أن كلَّ عملٍ يجب أن يكون له فائض ».
”الواقع“ الذي يُظهره هو حساباته التقدُّمية، ”والنظري“ هو أسطورة بروميثوس. يُتابع برودون قائلاً: « لكن هذا المبدأ – بما أنه حقيقي وقائم على افتراضٍ حسابي – لا يزال بعيداً أن يُحققه كل شخص. وبتقدُّم الصناعة الجماعية، فسينتج كل يوم عمل لفردٍ إنتاجاً أكبر، وعندئذٍ يُصبح العامل الذي يتقاضى الأجرة نفسها أغنى وأغنى: هناك حالات تزدهر بينما حالات غيرها تتقهقر ». (المجلد1، صفحة 79 – 80).
لقد كان عدد سكان المملكة المتحدة سنة 1770 خمسة عشر مليون نسمة، أما السكان المُنتجون فكانوا ثلاثة ملايين. والقوى العلمية للإنتاج كانت تساوي سكان بلدٍ مؤلَّفٍ من اثني عشر مليون فرد. وهكذا كان يوجد 15 مليوناً من القوى الإنتاجية. وهكذا كانت القوى الإنتاجية في السكان بنسبة واحد إلى واحد، أما القوى العلمية فكانت بالنسبة للقوى اليدوية أربعة إلى واحد.
ففي سنة 1840 زاد عدد السكان إلى 30 مليون شخص، وكان السكان المنتجون ستة ملايين. لكن القوى العلمية ارتفعت إلى 650 مليوناً، وكان هذا لكل السكان بنسبة 21 إلى واحد أو بالنسبة للقوى اليدوية 108 إلى واحد.
وكان يوم العمل في المجتمع الإنكليزي يتطلَّب في مدة 70 سنةً فائضاً 2700 % قوة إنتاجية، وهذا يعني أن سنة 1840 أنتجت 27 مرة أكثر من 1770. وبالنسبة لبرودون يجب أن يسأل نفسه هذا السؤال: لماذا لم يُصبح العامل الإنكليزي سنة 1840 أغنى 27 مرةً من العامل سنة 1770 ؟ ولدى سؤاله هكذا فإن الشخص يفترض طبيعياً أن الإنكليزي كان يقدر أن يُنتج هذه الثروة بدون الأحوال االتاريخية التي تم الإنتاج بها، مثلاً ! إن التجمُّع الخاص لرأس المال، والتقسيم الحاضر للعمل، والمصانع الأوتوماتيكية، أو المنافسة الفوضوية، وطريقة الأجور – وباختصار كلُّ شيءٍ كان مبنيَّاً على صراع الطبقات. والآن، كانت هذه الأجور بالضبط الحالات الضرورية لنمو القوى الإنتاجية، كان يجب أن تكون طبقاتٌ تستفيد وتربح وطبقاتٌ تتقهقر وتخسر.
وماذا يعني برودن بروميثوس ؟ إنه مجتمع، والعلاقات الإجتماعية قائمةٌ على صراع الطبقات. هذه العلاقات ليست علاقاتٍ بين فردٍ وفردٍ بل بين عاملٍ ورأسمال، بين فلاحٍ وملَّاكٍ.. إلخ. فإذا محوت هذه العلاقات فإنك تُنهي المجتمع، ولا يكون بروميثوس إلا شبحاً بدون ذراع أو أرجل، أي بدون مصانع أوتوماتيكية وبدون تقسيم عمل – وباختصار – بدون أي شيءٍ تكون قد أعطيته له تجعله يحصل على فائض العمل.
فإذا كان برودونقد اكتفى أن يشرح نظرية قاعدة فائض العمل بشعوره للتعادل بدون أن يأخذ بعين الاعتبار أحوال الإنتاج الوقعية، يجب أن يكفي في الواقع أن يجعل كل العمال يشتركون في بالثروة، وبدو أن يُغيِّر أي شرطٍ من شروط الإنتاج. وإن توزيعاً كهذا لا يؤكد أبداً درجةً عاليةً من السرور والراحة للأفراد المشتركين.
لكن برودون ليس متشائماً كما يمكن أن يظن أحدنا. وبما أن كل شيءٍ نسبة، فعليه أن برميثوس الذي جهَّزه تجهيزاً جيداً، أن يرى في مجتمعنا الحاضر، بداية تحقيق رأيه الذي حبَّذه.
« لكن في كل مكان نجد أن نقدم الثروة أي نسبية القيم، هي القاعدة المطلقة، وعندما وقف الاقتصاديون ضد تذمُّر الفريق الإجتماعي أي ضد النمو المُطَّرد للثروة العامة، وضع تحسين أحوال الطبقات الفقيرة، نجدهم يُنادجون بحقيقة كانت كافيةً أن تقضي على نظرياتهم (المجلد 1، صفحة 80).
ما هي في الواقع الثروة الجماعية والغنى الجماعي ؟ إنها ثروة البورجوازي – وليس كلُّ برجوازي. حسناً ان الاقتصاديين لم يفعلوا شيئاً إلا أن يُظهروا كيف أن – علاقات الإناتج الموجودة – ثروة البورجوازي نمت ويجب أن تنمو. وفيما يتعلق بالطبقات العاملة، لا نزال نجد سؤالاً لم يُناقش بعد: كانت أحوالهم قد تحسَّنت لدى زيادة الثروة العامة. فلو قدَّم الاقتصاديون مثال العمال الإنكليز المستخدمين في صناعة القطن، فإنهم يون بؤس هؤلاء في ظل ازدهار التجارة. إن هذه اللحظات من الازدهار هي نسبياً لازمةٌ للأزمات ولازمةٌ للركود ”بنسبةٍ حقيقيةٍ“ 3 إلى 10. لكن ربما، عندما نتكلم عن التحسينات، كان الاقتصاديون يُفكِّرون بملايين العمال الذين كانوا يموتون ويتحطَّمون في جزر الهند الشرقية حتى يُنتجوا شيئاً ما لمليون ونصف عامل مستخدمين في انكلترا في نفس الصناعة، ثلاث سنوات ازدهار من عشر سنوات.
وبالنسبة للاشتراك المؤقت في زيادة الثروة العامة. فإن هذه مسألةٌ مختلفةٌ. إن واقع الاشتراك المؤقت يشرحه الاقتصاديون، في نظرياتهم. إنه تأكيدُ هذه النظرية وليس الحُكم عليها، كما يدعوها برودون. إذا كان يجب أن يُحكم على شيء فيجب أن يكون الحُكم على غِرار منهاج برودون الذي نقص وحقَّر العامل إلى أقل نسبةٍ للأجور، رغم زيادة الثروة العامة: إنه لم يقدر أن يُخفِّض ويُحقِّر العامل لأقل نسبةٍ للأجور إلا بإدخال النسبة الحقيقية للقيم و”القيمة المُشكَّلة“ بوقت العمل. إن الأجور، كنتيجةٍ للمنافسة، تتراوح مرةً إلى الأعلى ومرَّةً إلى الأسفل، وتؤثر علر سعر الطعام الضروري لانعاش العامل، هذا العامل يقدر أن يُشارك لحدٍ ما في تنمية الثروة العامة، ويقدر أيضاً أن يتهدَّم ويفنى من العَوَز والفقر. هذه هي نظرية الاقتصاديين الذين لم يكونوا خياليين بالنسبة للموضوع.
وبعد انحرافاته الطويلة عن موضوع الخطوط الحديدية، وعن بروميثوس وعن المجتمع الجديد الذي يجب إعادة بنائه على ”القيمة المشكلة“ نرى برودون يجمع نفسه لأن العاطفة تعصف به فيصرخ:
« إنني أرجو الاقتصاديين أن يسألوا أنفسهم للحظةٍ واحدةٍ، في هدوء قلوبهم – وأن يبتعدوا عن أحكامهم غير العادلة، هذه الأحكام التي تجعلهم يضطربون، ويجب أن يتجرَّدوا عن أهوائهم وأن لا يتأثروا بالوظيفة التي يأملون أن ينالوها، وبالفوائد التي يَجرون وراءها، وبالاستحسان الذي يتعلقون به، وبمراكز الشرف التي تُبهج كبرياءهم – دعهم يقولوا إن كان هذا المبدأ – أن كلَّ عملٍ يجب أن يترك فائضاً – قد خطر لهم أو ظهر لهم بمثل هذه النتائج التي أظهرتها وقمت بها ». المجلد 1، صفحة 80

   




Dont let the system get you down

أنت غير مسجل لدينا.. يمكنك التسجيل الآن.

مشاركة : 5


شو عدا ما بدا

جامعـي مشــارك




مسجل منذ: 28-11-2009
عدد المشاركات: 68
تقييمات العضو: 0
المتابعون: 18

غير موجود
اشــترك بالتحديثات
رسالة مستعجلة

ميتافيزيك الاقتصاد السياسي

26-12-2009 10:46 AM






الطريقة:
نحن الآن في ألمانيا ! وسنتكلم الآن عن الميتافيزيك بينما نتكلم عن الاقتصاد السياسي. وسنتابع في عملنا هذا دراسة تناقضات برودون. ولقد أجبرنا الآن أن نتكلم الانكليزية وأن نصبح انكليزا. وأصبح الموقف الآن متغيرا. إن برودون ينقلنا إلى بلادنا العزيزة ويجبرنا أن نصبح ألمانا مرة أخرى إن شئنا أو لم نشأ.
إن كان الانكليزي يحول الرجال إلى قبعات فإن الألماني يحول القبعات إلى أفكار. فالرجل الانكليزي هو ريكاردو – اقتصادي مشهور وصاحب بنك غني–، أما الألماني فهو هيجل – أستاذ فلسفة بسيط في جامعة برلين.
إن لويس الخامس عشر – آخر الملكيين المطلقين وممثل انحلال الملكية الفرنسية – كان قد ألحق ببطانته طبيبا كان الرجل الاقتصادي الأول في فرنسا. هذا الطبيب، هذا الاقتصادي، مثـّل انتصارا معينا للبورجوازية الفرنسية. إن الطبيب كويزني Quesnay خلق العلم من الاقتصاد السياسي، ولقد لخصه في كتابه المشهور « اللوائح الاقتصادية » Tableau Economique. وعلاوة عن الكتابات والانتقادات والتعليقات الألف التي وجدت على طاولته، فإننا لا نملك إلا واحدا كتبه الطبيب نفسه. إن هذا الكتاب الذي نملكه هو « تحليل اللوائح الاقتصادية » Analyses of the Economic Table.
يمثل برودون طبيب كويزني آخر. إنه كويزني الميتافيزيك في الاقتصاد السياسي.
والآن فإن الميتافيزيك – وفي الواقع كل الفلسفة – يمكن أن تختصر، بالنسبة لهيجل، بالطريقة أو الفكرة. فيجب علينا إذن أن نوضح طريقة برودون الغامضة ككتاب « اللوائح الاقتصادية »، ولهذا السبب نقوم بتقديم سبع أو ثماني ملاحظات، مهمة أو غير مهمة، وإذا لم يفرح « الطبيب » برودون بملاحظاتنا فما علينا أن نصبح Abbé Beaudeau بودو، لكي يعطي بنفسه « شرح الطريقة الاقتصادية الميتافيزكية ».
الملاحظة الأولى:
«  إننا لا نقدم تاريخا بالنسبة لنظام الوقت بل بالنسبة لتتابع الأفكار، إن الأطوار الاقتصادية وهي تتجلى بمفاهيمها تكون بعض الأحيان معاصرة وبعض الأحيان معكوسة... والنظريات الاقتصادية لها نتائجها المنطقية ولها علاقتها العددية في الفهم: إن هذا النظام هو الذي نخدع أنفسنا به، إننا اكتشفناه  » (المجلد 1، صفحة 146).
لقد أراد برودون أن يخيف الفرنسيين إذ يتكلم معهم بجمل وعبارات شبيهة بأسلوب هيجل. وهكذا علينا أن نبحث في رجلين: أولا مع برودون وثانيا مع هيجل. كيف يقدر برودون أن يميز نفسه عن باقي الاقتصاديين ؟ وأي دور يلعبه هيجل في الاقتصاد السياسي عند برودون ؟
يقول الاقتصاديون عن العلاقات البورجوازية في الإنتاج وفي تقسيم العمل وفي الرصيد وفي النقد الخ.. أنها ثابتة لا تتحرك وأنها لوائح أبدية. وبرودون – وهو واضع أمامه هذه اللوائح الأبدية – يريد أن يشرح لنا عملية التشكيل وأساس تكوين هذه اللوائح والمبادئ والقوانين والمثل والأفكار.
يشرح الاقتصاديون كيف يحدث الإنتاج في ظل هذه العلاقات ذاتها، ولكن ما لا يشرحه هو كيف تنتج العلاقات ذاتها يعني، أن الحركة التاريخية التي أوجدها برودون – آخذين هذه العلاقات كمبادئ وكلوائح وكأفكار مجردة – عليها أن تجعل هذه الأفكار أن تخضع لنظام، ونستطيع أن نجد هذه الأفكار في نهاية كل كتاب يكتب عن الاقتصاد السياسي. إن جوهر الاقتصاد هو حياة الرجل النشيط الحيوي، أما جوهر برودون هو نسخ العقائد التي يفسرها الاقتصاديون. ولكن في الوقت الذي نتوقف عن متابعة الحركة التاريخية لعلاقات الانتاج – إذ أن اللوائح ليست إلا التعبير النظري – وفي الوقت الذي نريد أن نرى في هذه اللوائح مجرد مثل وأفكار مستقلة عن العلاقات الاقتصادية، عندئذ نجبر أن نعيد أصل هذه الأفكار إلى الحركة الحقيقية المجردة الصافية. وكيف تسبب الحقيقة المجردة والأبدية نهوض هذه الأفكار ؟ وكيف تتابع الحقيقة وجودها حتى تنتجها (أي الأفكار) ؟
إذا كانت شجاعة برودون ظاهر في مادة هيجل عندئذ يجب أن نقول: إنها تميز نفسها من نفسها. وما يعني هذا ؟ الحقيقة « غير الشخصية »، إذ لا يكون لها خارج ذاتها قاعدة تعتمد عليها ولا يكون لها أي شيء ذاتها ولا يكون لها موضوع لكي تشكل ذاتها، إن هذه الحقيقة تكون مجبرة أن تقلب رأسا على عقب لكي تجد قاعدة لذاتها ولكي تجابه ذاتها ولكي تؤلف وتشكل ذاتها، أي إيجاد قاعدة أو فكرة Thesis، فكرة مناقضة Antithesis، ونتيجة الفكرة Synthesis.
إننا سنقدم القاعدة المقدمة لهؤلاء الذين لا يعرفون لغة هيجل: التأكيد Affirmation والنفي Negation ونفي النفي Negation of Negation وهذا تعنيه اللغة. إنها ليست عبرية لكنها لغة هذه الحقيقة الصافية، هذه اللغة المختلفة عن لغة الفرد.
من العجيب أن نجد كل شيء في التجريد النهائي – وإذا ليس عندنا تجريد ولا تحليل – يمثل ذاته كلائحة منطقية ؟ من العجيب – إذا تجردت عن كل المواد التي تشكل البيت وإذا تجردت عن شكل المواد المركب منها وعن الشكل الذي يميز ذلك البيت عن غيره فإنك تنتهي إلى لا شيء ما عدا البنيان – أمِنَ المدهش إذا لم تأخذ حدود هذا البنيان بعين الإعتبار أن لا يبقى عندك سوى الفراغ – أي أنك لو تأخذ بعين الاعتبار قياسات الفراغ، فلا تجد شيئا متروكا على الإطلاق إلا الكمية الصافية، أي اللائحة المنطقية ؟ فإذا جردنا هكذا من كل موضوع كل الحوادث المتناسقة، الحوادث الحية أو غير الحية الناس أو الأشياء – نحن على حق أن نقول أنه في التجريد الأخير – فإن المادة المتبقية الوحيدة هي اللوائح المنطقية. وهكذا فالميتافيزيقيون الذين – عندما وضعوا هذه التجريدات يظنون أنهم يقومون بتحليل، والذين – كلما جردوا أنفسهم عن الأشياء يظنون أنفسهم أنهم يقتربون من نقطة الأصل أي اختراق اللب – إن هؤلاء الميتافيزيقيين على حق عندما يقولون أن الاشياء هنا هي كالتطريز الذي تنقشه اللوائح المنطقية على قطعة ثوب. وهذا ما يميز الفيلسوف عن المسيحي. إن المسيحي – رغم المنطق يعتقد بمفهوم تجسد واحد للكلمة Logos. أما الفيلسوف لم ينته أبدا من التجسدات. لو كان كل شيء موجودا، ولو كان كل شيء يعيش على اليابسة وتحت المياه يمكن تصغيره بواسطة التجريد إلى لائحة منطقية – إذا غرق العالم الواقعي كله في عالم من التجريدات، أي في عالم اللوائح المنطقية، فمن يعجب هذا ؟
إن كل شيء موجود، إن كل ما يعيش على اليابسة وفي الماء يوجد ويحيا فقط بسبب نوع من الحركة. إذن فحركة التاريخ تنتج العلاقات الاجتماعية، والعلاقات الصناعية تعطينا علاقات صناعية الخ.
لو استطعنا أن نحول كل شيء بواسطة التجريد إلى لائحة منطقية، لكان من السهل على كل شخص أن يجرد كل صفة مميزة لحركات مختلفة. إن تحقق الحركة في حالتها التجريدية – يعني الحركة العادية الصافية، القاعدة المنطقية الصافية للحركة. وإذا كان أي شخص يقدر أن يجد في اللوائح المنطقية جوهر كل الأشياء لكان يقدر أن يتخيل بأنه وجد في القاعدة المنطقية للحركة – الطريقة أو الفكرة المطلقة – التي لا تشرح فقط كل الأشياء بل إنها تطبق حركة كل الأشياء.
لقد عبر هيجل عن هذه الفكرة المطلقة بهذه التعابير: « الفكرة هي المطلق، هي الوصية العالية وهي القوة الميتافيزيقية التي لا يقاومها شيء، إنها ميل السبب ليعرف ذاته مرة أخرى، لكي يتذكر ذاته في كل شيء » (هيجل، المنطق المجلد الثالث). إن كل الأشياء لدى تصغيرها للائحة منطقية، وكل حركة وكل عملية انتاج لدى تصغيرها لفكرة، ينتج عندئذ أن كل مجموعة من المنتوجات والانتاج، من الأشياء والحركة، يجب أن تصغر بشكل ميتافيزيقي مطبق. فما عمله هيجل للدين والقانون الخ. يحاول برودون أن يعمله للاقتصاد السياسي.
وهكذا ما هي هذه الفكرة المطلقة ؟ هي الفكرة المجردة للحركة ؟ وما هو تجريد الحركة ؟ هي الحركة في حالتها المجردة... وما هي الحركة في حالتها المجردة ؟ هي القاعدة المنطقية الصافية للحركة أو حركة الحقيقة الصافية. وما تحتوي الحقيقة الصافية ؟ إنها تعمل على إقامة قاعدة لذاتها وعلى مناقضة ذاتها، وعلى تشكيل ذاتها وعلى وضع ذاتها بقاعدة أو بفكرة Thesis، وخلق فكرة مناقضة Antithesis، وايجاد نتيجة Synthesis وتعمل أيضا على تثبيت ذاتها، وعلى نفي ذاتها وعلى نفي نفيها...
وكيف تعمل الحقيقة لتثبت ذاتها ولتضع قاعدة لذاتها في لائحة منطقية ؟ إنه عمل الحقيقة وعمل تابعيها.
ولكن عندما تبدأ الحقيقة في وضع قاعدة لذاتها Thesis، فإن هذه القاعدة أي هذه الفكرة تناقض ذاتها Antithesis فتقسم إلى فكرتين متناقضتين – الايجابي والنفي، نعم ولا. والصراع بين هذين العاملين المضادين المتضمن في التناقض يشكل حركة الديالكتيك. النعم تصبح لا، ولا تصبع نعم، نعم تصبح لا ونعم، ولا تصبح نعم ولا، فتتعادل المتناقضات وتتجانس وتشكل بعضها. وتداخل هاتين الفكرتين المتناقضتين يشكل فكرة جديدة هي نتيجة الاثنين Synthesis. إن هذه الفكرة تنقسم مرة أخرى لفكرتين متعاكستين فتعود وتتشابك في نتيجة واحدة. ومن هذا العمل تتولد مجموعة من الأفكار. وهذه المجموعة من الأفكار تتبع نفس حركة الديالكتيك كلائحة بسيطة.
ولهذه المجموعة مجموعة أخرى متناقضة. ومن هاتين المجموعتين من الأفكار تتولد مجموعة أفكار جديدة تكون نتيجة للجميع.
وكما تتولد المجموعة من حركة الديالكتيك للوائح البسيطة، هكذا تتولد المجموعات من حركة الديالكتيك من المجموعات، وتتولد الطريقة الكاملة من حركة الديالكتيك للمجموعات.
طبّق هذه الطريقة على لوئح الاقتصاد السياسي فتحصل على منطق وميتافيزيك الاقتصاد السياسي. وبشكل آخر تحصل على اللوائح الاقتصادية التي يعرفها كل واحد، لوائح مترجمة إلى لغة بسيطة معروفة تجعلها تبدو كأنها تتفتح من جديد وتبدو كحقيقة صافية، وهكذا تبدو هذه اللوائح أنها تخلق بعضها البعض وأنها تتصل ببعضها اتصالا وثيقا بواسطة حركة الديالكتيك. يجب على القارئ أن لا يتألم لهذا الميتافيزيك الذين يتضمن هذه اللوائح والمجموعات والمناهج المزعجة. إن برودون – رغم كل التعب الذي أصابه لكي يضع مقياسا لأعالي طريقية المتناقضات – لم يكن قادرا أن يرفع نفسه عن الدائرتين الأوليتين – أي عن دائرتي الفكرة أو القاعدة Thesis والفكرة المضادة Antithesis، وحتى هذه لم يقدر أن يتكلم عنها إلا مرتين، ولقد فشل في احداهما.
لم نشرح لحد الآن سوى ديالكتيك هيجل. وسنرى كيف نجح برودون في تخفيضه إلى النسب المحقرة. وهكذا بالنسبة لهيجل، كل ما حدث ولا يزال يحدث هو الشيء الذي يحدث في عقله. وهكذا فلسفة فلسفة التاريخ ليست إلا تاريخ الفلسفة، فلسفته الخاصة. وهكذا لا يوجد « تاريخ بالنسبة للنظام في الوقت » يوجد فقط « تتابع وتلاحق الأفكار في الفهم ». فهو يعتقد أنه يبني العالم بواسطة حركة بينما هو يعيد بناء الأفكار التي هي في عقول الجميع بواسطة الفكرة المطلقة بطريقة تنظيمية.
 
الملاحظة الثانية:
إن اللوائح الاقتصادية هي الاصطلاحات النظرية، أي الفكرة المجردة المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية للانتاج... إن برودون – وهو يمسك الأشياء بيده رأسا على عقب كفيلسوف – لا يرى في العلاقات العادية إلا تجسيدا لهذه المبادئ ولهذه اللوائح التي كانت قائمة – وهكذا يخبرنا برودون الفيلسوف أن هذه اللوائح كانت نائمة في صدر « الحقيقة الانسانية غير الشخصية ».
إن برودون الاقتصادي يفهم جيدا أن الناس يصنعون الثياب من الحرير أو القطن بعلاقات نسبية في الانتاج. ولكن ما لا يفهمه هو أن هذه العلاقات الاجتماعية المحدودة هي نتاج الناس كما أن الحرير هو نتاج الناس الخ... ترتبط العلاقات الاجتماعية وتتعلق بالقوى الانتاجية. ولدى تحقيقنا لقوى انتاجية جديدة يغير الناس نوع الانتاج وعند تغييرهم لنوع انتاجهم وعند تغيير طريقة كسبهم لمعيشتهم فإنهم يغيرون كل العلاقات الاجتماعية. إن الطاحونة التي تدار باليد تمثل لك مجتمعا يتحكم به السيد الاقطاعي، وتمثل الطاحونة البخارية مجتمعا تتحكم فيه الصناعة الرأسمالية.
إن نفس الناس الذين يؤسسون علاقاتهم الاجتماعية لتطابق انتاجهم المادي، تراهم ينتجون أيضا المبادئ والأفكار واللوائح، لكي تطابق علاقاتهم الاجتماعية.
وهكذا فإن هذه الأفكار وهذه اللوائح ليست أبدية كالعلاقات التي تعبر عنها. إنها إنتاج تاريخي وفترة انتقال.
توجد حركة مستمرة في نمو القوى الانتاجية، وتوجد حركة دائمة لتهديم وتقويض العلاقات الاجتماعية، وتوجد حركة دائمة لتشكيل الأفكار، وأما الشيء الثابت الوحيد الذي لا يخضع للحركة هو تجريد الحركة.
 
الملاحظة الثالثة:
تشكل علاقات الانتاج في كل مجتمع الكل. ويعتبر برودون العلاقات الاقتصادية كغيرها من الأطوار الاجتماعية، فهي تخلق بعضها وتنتج الواحدة عن الأخرى مثل التناقض Antithesis الناتج عن الفكرة Thesis، وهو يحقق في تتابعها وترتيبها المنطقي الحقيقة الشخصية الإنسانية غير الشخصية.
إن السيئة الوحيدة لهذه الطريقة هي أنه عندما يأتي لفحص طور واحد من هذه الأطوار، لا يقدر برودون أن يشرحها دون أن يعود ويصلها بالعلاقات الاجتماعية الأخرى، ورغم رجوعه لغيرها من العلاقات فإنه لم يستطع أن يجعلها تكون حركته في الديالكتيك. وعندما يتابع برودون – بواسطة الحقيقة الصافية – أن يخلق الأطوار الأخرى فإنه يعاملها كأنها أطفال صغار. فهو ينسى أنها بذات العمر الأول.
وهكذا لكي نصل إلى تشكيل القيمة – التي هي بالنسبة له أساس التطورات الاقتصادية – نراه لا يستطيع أن يقوم بالبحث دون أن يعود إلى تقسيم العمل وإلى المنافسة الخ... ورغم هذا نجد في لوائحه وفي التتابع والترتيب المنطقي، إن هذه العلاقات لم توجد بعد.
ولكي نبني هيكل طريقة أيديولوجية بواسطة لوائح الاقتصاد السياسي نجد أن أسس الطريقة الاجتماعية لم توضع في محلها. فأسس المجتمع المختلفة قد تحولت إلى مجتمعات مختلفة وعديدة، وهي تتبع الواحدة الأخرى. فكيف قدرت القاعدة المنطقية الواحدة للحركة وحركة التتابع والترتيب وحركة الوقت أن تشرح بنيان وهيكل المجتمع حيث توجد كل العلاقات إزاء بعضها لتساند بعضها ؟
 
الملاحظة الرابعة:
لننظر الآن ما هي الأوصاف التي يخضع بواسطتها برودون ديالكتيك هيجل عندما يطبقها على الاقتصاد السياسي.
يرى برودون أن كل لائحة اقتصادية لها جانبان – جانب خير وجانب شر. وهو ينظر إلى هذه اللوائح كما ينظر البورجوازي إلى العضماء في التاريخ: كان نابليون رجلا عظيما، قد فعل كثيرا من الحسنات وفعل كثيرا من السيئات.
عندما نأخذ هذه المتناقضات معا، جانب الخير وجانب الشر، الحسنات والسيئات، فإنها تشكل – بالنسبة لبرودون – التناقض في كل لائحة اقتصادية.
فالموضوع الذي يجب حله: الاحتفاظ بالجهة الخيرة والتضييق على الجهة الشريرة.
إن العبودية لائحة اقتصادية كأية لائحة أخرى. وهكذا لها جانبان. ودعنا نترك الآن الناحية الشريرة لنتكلم عن الناحية الخيرة لهذه العبودية. لا حاجة لأن نقول إننا نتكلم عن العبودية المباشرة، ونتكلم عن عبودية العبيد في سرينام Surinam وفي البرازيل وفي الولايات الجنوبية في أمريكا الشمالية.
إن العبودية المباشرة هي تماما محور الصناعة البورجوازية كالآلة الخ... التي هي محور الصناعة أيضا. وبدون عبودية لا تحصل على صناعة حاضرة. هي العبودية التي أعطت المستعمرات قيمتها، وهي المستعمرات التي خلقت التجارة الدولية، وهي التجارة الدولية التي نعدها الشرط السابق للصناعة ذات الانتاج الضخم. وهكذا فالعبودية هي لائحة اقتصادية ذات أهمية كبرى.
وبدون العبودية لما تحولت أمريكا الشمالية – وهي أكثر البلدان تقدما – إلى بلاد بطريكية. فإذا محوت أمريكا الشمالية من خريطة العالم فإنك تحصل على الفوضى – إنك تحصل على الانحدار والتأخر الكامل للتجارة والمدنية الحاضرة. واجعل العبودية أن تختفي فإنك تمحو أمريكا من خريطة العالم(1).
وهكذا فالعبودية، لأن لها لائحة اقتصادية، وُجدت دوما بين المؤسسات التي شادتها الشعوب. وكانت الأمم الحديثة قادرة أن تخفي وجه العبودية في بلدانها، ولكنها فرضتها فرضا بدون تخفيته على العالم الجديد.
فماذا يفعل برودون لتخليص العبودية ؟ إنه يضع المسألة كقاعدة هكذا: احتفظ بالجهة الصالحة لهذه اللائحة، وخفف أو ضيق الخناق على الجهة الشريرة.
لم يكن لدى هيجل مسائل ليضعها في قواعد. كان عنده ديالكتيك فقط. ولم يأخذ برودون من ديالكتيك هيجل إلا اللغة. وبالنسبة له فإن حركة الديالكتيك هي التفريق المبدئي بين الخير والشر.
ودعنا لدقيقة واحدة نعتبر برودون لائحة. ولنفحص جهة الخير والشر عنده ولنفحص حسناته وسيئاته.
لو كان يمتاز بحسنة على هيجل لأنه وضع مسائل جعل من حقه الوحيد أن يحللها لخير البشرية، فإن له سيئة أنه عُرف بالعقم عوضا أن يخلق لائحة ديالكتيكية جديدة. إن ما يشكل حركة الديالكتيك هو وجود جهتين متناقضتين وصراع هاتين الجهتين المتناقضتين وادغامهما في لائحة جديدة. إن محاولة تخفيف الناحية الشريرة تكفي لأن تقضي على حركة الديالكتيك. ليست هي اللائحة التي تضع الفكرة وتناقضها لذاتها بطبيعتها المتناقضة، إنه برودون هو الذي يضطرب ويضيع بين جانبي اللائحة.
ولأن برودون لم يستطع أن يتخلص من مشكلة شرعية وسائله فإنه يعمل أن ينتقل بسرعة إلى لائحة أخرى. ولهذا فإنه لدهشته، يتكلم عن علاقة اللوائح بالنسبة لفهمه لها.
إنه يأخذ العلاقة الأولى التي يصلها ويعمل على أن يجد لها دواء لكي يطهرها من سيئتها. وهكذا اعتقدنا أن برودون يفرض أن يداوي سيئات الاحتكار وميزان التجارة وسيئات الضرائب والملكية الأرضية وسيئات الرصيد.
ولكن أخذه للوائح الاقتصادية بالتتابع واحدة بعد الأخرى ولدى جعله الواحدة مكملة للأخرى فإن برودون يحاول أن يجعل من هذا المزيج من المتناقضات، كتابين ضخمين يحتويان على المتناقضات ودعاهما: « طريقة التناقضات الاقتصادية »، The System of Economic Contradictions.
 
   




Dont let the system get you down

أنت غير مسجل لدينا.. يمكنك التسجيل الآن.

مشاركة : 6


شو عدا ما بدا

جامعـي مشــارك




مسجل منذ: 28-11-2009
عدد المشاركات: 68
تقييمات العضو: 0
المتابعون: 18

غير موجود
اشــترك بالتحديثات
رسالة مستعجلة

رد مشاركة : بؤوس الفلسفة

26-12-2009 12:52 PM





الملاحظة الخامسة:
« تكون كل هذه الأفكار في الحقيقة المطلقة... متساوية في البساطة والتصميم، – وفي الواقع نصل للمعرفة فقط بواسطة « نوع من بناء أفكارن ». لكن الحقيقة بذاتها مستقلة عن الرموز الديالكتيكية ومتحررة من وحدة عقولنا ». (المجلد 2، صفحة 97).
وهنا فجأة يصبح ميتافيزيك الاقتصاد السياسي خيالا ووهما ! لم يتكلم برودون بحق أكثر من هذه المرة. ومن اللحظة التي تصغر حركة الديالكتيك إلى عملية مقابلة أو مضادة بين الخير والشر، وفي اللحظة التي تضع مسائل لتخفيف الناحية الشريرة، ومن اللحظة التي تعمل على إدارة وتسيير لائحة كدواء للائحة أخرى، عندئذ نرى أن هذه اللوائح تتجرد عن كل حقائقها، وتبطل الفكرة أن تنتج وتعمل، ولا تبقى حياة بها. وهكذا لا توضع الفكرة ولا تتشكل لتصبح لوائح. وإن تتابع اللوائح أصبح نوعا من البنيان. ويقف الديالكتيك حتى يصبح حركة الحقيقة المطلقة. ولا يوجد بعد ديالكتيك على الأكثر إلا ديالكتيك الأخلاق المطلقة الصافية.
وعندما تكلم برودون عن مجموعات اللوائح والقيم في الفهم، وعن التتابع المنطقي لهذه اللوائح، صرح إيجابيا أنه كان يريد أن يقدم التاريخ بالنسبة للوقت، وكان يريد أن يظهر أن التتابع التاريخي (أي الحوادث الآتية وراء بعضها) يظهر اللوائح نفسها. وهكذا فكل شيء بالنسبة له حدث تاريخي في أثير الحقيقة الصافية. وكل شيء ينتج هذا الأثير بواسطة الديالكتيك. وبما أنه كان عليه الآن أن يظهر هذا الديالكتيك كواقع، كانت الحقيقة هي التي أخطأته. إن ديالكتيك برودون يعاكس هيجل والآن نراه يقول أن النظام الذي يقدمه لاظهار اللوائح الاقتصادية ليس هو النظام الذي تخلق فيه كل لائحة أخرى. فالتطورات الاقتصادية لم تعد تمثل تطورات الحقيقة ذاتها.
وماذا يعطينا برودون ؟ التاريخ الحقيقي الذي هو – بالنسبة لفهم برودون – التتابع الذي تظهر فيه اللوائح ذاتها في نظام الوقت. كلا ! التاريخ والمكان الذي يتبعه في الفكرة ذاتها ! وأقل من ذلك ! لا تاريخ اللوائح المدنس ولا تاريخها المقدس ! وماذا يقول لنا عن التاريخ ؟ تاريخ متناقضاته. ولننظر كيف تقود هذه الأقوال برودون وتغرقه معها.
وقبل أن نفحص هذه الأقوال – هذه الأقوال التي تقودنا للملاحظة السادسة – علينا أن نبحث في ملاحظة أقل قيمة.
دعنا نقبل مع برودون قوله أن التاريخ الحقيقي، التاريخ بالنسبة لنظام الوقت، هو تاريخ التتابع الذي تظهر فيه الأفكار واللوائح والمبادئ ذاتها.
لكل مبدأ كان له عصره الذي أظهر ذاته به. إن مبدأ السلطة مثلا ظهر في القرن الحادي عشر كما أن عصر الفردية ظهر في القرن الثامن عشر. ففي التتابع المنطقي نجد أن العصر هو الذي كان يتبع المبدأ وليس المبدأ هو الذي كان يخص العصر. وهكذا يكون أن المبدأ هو الذي صنع التاريخ وليس التاريخ هو الذي صنع المبدأ. وحتى نخلص المبدأ ونخلص التاريخ، علينا أن نسأل أنفسنا لماذا نرى مبدأ ما ظهر في القرن الحادي عشر أو في القرن الثامن عشر ولم يظهر في عصر آخر، لذلك نحن مجبرون أن نفحص بدقة كيف كان الناس في القرن الحادي عشر وكيف كانوا في القرن الثامن عشر، وماذا كانت حاجياتهم الضرورية وقواهم الإنتاجية ونوع إنتاجهم والمواد الأولية التي تستعمل للمواد الأولية – وبكلمة واحدة، نسأل ماذا كانت العلاقات التي حصلت بين الإنسان والإنسان من جراء هذه الأحوال الموجودة. ولكي نصل إلى أعماق هذه الأسئلة – أي لكي نعرف تاريخ الناس المدنس الحقيقي في كل عصر ولكي نظهر هؤلاء الناس أنفسهم كحكام وممثلين لهذه المسرحية ؟ ولكن عندما يظهر الناس كممثلين وكحكام تاريخهم فإنك تصل إلى نقطة البداية لأنك تكون قد أهملت وهجرت تلك المبادئ الرئيسية التي تكلمت عنها عند الابتداء.
لم يذهب برودون بعيدا في ملتقى الطرق، هذه الطريق التي يمشي عليها المثالي « الايديولوجي » لكي يصل الطريق الرئيسي للتاريخ.
 
الملاحظة السادسة:
دعنا نعبر ملتقى الطرق مع برودون.
نحن نوافق على أن العلاقات الاقتصادية – كما ينظر لها بأنها قواعد ثابتة غير متبدلة وبأنها مبادئ أبدية ولوائح مثالية – وجدت قبل وجود أناس أذكياء، ونحن نوافق أن هذه القوانين والمبادئ واللوائح كانت – منذ ابتداء الزمن – نائمة في « الحقيقة الانسانية غير الشخصية ». ورأينا مع كل هذه القيم الأبدية الثابتة والتي لا تتبدل أن التاريخ معكوس في الحقيقة الصافية لحركة الديالكتيك. إن برودون بقوله هذا – في حركة الديالكتيك أن الأفكار لا تختلف – يكون قد حطم ظل الحركة وحركة الظلال، إذ أن كل شخص كان يقدر أن يخلق من هذه الحركة تشبيها للتاريخ. وعوضا عن ذلك نراه يريد أن يصبغ التاريخ بصيغة تفكيره. إنه يضع اللوم على كل شيء حتى على اللغة الفرنسية، فيقول برودون الفيلسوف: « ليس صحيحا أن نقول أن شيئا ما يظهر وأن شيئا ما ينتج: ففي الحضارة كما في الكون نرى أن كل شيء وجد وصنع في الوجود منذ الأبدية ». (المجلد 2، صفحة 102).
إن قوة المتناقضات الإنتاجية التي تعمل والتي تجعل برودون يعمل هي كبيرة، ولدى محاولته أن يشرح التاريخ نراه مجبرا أن ينكره ولدى محاولته أن يشرح ظهور العلاقات الاجتماعية المتتابعة نراه ينكر أي شيء يقدر أن يظهر، ولدى محاولته شرح الإنتاج بكل تطوراته نراه يتساءل إن كان يمكن إنتاج أي شيء.
وهكذا لا يوجد تاريخ بالنسبة لبرودون، وهكذا لا يوجد تتابع للأفكار. ورغم ذلك فكتابه لا يزال موجودا، وبالتأكيد إن هذا الكتاب – لنستعمل تعبيره الخاص هو « تاريخ فيما يتعلق بتتابع الأفكار ». وكيف نجد قاعدة – إن برودون رجل القواعد – تساعده أن يوضح كل هذه المتناقضات في فقرة واحدة.
لهذا الحد نقول أنه اخترع حقيقة جديدة، هذا الاختراع الذي ليس هو حقيقة مطلقة صافية ولا حقيقة عامة للناس الذين يعيشون ويعملون في أزمنة مختلفة، لكنها حقيقة تختلف عن حقيقة الشخص « المجتمع » – الموضوع « الانسانية » – التي يصورها برودون بهيأة عبقرية اجتماعية، بشكل حقيقة عامة، وأخيرا يصورها بهيأة حقيقة إنسانية. هذه الحقيقة التي يتكلم عنها بأسماء كثيرة تخون ذاتها دوما وكل لحظة كما تخون حقيقة برودون الفردية ذاتها بناحيتها الشريرة والجيدة وبوسائلها العديدة.
إن الحقيقة الإنسانية لا تخلق « الحقيقة » لأنها مختبئة في أعماق الحقيقة الأبدية والمطلقة. إنها تقدر أن تكشف عنها النقاب، لكن حقائق كهذه كما كشف عن نقابها – هي غير تامة وغير كافية بالنتيجة متناقضة « وبما أن اللوائح الاقتصادية – كونها حقائق مكتشفة، وقد أظهرها الإنسان بحقيقته، بواسطة العبقرية الاجتماعية – إن هذه اللوائح غير كاملة وتحتوي على جرثومة التناقض. وقبل أن رأى برودون العبقري الاجتماعي – العوامل المتناقضة – وليست القواعد المتلاحقة – كانت كلا هاتين الحقيقتين العوامل المتناقضة والقواعد المتلاحقة مختبئتين في الحقيقة المطلقة. إن العلاقات الاقتصادية – التي تحققت على الأرض هذه الحقائق غير الكافية – متناقضة بذاتها وهي تمثل ناحيتين: ناحية صالحة وناحية شريرة.
إن عمل العبقري الاجتماعي هو أن يجد الحقيقة الكاملة والفكرة بمفهومها الكامل – يعني القاعدة المتناسبة المتلاحقة لكي تقضي على التناقض –.
هذا هو السبب أيضا – في وهم برودون – أن هذه العبقرية الاجتماعية انتقلت من لائحة للائحة أخرى دون أن تكون قادرة – رغم كل اللوائح التي تحتويها – أن تنزع ذاتها من الله ومن الحقيقة المطلقة.
« وفي البدء يضع المجتمع (العبقرية الاجتماعية) واقعا أوليا، إنه يضع افتراضا.. تناقضا واقعيا، وتناقضه ينتج ويظهر في الاقتصاد الاجتماعي بنفس الطريقة التي يمكن لنتائجه أن تفرض على العقل، على تكوين الحركة الصناعية – وهي تتبع في كل الأشياء تنقل الأفكار – وينقسم إلى قسمين: قسم له تأثيراته النافعة وقسم له تأثيراته المتقلبه. ولكي نخلق انسجاما بين تشكيل هذين المبدأين ولكي نحل هذا التناقض على المجتمع أن يخلق تشكيلا آخر، ويخلق تشكيلا ثالثا، وتقدم العبقرية الاجتماعية ستحتل مكانتها في هذه العملية حتى – عندما تنتهي كل متناقضاتها – لا يعود برهان يوضع حدودا للتناقضات البشرية – فإنها تعود بفقرة واحدة إلى أمكنتها الأولى وبقاعدة واحدة تحل مسائلها كلها ». (المجلد 1، صفحة 133).
وكما أن الفكرة العكسية انقلبت قبلا إلى تناقض كهذا تصبح الفكرة الآن فرضية. وهذا التبديل في الشروط – الذي أوجده برودون – لا يعود يدهشنا. الحقيقة الإنسانية – التي هي صافية – وهي تتضمن رؤيا غير كاملة تجد في كل خطوة تخطوها مسائل يجب أن تحلها. وكل فكرة Thesis جديدة تكتشفها في الحقيقة المطلقة – وهي نفي الفكرة الأولى، تصبح نتيجة Synthesis وتقبل هذه النتيجة ببساطة كحل للمسألة. وهكذا نرى هذه الحقيقة تتدخل في كل المتناقضات الجديدة حتى – لدى وصولنا لآخر هذه التناقضات – تدرك كل أفكارها Thesis وكل أفكارها المعاكسية Antithesis أنها فرضيات متعاكسة. وفي مثل هذه الفوضى « تعود الانسانية (العبقرية الاجتماعية) بقفزة واحدة إلى أمكنتها الأولى وتحل بقاعدة واحدة كل مسائلها ». وتشكل هذه القاعدة الوحيدة اكتشاف برودون الحقيقي – وهو « القيمة المشكلة ». تقوم الفرضيات بالنسبة لهدف ما. إن العبقرية الاجتماعية كهدف لها – نتكلم الآن بفم برودون – إذ تضع ذاتها في المرتبة الأولى، كانت تهدف أن تنقض الناحية الشريرة الموجودة في كل لائحة اقتصادية حتى تبقى الناحية الصالحة. فالصالح والصيرورة الحسنة، والهدف الحقيقي الواقعي، هو المساواة. ولماذا تهدف العبقرية الاجتماعية إلى المساواة بينما لا تهدف للامساواة أو للأخوة أو للكاثوليكية أو لأي مبدأ آخر ؟ لأن « الإنسانية حققت فرضيات عديدة بالنسبة لفرضية متفوقة » وهذه هي المساواة. وإذا وضعناها بكلمات أخرى: لأن المساواة هي مثالية برودون. يتصور أن تقسيم العمل والرصيد، والمعمل – وكل العلاقات الاقتصادية – اخترعت فقط لفائدة المساواة، ولكنه رأى أن هذه المفاهيم انقلبت ضدها وبما يستنتج أنه يوجد تناقض وإذ يوجد تناقض فإنه يوجد بين رأيه الثابت والحركة الحقيقية.
وطالما أن الناحية الصالحة في علاقة اقتصادية هي التي تؤكد المساواة فإن الناحية الشريرة تؤكد اللامساواة. إن كل لائحة جديدة هي فرضية العبقرية الاجتماعية لكي تخف اللامساواة التي خلقتها الفرضية السابقة. وباختصار، إن المساواة هي « النسبة الأصلية » أو الميل الصوفي، الهدف الإلهي، وهذه كلها تقر العبقرية الاجتماعية وتضع أمام عينيها دوما كل هذه الأقوال بينما تدور في حلقة مفرغة من التناقضات الاقتصادية – وهكذا فالعزة الإلهية هي القاطرة التي تجعل حقيبة برودون الاقتصادية تتحرك كحقيقة الإرادة الصافية. ولقد كرس للعزة الإلهية فصلا خاصا، ويأتي بعد الفصل الذي خصصه لبحث الضرائب.
إن العزة الإلهية أو الهدف الإلهي هي الكلمة الكبيرة المستعملة اليوم لتشرح حركة التاريخ. والواقع أن هذه الكلمة لا تشرح شيئا.
إنها حقيقة عندما نقول أن ملكية الأرض في اسكتلاندا أصبح لها قيمة جديدة لدى نمو الصناعة الانكليزية. لقد فتحت هذه الصناعة منافذ جديدة للصوف، ولكي يصير إنتاج الصوف بكميات ضخمة يجب تحويل الأرض غير المزروعة إلى أرض مزروعة. ولتحقيق هذا التحويل يجب تحديد الملكيات القابلة للتحويل. ولتحقيق هذه الملكيات القابلة للتحويل يجب القضاء على الملكيات الصغيرة، وهذا لا يعني طرد ألوف الساكنين على الأرض من مساكنهم، ووضع محلهم ملايين من الخراف يحميها بعض الرعاة. وهكذا بعد تحويلات متتابعة، نرى أن الممتلكات الأرضية في اسكتلندا قد تلخصت بطرد الرجال ووضع الخراف محلهم. والآن قل إن العزة الإلهية بالنسبة لتأسيس ملكية الأرض في اسكتلندا كان هدفها أن تضع الخراف مكان الرجال، وهكذا تحصل على التاريخ الذي كونته العزة الإلهية.
طبعا، إن الميل نحو المساواة يعود لعصرنا. ولنقول الآن أن كل العصور السابقة – إذا كانت لها حاجات مختلفة ووسائل إنتاج الخ. كانت تعمل حسب إرادة العزة الإلهية لتحقيق المساواة وهذا يعني أولا، أن نبدل وسائل ورجال عصرنا برجال ووسائل العصور السابقة لنسيء فهم الحركة التاريخية التي بواسطتها نرى الأجيال المتتابعة قد حولت النتائج التي طبقتها الأجيال التي سبقتها. يعرف الاقتصاديون جيدا أن الشيء الحقيقي الذي كان بالنسبة لشخص ما منتوجا حسنا كان بالنسبة لشخص آخر مادة أولية لإنتاج شيء جديد.
افترض، كما يفترض برودون، أن العبقرية الاجتماعية انتجت أو أخرجت الأسياد الاقطاعيين تديرهم العزة الإلهية لتحويل الساكنين عندهم إلى عمال مسؤولني متساوين في العمل، ولدى هذه الفرضية تكون قد وضعت شيئا مكان شيء آخر وتكون قد أثرت على استبدال الأهداف والأشخاص الذين يستحقون العزة الإلهية التي أسست ملكية الأرض في اسكتلندا حتى تضع الخراف مكان الناس.
وبما أن برودون يهتم بالعزة الإلهية فنحن ننصحه أن يقرأ كتاب « تاريخ الاقتصاد السياسي » للكتاب فيلنوف، الذي يتبع أيضا مفهوم العزة الإلهية. إن هذا لا يعد مساواة بل يعد كاثوليكية.
 
الملاحظة السابعة والأخيرة:
يتبع الاقتصاديون طريقة معينة. وتوجد مؤسستان للاقتصايين، طبيعية واصطناعية. إن مؤسسات الاقطاعية هي مؤسسات اصطناعية ومؤسسات البورجوازية هي مؤسسات طبيعية. وفي طريقتهم هذه يشبهون اللاهوتيين الذين يؤسسون نوعين من الديانة. إن كل ديانة لا تخصهم تكون من صنع الناس، بينما ديانتهم انبثقت عن الله.
فعندما يقول الاقتصاديون أن علاقات الوقت الحاضر – علاقات الانتاج البورجوازي – هي طبيعية، فإنهم يعنون أن هذه علاقات تخلق فيها الثروة وتنمو القوى الانتاجية وتتوافق قوانين الطبيعة. ويعنون أن هذه العلاقات طبيعية مستقلة عن تأثير الزمن. هي قوانين أبدية يجب أن تحكم المجتمع دوما. هكذا كان يوجد تاريخ ولكن سوف لن يوجد بعد الآن. كان يوجد تاريخ منذ أن كانت المؤسسات الاقطاعية موجودة ونجد في هذه المؤسسات الاقطاعية علاقات انتاج مختلفة تمام الاختلاف عن علاقات المجتمع البورجوازي، هذا المجتمع الذي يعده الاقتصاديون طبيعيا وأبديا.
كان للاقطاعية بروليتاريا أيضا « وعبوديتها » وكانت تحتوي على كل جراثيم البورجوازية – كان للانتاج البورجوازي عاملان متناقضان دعيا بالناحية الصالحة للاقطاعية وبالناحية الشريرة لها، غير معتبرين أن الناحية الشريرة هي التي تغلب في النهاية. إنها الناحية الشريرة التي تنتج الحركة التي تصنع التاريخ لأنها تخلق الصراع. ولو كان الاقتصاديون، أثناء عصر حكم الاقطاع، يتحمسون لفضائل الفروسية وللانسجام الجميل بين الحقوق والواجبات، ولحياة المدنية البطريكية، ولحالة الصناعة المزدهرة في الضواحي، ولجمعيات والأخويات، ولكل شيء كان يشكل الناحية الصالحة في الاقطاعية، لو وضعوا أمام أنفسهم مسألة تخفيه كل شيء كان يرمي ظلا على هذا الرسم – العبودية، الامتيازات، الفوضى – فماذا كان حدث ؟ إن كل العوامل التي دعت لخلق الصراع كانت تحطمت ولازدهر نمو البورجوازية.
بعد انتصار البورجوازية لم يقدم أي سؤال عن الناحية الصالحة أو الشريرة في الاقطاعية. إن البورجوازية امتلكت القوى الانتاجية التي نمت تحت النظام الاقطاعي. وكل الاشكال الاقتصادية القديمة وكل العلاقات المدنية المقابلة، والدولة السياسية هذا التعبير الذي كان يطلق على المجتمع القديم، لقد تحطمت هذه الأشكال.
وهكذا يجب أن نعتبر الانتاج الاقطاعي – لنحكم عليه بنزاهة – كنوع من الانتاج القائم على التناقض. ويجب أن يظهر كيف كانت الثروة تنتج ضمن هذا التناقض وكيف كانت القوى الانتاجية تنمو بنفس الوقت كصراع طبقي، وكيف كانت طبقة من الطبقات – الناحية الشريرة وسوء المجتمع – تنمو حتى ساعدتها الأحوال المادية أن تتحرر لتبلغ نضجها. أليس هذا خيرا أن نقول أن نوع الإنتاج أي العلاقات التي تنمو بواسطتها القوى الإنتاجية، ليست إلا قوانين أبدية لكنها تقابل نموا محدودا للناس ولقواهم الإنتاجية، وأن تغييرا في القوى الإنتاجية عند الناس يسبب تغييرا ضروريا في علاقات إنتاجهم ؟ وبما أن الشيء الرئيسي يجب أن لا يطرد من ثمار المدنية، ومن القوى الإنتاجية المطلوبة، فإن الأشكال الخرافية التي في ظلها أنتجت يجب أن تتحطم، ومن هذه اللحظة تصبح الطبقة الثورية محافظة.
تبتدئ البورجوازية من البروليتاريا التي هي ذاتها أثر بال لبروليتاريا الزمن الاقطاعي. وفي مجرى نموها التاريخي نجد أن البورجوازية تقوي صفتها التناقضية، هذه الصفة التي تختفي بادئ الأمر، ولا توجد إلا في حالة متأخرة، وبينما تنمو البورجوازية، فإن بروليتاريا جديدة تنمو في صدرها، وهي بروليتاريا حديثة، فينشأ صراع بين طبقة البروليتاريا وطبقة البورجوازية، صراع – وقد شعر به كل فرد وفهمه وحبذه وأدركه – يعبر عن ذاته، ويبتدئ في بعض أوقات النزاع المؤقت. ومن الناحية الثانية، إذا كان كل أعضاء البورجوازية الحديثة عندهم نفس المصالح طالما أنهم يشكلون طبقة ضد طبقة أخرى، فيكون لهم مصالح مضادة ومعاكسة طالما أنهم يقفون وجها لوجه مع طبقة أخرى، وهذا التناقض في المصالح ينتج عن أحوال الاقتصادية في الحياة البورجوازية ليس لها صفة عامة وبيسطة بل لها صفتان مضادتان: أي أن نفس العلاقات التي تنتج للغني تنتج للفقير أيضا. ونفس العلاقات التي نجدها في نمو القوى الانتاجية، نجد فيها تأخر للقوى الانتاجية، ونجد أن هذه العلاقات تنتج الثروة البورجوازية أي ثروة الطبقة البورجوازية. وتنمو هذه الثروة فقط لدى القضاء وباستمرار على ثروة الأعضاء الأفراد في هذه الطبقة وبإنتاج بروليتاريا متزايدة.
وكلما كانت الصفة التناقضية كبيرة كلما وجد الاقتصاديون – الممثلون العلميون للانتاج البورجوازي – أنفسهم في نزاع مع نظريتهم، وهكذا تقوم مدارس مختلفة.
عندنا الاقتصاديون الضالون الذين ينتحلون في نظريتهم بالنسبة ما يدعونه سيئات الانتاج الرأسمالي عندما يقابلون هذه النظرية بالبورجوازية أنفسهم إذ لا يهتمون لآلام البروليتاريا التي تساعدهم أن يجمعوا ثروتهم. ونجد في هذه المدرسة المضرة الكلاسيكيين والرومانتيكيين. الكلاسيكيون، كآدم سميث وريكاردو، يمثلون بورجوازية لا تزال تصارع ببقايا آثار المجتمع الاقطاعي، ويعملون على أن يطهروا العلاقات الاقتصادية من بقايا الاقطاعية وليزيدوا القوى الانتاجية وليقودوا الصناعة والتجارة. إن البروليتاريا تشارك في هذا الصراع وتقوم بتجربة هذا العمل وتتألم لأجله. إن البروليتاريا تشارك كآدم سميث وريكاردو اللذين يمثلون مؤرخي هذا العصر، لم يحملا أية رسالة إلا ليظهرا كيف أن الثروة تتجمع في علاقات الانتاج البورجوازي، وكيف يضعان قواعد هذه العلاقات في لوائح وقوانين، وأن يظهروا أن هذه القوانين واللوائح رفيعة وعالية وتناسب انتاج الثورة. إن الفقر في نظرهم ليس إلا الصرخة الصغيرة التي ترافق ولادة الطفل، في الطبيعة أو في الصناعة.
أما الرومانتيكيون فإنهم يخصون عصرنا الذي نجد فيه البورجوازية تعاكس البروليتاريا مباشرة في هذا العصر الذي يتكاثر فيه الفقر كما تتكاثر الثروة. يلقى الاقتصاديون من برجهم العالي، نظرة احتقار على الآلات البشرية التي تصنع الثروة. إنهم ينسخون كل التطورات التي تقدم بها سابقوهم.
وتأتي في الدرجة الثانية « المدرسة الانسانية » Humanitarian School التي توافق مع الناحية الشريرة لعلاقات الانتاج. وهي تبكي وتنوح على شقاء وتعاسة البروليتاريا، وعلى المنافسة الدائمة بين البورجوازيين أنفسهم، إنها تنصح العمال أن يتعلقوا بالصبر ويعملوا بنشاط وأن ينجبوا أطفالا قليلين، وهي تنصح البورجوازيين أن يفرضوا نشاطا منطقيا في الانتاج. وتعتمد نظرية هذه المدرسة على تمييز لا ينتهي بين النظري والواقعي، بين المبادئ والنتائج، بين الفكرة التطبيق، بين الشكل والمضمون، بين الجوهر والحقيقة، بين الحق والواقع وبين الناحية الصالحة والناحية الشريرة.
إن مدرسة الشفقة والرحمة Philanthropic هي المدرسة الانسانية ولكنها تحاول أن تصل الكمال. إنها تنكر ضرورة التناقض، وتريد أن تجعل كل الناس بورجوازيين، إنها تريد أن تحقق النظرية طالما هي بعيدة عن الواقع وطالما أنها لا تحتوي على تناقض. وهي تكمل – دون أن تقوله – أنه من السهل أن تخلق فكرة مجردة من المتناقضات التي نصادفها كل لحظة في الحقيقة الواقعية. وهذه النظرة تصبح حقيقة مثالية. يريد الانسانيون أن يتكلموا عن اللوائح التي تعبر عن فكرة العلاقات البورجوازية لكن دن إرجاعها إلى التناقض الذي يشكلها ولا يفترق عنها، يفكرون أنهم يحاربون البورجوازية جديا، وعلميا، بينما هم بورجوازيون أكثر من الجميع.
وبما أن الاقتصاديين هم الممثلون العلميون للطبقة البورجوازية، هكذا الاشتراكيون والشيوعيون هم نظريو صراع البروليتاريا. وطالما أن البروليتاريا لم تنم كفاية لتشكيل طبقة بذاتها وطالما أن صراع البروليتاريا ذاته مع البورجوازية لم يتخذ صفة سياسية بعد، والقوى الانتاجية لم تنم بكفاية في صدر البورجوازية ذاتها لتساعدنا على تحرير البروليتاريا وعلى تشكيل مجتمع جديد، فإن هؤلاء النظريين هم الطوباويون الذين – ليحققوا رغبات الطبقات المظلومة – يقدمون مناهجهم ويمضون ليفتشوا عن علم خلاق، ولكن لدى القول أن التاريخ يتحرك إلى الأمام، ويتقدم معه صراع البروليتاريا ويصبح أوضح، فإنهم لا يحتاجون أن يفتشوا عن العلم ولا يقدمون إلا المناهج، وطالما أنهم لا يزالون إلا في بداية الصراع، فإنهم لا يرون في الفقر إلا الفقر، دون أن يروه في الناحية الثورية التي ستجتاح المجتمع كله. ومن هذه اللحظة يوافق العلم – العلم الذي هو انتاج الحركة التاريخية – على هذه الناحية ولا يبقى نظريا بل يصبح ثوريا.
ولنعد الآن لبرودون.
لكل علاقة اقتصادية ناحيتها الصالحة وناحيتها الشريرة. ويرى برودون أن الاقتصاديين يعرضون الناحية الصالحة ويرى الاشتراكيين يرفضون ولا يقبلون الناحية الشريرة. فهو يستعير من الاقتصاديين ضرورة العلاقات الأبدية، ويستعير من الاشتراكيين خياله ليرى في الفقر لا شيء سوى الفقر. إنه يتفق مع كليهما إذ أنه يريد أن يقع على سيطرة العلم. والعلم بالنسبة له يصغر حتى يصبح نسبيا لقاعدة علمية، وهو الرجل الذي يفتش عن القواعد. إنه أقل من الاقتصاديين بما أنه – كفيلسوف – أراد أن يبدع قاعدة – فكر أنه يقدر أن يستغني عنهم وأن يمضي بمفرده ويبحث القضايا الاقتصادية – وهو أقل من الاشتراكيين لأنه لم تكن عنده الشجاعة الكافية ولا النظر البعيد لكي يرتفع عن مصاف البورجوازيين.
إنه يريد أن يكون الفكرة الناتجة Synthesis، إنه خطأ مركب. إنه يريد أن يظهر بمظهر رجل العلم الذي هو أعلى من البورجوازية والبروليتاريا، إنه بورجوازي صغير يتأرجح بين رأس المال والعمل، وبين الاقتصاد السياسي والشيوعية
   




Dont let the system get you down

أنت غير مسجل لدينا.. يمكنك التسجيل الآن.

مشاركة : 7


شو عدا ما بدا

جامعـي مشــارك




مسجل منذ: 28-11-2009
عدد المشاركات: 68
تقييمات العضو: 0
المتابعون: 18

غير موجود
اشــترك بالتحديثات
رسالة مستعجلة

مبتافيزيك الاقتصاد السياسي

26-12-2009 11:16 PM






تقسيم العمل واستعمال الآلة:
إن تقسيم العلم بالنسبة لبرودون يفتح الباب لمجموعات التطورات الاقتصادية :
الجانب الصالح لتقسيم العمل
« إن تقسيم العمل هو الطريقة التي تحقق مساواة الأحوال والذكاء » (المجلد 1، صفحة 93).
« أصبح تقسيم العمل بالنسبة لنا آلة الفقر » (المجلد 1، صفحة 94).

الجانب الشرير لتقسيم العمل
« إن العمل، لدى تقسيم ذاته وفقا للقانون الخاص به، ينتهي إلى نفي أهدافه ويحطم ذاته » (المجلد 1، صفحة 94).

حل المسألة
« لكي تجد الحل الذي يقضي على مساوئ تقسيم العمل وفي نفس الوقت تحتفظ بتأثيراته النافعة ». (المجلد 1، صفحة 97).
إن تقسيم العمل بالنسبة لبرودون قانون أبدي ولائحة بسيطة مجردة. إذن فالتجريد أو الفكرة يجب أن تكفي ليشرح تقسيم العمل وفقا لأزمنة تاريخية مختلفة. إن المذاهب، والشركات التضامنية، ذات الانتاج الضخم يجب أن تفسرها الكلمة الوحيدة « التقسيم » وأول ما يجب أن تعمله هو أن تدرس بإمعان معنى كلمة « تقسيم » ولا تحتاج بعدئذ أن تدرس العوامل المؤثرة العديدة التي تعطي تقسيم ا لعمل صفة محددة في كل عصر.
نجد بالتأكيد، أن الأشياء تصبح أسهل بكثير لو أننا أخفضناها للوائح برودون. والتاريخ لا يتابع مجراه بتنظيم التام كاللائحة. لقد أخذت ألمانيا ثلاث سنوات كاملة لكي تؤسس أول تقسيم للعمل ولفصل المدن عن الضواحي. وبنسبة علاقة المدينة والقرية نجد أن كل المجتمع قد نال أوصافه. وإذا أخذنا هذا المظهر من مظاهر تقسيم العمل، يحصل لدينا الجمهوريات القديمة، ويحصل لديك الاقطاعية المسيحية، وتحصل على انكلترا القديمة بباروناتها وتحصل على انكلترا الجديدة بأسياد القطن فيها.
ففي القرن الرابع والخامس عشر، عندما لم توجد مستعمرات بعد، وعندما لم يمكن لأمريكا تأثيرها على أوروبا ولم تكن معروفة جيدا، وعندما كانت آسيا توجد وتعيش بظل القسطنطينية، وعندما كان المتوسط محور النشاط التجاري، وعندما كان الاسبانيون والبرتغاليون والهولانديون والانكليز والفرنسيون، عندما كان لهم مستعمرات مؤسسة في كل أقسام العالم، إن اتساع السوق وهيكله الخارجي يعطي تقسيم العمل في أزمنة مختلفة شكلا خارجيا يعطيه صفته التي كان من الصعب الوصول إليها من كلمة تقسيم، من الفكرة، من اللائحة.
يقول برودون « إن كل الاقتصاديين منذ آدم سميث أشاروا إلى حسنات ومساوئ قانون التقسيم ولكنهم أصروا على الحسنات أكثر مما أصروا على السيئات لأن الحسنات كانت ذات خدمات أكثر لتفاؤلهم، ولم يعذب أحد بينهم نفسه ليعرف ما هي مساوئ القانون.. فكيف نرى نفس المبدأ يقود إلى نتائج معاكسة ؟ لم يوحد اقتصادي قبل أو بعد آدم سميث قدر أن يدرك أية مسألة يجب حلها. فساي يعترف أنه بتقسيم العمل نجد أن نفس السبب الذي يخلق الصالح يخلق الرديء أيضا ». (المجلد 1، صفحة 95-96).
يذهب آدم سميث أبعد مما يظن برودون. لقد رأى بوضوح « إن الفرق في المواهب الطبيعية عند رجال مختلفين، يقود إلى تقسيم العمل ». وكمبدأ، نجد أن الحمال يختلف عن الفيلسوف أقل مما يختلف كلب كبير عن كلب كبير آخر أصغر بقليل. إنه تقسيم العمل الذي أوجد خليجا بين الاثنين. وكل هذا لم يمنع برودون أن يقول في مكان ما أن آدم سميث لم تكن عنده أقل فكرة عن المساوئ التي يخلقها تقسيم العمل. وهذا ما يجعله يقول مرة أخرى أن ج. ب. ساي كان أول من اعترف أن تقسيم العمل يسبب « إنتاج الصالح وإنتاج الردئ ».
والآن لنستمع إلى لومونتي Lemontey « لكل واحد حاجته ».
« لقد شرفني ج. ب. ساي عندما تبنى في كتابه عن الاقتصاد السياسي المبدأ الذي أخرجته للنور، في المقطع الذي يتحدث به عن تقسيم العمل. وقد اقنع أن يعود إلى كتابي ويقول أنه أخذ المبدأ عني. هذا هو الدافع الوحيد الذي أقدر أن أصف به سكوت كاتب غني في مجموعاته أن يتنكر لدين صغير ». لومونتي، « الأعمال الكاملة ».
ولنقدم هذا المعروف له : لقد عرض لومونتي نتائج تقسيم العمل غير المسرة كما هي معروفة اليوم ولم يجد برودون شيئا ليضيفه عليه. والآن بسبب خطيئة برودون، نعود إلى هذا السؤال، من سبق الآخرين في عرض فكرته. ونقول مرة أخرى أنه قبل لومونتي، وقبل آدم سميث (كان آدم سميث تلميذا لفرجسون Fergson. لقد قدم فرجسون عرضا واضحا عن الموضوع في الفصل الذي يبحث بصورة خاصة تقسيم العمل).
« يشك بعض الأحيان أن كانت مقدرة الأمة تزداد بتقدم الفنون. إن كثيرا من الفنون الميكانيكية.. تنجح كثيرا تحت ضغط الشعور والمنطق، والجهل هو أم الصناعة والخرافة، والانعكاس والخطأ يخضعان للخطأ، ولكن عادة تحريك اليد أو القدم مستقلة عن المنطق والجهل. والصناعات نسبيا، تزدهر حيث لا يستشار العقل وحيث يمكن المعمل – دون جهد كثير وتفكير – أن يعتبر كآلة، والناس هم أقسام هذه الآلة... إن المدير العام يقدر أن يكون ماهرا في معرفة الحرب، بينما مهارة الجندي يمكن أن تنحصر بحركات قليلة باليد والرجل. فالأول يمكن أن يربح ما خسره الثاني.. والتفكير في هذا العصر، عصر التفرقة يمكن أن يصبح مهنة خاصة ». فرجسون، « بحث في تاريخ المجتمع المدني ».
ولكي نضع حدا لهذا الوصف الأدبي نفكر أن « كل الاقتصاديين أصروا على حسنات تقسيم العمل أكثر مما أصروا على سيئاته ». يكفي القول عندما نذكر سيسموندي.
وهكذا طالما أن حسنات تقسيم العمل تهمنا، فما كان من برودون إلا أن يقتطع الجمل والعبارات التي يعرفها.
ودعنا ننظر كيف يستنتج من تقسيم العمل – ويأخذ التقسيم كقاعدة عامة وكلائحة وكفكرة – السيئات المتعلقة به. وكيف يمكن أن هذه اللائحة أو هذا القانون أن يدعو إلى توزيع غير عادل للعمل فيدمر طريقة التعامل لبرودون ؟
« وفي هذه الساعة الرهيبة لدى تقسيم العمل تبتدئ العواطف تعصف بالانسانية. إن النجاح لا يكون في حالة متساوية وعلى نمط واحد... إنه يبتدئ بامتلاك عدد صغير من ذوي الامتيازات... إنه تفصيل الأشخاص في مجرى التقدم الذي حفظ لنا الاعتقاد في لامساواة الأحوال الطبيعية والالهية، وهذا هو سبب وجود المذاهب، إذ تعم الفوضى كل المجتمع » برودون، المجلد، صفحة 94.
إن تقسيم العمل خلق المذاهب. وأصبحت المذاهب الآن تشكل سيئات تقسيم العمل. وهكذا يكون تقسيم العمل هو الذي خلق السيئات. هل تريد أن تنقص الحقيقة وتسأل ما الذي جعل تقسيم العمل يخلق المذاهب والمؤسسات الفوضوية والأشخاص ذوي الامتيازات؟ سيخبرك برودون : إنه التقدم والنجاح. وما الذي خلق التقدم ؟ إنه التحديد. والتحديد بالنسبة لبرودون هو قبول الأشخاص في مجرى التقدم.
وبعد الفلسفة يأتي التاريخ. وليس التاريخ الوضعي أو التاريخ الديالكتيكي بل هو التاريخ المقارن. يقدم برودون برهانا عن عامل مطبعة في الزمن الحديث وعامل مطبعة في القرون الوسطى، وبين رجل العلم الحديث ورجل العلم في القرون الوسطى، وهو يرجح الميزان لكفة هؤلاء الذين يخلصون قليلا أو كثيرا لتقسيم العمل كما كان مفهوم في القرون الوسطى. إنه يقارن تقسيم العمل في زمن تاريخي معين بتقسيم العمل لزمن تاريخي آخر. أكان هذا ما أراد برودون أن يبرهن عليه ؟ كلا. كان يجب أن يرينا سيئات العمل عامة وسيئات تقسيم العمل كلائحة. وعلاوة على ذلك لماذا نعلق كثيرا على برودون، طالما أننا بعد قليل سنراه يقوم ضد هذه التطورات ؟
يتابع برودون ويقول : إن أول تأثير للعمل الجزئي بعد تحطيم الروح هو تطويل نقط التحول التي تكون في نسب معاكسة لحاصل مجموع الذكاء ... ولكن بما أن طول مدة نقط التحول لا يمكن أن تزيد على 16 إلى 18 ساعة في اليوم – وفي الوقت الذي لا يمكننا أن نأخذ مكافأة من الوقت فإننا نأخذها من السعر فتهبط الأجور. والمؤكد – وهو الشيء الوحيد الذي يجب ملاحظته – أن الضمير العالمي لا يتحدد بنفس النسبة التي نحدد فيها عمل رئيس الورشة وعمل مساعد ميكانيكي. فمن الضروري إذن أن ننقص يوم العمل حتى لا يتأثر العامل – بعد أن يكون قد تأثر بروحه لهذا العمل التأخيري – من الضربة التي أصابت جسده من جراء اضعاف مكافأته ». (المجلد 1، صفحة 97-98).
نحن نمر مرور الكرام على القيمة المنطقية لهذا الاستقرار، هذا الاستقرار الذي يدرسونه كان استقرارا كاذبا يقود للضلال.
وهذا هو صلب وماهية هذا الاستقرار :
إن تقسيم العمل يحقر العامل إلى درجة متأخرة، وبهذه الدرجة المتأخرة تتعلق روح تعيسة، والروح التعيسة بنقصان مستمر لهبوط الأجور ولكي يبرهن أن هذا التنقيص مؤلم لروح تعيسة يقول برودون – وهو يحاول أن يخفف ألم ضميره – هذا هو ما يريد الضمير العالمي. وهل نقدر أن نعد روح برودون في عداد الضمير العالمي؟
إن الاعتماد على الآلة هو بالنسبة لبرودون « تعاكس الفكرة Antithesis المنطقي لتقسيم العمل » وبمساعدة ديالكتيكية يبتدئ بتحويل استعمال الآلة إلى المعمل.
وبعد أن يكون قد افترض مسبقا المصنع الحديث – حتى يجعل الفقر نتيجة تقسيم العمل – يفترض برودون مسبقا أن تقسيم العمل أوجد الفقر، ولكي يأتي إلى المصنع ويكون قادرا أن يمثله ويقدمه كديالكتيك النفي لذلك الفقر. وبعد أن يقضي على العامل أخلاقيا بعملية التأخير والتنقيص التي قام بها، وبعد أن يقضي عليه جسديا بواسطة قلة الأجور، وبعد أن يضع العامل تحت رحمة رئيس العمل، وبعد أن يخفض من قيمة عمله حتى يقارنه بعمل مساعد ميكانيكي، نراه يلقي اللوم مرة أخرى على المصنع وعلى استعمال الآلة لأنها كانت سبب تأخر العامل « لأنها أصبحت سيدا له »، ويكمل تنقيصه وتحقيره إذ يجعل العامل يسقط من درجة عامل إلى درجة عامل بسيط ». يا له من ديالكتيك ممتاز ! ولو كان قد توقف هنا ! لكن كلا، كان عليه أن يوجد تاريخا جديدا لتقسيم العمل، وليس عليه أن يستنبط المتناقضات منه، بل أن يبني المصنع بالنسبة لذوقه. وليصل لهذا الهدف يجد نفسه مجبرا أن ينسى كل ما قاله عن تقسيم العمل.
ينظم العمل ويقسم بطرق مختلفة بناء على العوامل التي تقوم عليها، إن طاحونة اليد تفترض مسبقا تقسيم عمل مختلف عن تقسيم العمل لطاحونة بخارية. وهكذا فهو يصنع التاريخ بهذا الوجه لأنه يريده أن يبتدئ بتقسيم العمل عامة حتى يحصل على آلة خاصة للإنتاج، أي الآلة.
إن استعمال الآلة لم يعد لائحة اقتصادية أكثر مما هي محراث يسحب سكة الفلاحة. إن الآلة هي قوة إنتاجية. والمصنع الحديث – إذ يعتمد على استعمال الآلة – يكون علاقة اقتصادية، ولائحة اقتصادية.
ولننظر كيف تحدث الأشياء في خيال برودون.
« نجد في المجتمع أن المظهر الدائم للآلة هو الفكرة العكسية Antithesis أي القاعدة المعكوسة لتقسيم العمل، إنها احتجاج العبقرية الصناعة على العمل الجزئي. وما هي الآلة؟ إنها طريقة لتوحيد عدة أجزاء من العمل تفرقت من جراء تقسيم العمل. ويمكن تحديد كل آلة كأنها خلاصة لعمليات عديدة... وهكذا بواسطة الآلة يمكن إعادة سيطرة العمل ... واستعمال الآلة – الذي هو في الاقتصاد السياسي مناقض لتقسيم العمل – يمثل نتيجة الفكرة Synthesis والتي يجدها في العقل الإنساني معاكسة للتحليل. لقد فرق التقسيم اقتسام العمل المختلفة وترك كل قسم أن يكرس ذاته للتخصيص الذي يناسبه أكثر من غيره، فالمصنع يجمع العمال وفقا لعلاقة كل جزء بالكل ... إنه يدخل مبدأ السلطة في العمل... ولكن ليس هذا كل ما في الأمر : فالآلة أو المصنع – بعد أن يحقر أو يؤخر العامل لأنه أوجد سيدا له (الآلة) – يكمل تحقيره إذ يجعله يهبط من درجة عامل مهني إلى درجة عامل بسيط ... والفترة التي نمر بها الآن – فترة استعمال آلة – تمتاز بصفة خاصة هي العامل الذي يتقاضى أجرة. إن عامل الأجرة نتيجة لتقسيم العمل واللتبادل » (المجلد 1، صفحة 135، 136، 161).
ولنقدم ملاحظة بسيطة لبرودون. إن تفريق أقسام العمل المختلفة – تاركا كل قسم نوع اختصاصه الذي يناسبه – يعد تفرقة يضع لها برودون تاريخا يعود إلى بداية العالم – ويوجد هذا التفريق اليوم في الصناعة الحديثة في ظل نظام المنافسة.
يستمر برودون ليعطي « تسلسا مهما » ليظهر كيف أن المصنع قام من جراء تقسيم العمل وأن عامل الأجرة قام من جراء وجود المصنع.
1- إنه يفترض رجلا « لاحظ أنه إذا قسم الإنتاج إلى أقسام مختلفة وجعل عاملا يقوم بكل قسم على حدة » فإن قوى الانتاج تتضاعف.
2- هذا الرجل « وهو ماسك بخيط الفكرة يخبر نفسه أنه عندما يشكل جماعة دائمة من العمال يختارهم لهدف خاص يحصل على انتاج أحسن ».
3- يقدم هذا الرجل اقتراحا أو عرضا للرجال الآخرين ليجعلهم أن يعقلوا فكرته وخيط فكرته.
4- هذا الرجل، عند بدء الصناعة، يطبق شروط المساواة مع رفاقه الذين يصبحون بعدئذ عماله.
5- كل واحد يتحقق، بالواقع، أن هذه المساواة الأصلية يجب أن تختفي بسرعة وفقا لمركز السيد واعتمادا عامل الأجرة عليه.
هذا هو مثال طريقة التاريخ الوضعي.
ودعنا الآن نفحص – من الناحية التاريخية والاقتصادية – إن كان المصنع أو الآلة قد أدخلت مبدأ السلطة في المجتمع نتيجة لتقسيم العمل، فيما إذا عوضت للعامل من جهة بينما اخضعته للسلطة من جهة ثانية، وفيما إذا كانت الآلة عبارة عن إعادة تشكيل تقسيم العمل.
إن المجتمع كله يمثل المصنع بداخله وله أيضا تقسيم العمل. وإذا أخذ شخص تقسيم العمل في معمل ما حتى يطبقه على المجتمع كله، نجد أن المجتمع الذي ينظم جيدا لانتاج الثروة يجب أن يكون له رئيس، مستخدم واحد. ويوزع هذا الرئيس الواجبات على أعضاء الجماعة العديدين بناء على قاعدة ثابتة ولكن ليست هذه هي الحالة. بينما نجد داخل المصنع الحديث أن تقسيم العمل ينظم برداءة بواسطة المستخدم، نجد أن المجتمع الحديث لا يملك قاعدة أخرى ولا سلطة أخرى لأجل توزيع العمل إلا المنافسة الحرة.
كان تقسيم العمل في النظام البطريكي وفي نظام المذاهب وفي النظام الاقطاعي والنظام التضامني موجودا في المجتمع كله وفقا لقواعد ثابتة. هل هو المشروع الذي وضع هذه القواعد؟ كلا. لقد انبثقت في الأصل عن أحوال الانتاج المادي، وأصبحت قوانين بعد ذلك. ونجد بهذه الطريقة أن أشكال تقسيم العمل المختلفة أصبحت قواعد كثيرة للتنظيم الاجتماعي. وبما يتعلق بتقسيم العمل في المعمل فإن تطورة ونموه كان قليلا كما كان في المجتمع.
ونقدر أن نقول كقاعدة عامة أنه كلما قلت السلطة القائمة على تقسيم العمل داخل المجتمع كلما زاد نمو تقسيم العمل في المعمل، وكلما خضع العمال في المعمل لسلطة شخص واحد. وهكذا نجد السلطة في المعمل والسلطة في المجتمع – بالنسبة لتقسيم العمل – بنسبة معاكسة لبعضها.
والسؤال الذي يطرح الآن ! ما هو هذا المصنع الذي تجد فيه الأعمال متفرقة عن بعضها، وتجد عمل كل عامل مصغرا لعملية بسيطة، وتجد السلطة ورأس المال يجتمعان ليوجها ويقودا العمل، وكيف وجد هذا العمل ؟ وحتى نجيب على هذا السؤال علينا أن نفحص كيفية نمو الصناعة المنتجة، وإني لا أتكلم هنا عن تلك الصناعة التي لا نسميها صناعة حديثة بآلاتها، ولا نسميها صناعة مهنيي القرون الوسطى ولا نسيمها صناعة وطنية. وسوف لن نتطرق لذكر تفاصيل عديدة : بل سنقدم عدة نقط رئيسية لنظهر أن التاريخ لا يضيع بالقواعد والمعادلات.
إن الشروط الرئيسية لتشكيل الصناعة المنتجة كانت : تجمع رأس المال واكتشاف أمريكا واستيراد معادنها الثمينة، هو الذي سهل تجمع رأس المال.
لقد برهن أن زيادة وسائل التبادل أدت إلى تخفيض الأجور وتخفيض ريع الأرض. هذا من جهة، ومن جهة ثانية أدت إلى نمو الأرباح الصناعية. وبشكل آخر : أدت إلى الحد الذي غرقت إليه الطبقة الحاكمة وطبقة العمال، السيد الاقطاعي والشعب الفقير، لقد أدى هذا التناقض إلى قيام الرأسمالي « البورجوازي ».
كانت توجد ظروف أخرى ساعدت على نمو الصناعة المنتجة : إن زيادة السلع الموضوعة للتداول من اللحظة التي اخترقت فيها التجارة الهند الشرقية عن طريق رأس الرجاء الصالح، أدت إلى طرق باب الاستعمار وإلى نمو التجارة البحرية.
وهناك نقطة أخرى لم تبرهن بكفاية لدى دراستنا لتاريخ الصناعة المنتجة وهي تحطيم اتباع وضحايا الأسياد الاقطاعيين الذين أصبحوا متجولين فقراء قبل أن يدخلوا المعمل. إن خلق المعمل سبقته بطالة وفقر شديد في القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر.
وقد وجد المعمل مساعدا قويا في الفلاحين العديدين الذين كانوا يطردون باستمرار من القرى وسبب هذا الطرد كان من جراء تحويل الحقول إلى مراع ومن جراء التقدم في الزراعة التي أصبحت تحتاج لعمال قليلين لفلاحة الأرض، لقد تجمهر هؤلاء الفلاحون في المدن أثناء القرن كله.
فنمو السوق وتجمع رأس المال وتكييف الوضع الاجتماعي للطبقات، ولوجود عدد كبير من الأشخاص مجردين عن دخلهم، هذه كلها هي الأحوال التاريخية التي أدت لتشكيل الصناعة. ولم تكن الأسباب، كما يقول برودون، عبارة عن اتفاقات ودية بين أفراد متساوين أدت إلى جذب الناس للمعمل. ولم يكن السبب الذي أدى لخلق الصناعة نائما في صدور النقابات القديمة، لقد كان التاجر الذي أصبح رئيس المصنع الحديث، ولم يكن رئيس النقابة القديمة هو الذي أصبح رئيس المصنع. وتقريبا في كل مكان كنا نجد صراعا هائلا بين الصناعة وبين أرباب المهن.
إن تجمع وحصر الوسائل والعمال سبق نمو تقسيم العمل داخل المصنع. وكانت الصناعة عبارة عن تجمع كثير من العمال وكثير من المهنيين في مكان واحد وفي غرفة واحدة ليكونوا تحت أمر الرأسمالي أكثر مما كانت نتيجة العمل وتقسيمه أو لتعرض عامل مختص لعمل بسيط جدا.
وكانت منفعة المعمل لا تقوم إلا قليلا على تقسيم العمل ولم تقم على أن المعمل كان على نطاق واسع أو أن المصاريف غير الضرورية يجب أن توفر الخ.. وفي نهاية القرن السادس عشر وفي بداية القرن السابع عشر : كنا نجد الصناعة الهولندية لا تعرف شيئا عن تقسيم العمل.
إن نمو تقسيم العمل يفترض تجميع العمال في المصنع. ولم يكن هناك برهان واحد – في القرن السادس عشر والسابع عشر – يدلنا على وجود فروع مختلفة لمهنة عمل واحد أو أن الصناعة كانت تحتاج لتجميع عدد من العمال ليختصوا في عمال ما، ليقوموا بالعمل. ولكن حالما وُجد الناس ووُجدت الآلام معهم نجد عندئذ أن تقسيم العمل – كالتقسيم الذي كان موجودا بشكل نقابات – كان نتيجة لوجود الناس والآلات بجانبهم، وعكست هذه النتيجة تقسيم العمل داخل المعمل.
ولنقل لبرودون الذي يرى الأشياء عاليها سافلها – إن كان يراها – أن تقسيم العمل – بنظر آدم سميث – يسبق المعمل الذي هو شرط لوجوده.
واستعمال الآلة – كما ندعوها – تعود لأواخر القرن الثامن عشر ولا تعد شيئا أكثر حقا من أن نرى أن الآلة، الفكرة المعاكسة Antithesis، لتقسيم العمل، ونتيجة الفكرة Synthesis تعيد وحدة تقسيم العمل.
إن الآلة هي توحيد وسائل العمل، وهي أيضا توحيد عدة عمليات للعامل نفسه « وعندما، لدى تقسيم العمل، تكون كل عملية خاصة مبسطة وسهلة لاستعمال أداة واحدة، فإن اتحاد هذه الأدوات لكل عملية خاصة، وعندما نضعها لتقوم بحركة واحدة في الجرك، هذا العمل يشكل مفهوم – الآلة ». إن الأدوات البسيطة وتجميع الأدوات البسيطة، والأداة المركبة، لدى وضع هذه الأدوات لتحريك الأداة المركبة بيد واحدة بواسطة الرجل، ولدى تحريك هذه الأدوات بالقوى الطبيعية بالآلات، وطريقة الآلات التي لها محرك واحد، وطريقة الآلات التي لها محرك أوماتيكي – هذا هو تقدم الآلة.
إن تجمع وسائل الانتاج وتقسيم العمل وعدم تفريقهما عن بعضهما يشبه في الحقل السياسي، تجمع السلطة العامة وتقسيم المصالح الفردية. فانكلترا – وهي بحالة تجمع الأرض، والأرض هي أداة العمل الزراعي – كان لها في نفس الوقت تقسيم الوقت للعمل الزراعي وتطبيق الآلة لاستثمار التربة. وفرنسا التي كانت معروفة بتقسيم الوسائل أي طريقة الممتلكات – لم يكن لها لا تقسيم عمل زراعي ولا تطبيق الآلة لاستثمار التربة.
إن تجمع وسائل العمل بالنسبة لبرودون هو نفي تقسيم العمل. وفي الواقع نجد العكس. وبما أن تجمع الوسائل ينمو فإن التقسيم ينمو أيضا، والعكس بالعكس. وهذا هو السبب أن كل كل اختراع ميكانيكي كبير يتبعه تقسيم عمل أكبر، وكل زيادة في تقسيم العمل يخلق بدوره اختراعات ميكانيكية جديدة.
لا نريد أن نذكر أن التقدم العظيم لتقسيم العمل ابتدأ في انكلترا بعد اختراع الآلة. وهكذا فالحياكيون والغزالون كانوا بأكثريتهم فلاحين مثل الفلاحين والحياكين الذين لا نزال نجدهم في الدول المتخلفة. إن اختراع الآلة سبب تفريق الصناعة المنتجة عن الصناعة الزراعية. لقد مزقت الآلة بين النساج والغزّال وقد كانوا متسلسلين من نفس العائلة أي من نفس نوع العمل. وشكرا للآلة، فالغزال أصبح يعيش في انكلترا بينما النساج أصبح يعيش في جزر الهند الشرقية – وقبل اختراع الآلة كانت صناعة بلاد تقوم بالدرجة الأولى على المواد الأولية التي كانت من منتوجات ترابها : ففي انكترا – الصوف، وفي ألمانيا – الغزل، وفي فرنسا – الحرير، وفي جزر الهند الشرقية وفي الشرق – القطن الخ.. وشكرا لادخال الآلة والبخار لأن تقسيم العمل أصبح قادرا أن يخلق هذه المقاييس التي تعتمد عليها الصناعة ذات الانتاج الضخم في السوق العالمي وفي التبادل العالمي – في تقسيم العمل العالمي. وباختصار – نقول أن الآلة لها تأثير كبير على تقسيم العمل لأنه لدى صناعة شيء ما نقدر أن نجد وسيلة لتنتج أقسامه ميكانيكيا : والشيء المصنوع ينقسم إلى عملين مستقلين عن بعضهما.
وهل نحتاج أن نتكلم عن الهدف الإنساني والهدف الإلهي الذي يكتشفه برودون في اكتشاف واستعمال أول آلة؟
عندما نما السوق في انكلترا نموا كبيرا حتى أن الصناعة اليدوية لم يعد لها مكان، نجد أن الحاجة للآلة أصبحت مهمة. وبعدئذ أتت فكرة تطبيق العلم الميكانيكي الذي ابتدأ ينمو في القرن الثامن عشر.
لقد ابتدأ المعمل الأوتوماتيكي عمله ببعض الأعمال الصغيرة التي كانت تحسب أعمالا إنسانية. لقد كان الأولاد يعملون تحت ضربات السوط، وجعل الأولاد مسألة مصلحة حتى أن المعامل أخذت تفتش عن الأيتام لتشغيلهم. وكانت كل القوانين المطبقة على تعليم المهن قد أعيدت لأنه – لنستعمل جملة برودون – لم يعد أحد بحاجة للعمال كنتيجة للفكرة Synthesis. وأخيرا من سنة 1825 أو ما بعدها كانت تقريبا كل الاختراعات الجديدة نتيحة لاصطدامات بين العامل ورب العمل، لأنه رب العمل كان يحاول مهما كلفه الأمر أن ينقص ويحقر مقدرة الاختصاص عند العامل، وبعد كل اضراب مهما كانت أهميته كانت تظهر آلة جديدة، وقليلا ما كان العامل يرى في الآلة نوعا من استعاضة عمله لكنه في القرن الثامن عشر وقف موقفا لسلطة الآلة.
يقول الدكتور أور « لقد اخترع هوايت الآلة التي تدور ... (وأصابع الغزل اخترعها اركرايت)... ولم تكن الصعوبة الوحيدة في اختراع الآلة لذاتها ... بل الصعوبة في تثقيف الناس ليستلموا عادات العمل غير المنظمة وأن تجعلهم يخضعون أنفسهم لنظام الآلة المتغير. ولوضع شريعة ناجحة لنظام المعمل (تناسب حاجيات ومتطلبات آداب المعمل) كان مشروع اركرايت ».
ونقول باختصار أن ادخال الآلة سبب نمو تقسيم العمل ضمن المجتمع، وسهل عمل العامل ضمن المعمل، وسبب تجمع رأس المال وسبب أيضا تقسيم الناس.
وعندما يريد برودون أن يكون اقتصاديا وأن يهمل لزمن ما « تطور الأفكار في فهم علاقة اللوائح » فإنه يتخذ أقواله من آدم سميث ولكي نشرح هذا جيدا علينا أن نقرأ هذه المقاطع من كتاب الدكتور أور ( كتابه « فلسفة الصناعيين » ).
« عندما كتب آدم سميث آراءه الإقتصادية الخالدة – وكانت الآلة الأوتوماتيكية تكاد أن تكون مجهولة – أعتـُبر تقسيم العمل المبدأ الأول لتحسين الصناعة وبرهن في مثاله عن صناعة الدبُّوس – كيف أن كل صاحب مهنة وهو قادر على أن يتمرن ليتخصص في نقطة واحدة يصبح عاملا أرخص وأسرع. ورأى في في كل فرع من فروع الصناعة أن بعض الأقسام – بناءاً على مثال صناعة الدبوس – سهلة مثل قطع دبابيس من الأسلاك بأطوال متناسبة وبعضها صعب مثل تشكيل وتثبيت الرؤوس (أي رؤوس الدبابيس) ! واستنتجَ أن لكل قسم من أقسام صناعة الدبوس يجب تعيين عامل ذي قيمة مناسبة، وهذه القيمة المناسبة تشكل جوهر تقسيم العمل.. ولكن الشيء الذي كان على أيام الدكتور سميث موضوعاً مهماً، لا يمكن أن يُعدَّ اليوم هاماً ؛ لكي لا نقود الشعب إلى الخطأ، ولكي لا يكون مبدءاً للصناعة. وفي الواقع أن التقسيم، أو بالأحرى تكييف العمل لذكاء الناس المختلف لا يفكر به المعمل. وعلى العكس عندما تحتاج عملية ما مهارة خاصة وثبات يد، فإن هذه العملية لا تطبق على العامل الماهر؛ لأن عملاً آخر لايناسبه يُعطى له، ويقوم بعمل ميكانيكي آخر يقوم به طفل صغير.
« إن مبدأ نهج المصنع هو – استبدال مهارة اليد بالعلم الميكانيكي – تفريق عملية لأقسامها  الضرورية، بالنسبة لتقسيم وإعطاء درجات العمل للعمال والمهنيين. ففي أيام الصناعة اليدوية كان الإنتاج يكلف كثيراً، ولكن بالطريقة الأوتوماتيكية (أي الآلة) نجد أن المهارة في العمل تتفوق ويستعاض عنها بأناس ينظرون إلى الآلات فقط ولا يعملون شيئاً بأيديهم. »
« ونرى أنه كلما كان العامل ماهراً، ورغم أنه قادر على أن يبدع في عمله، فإنه لن ينفع شيئاً طالما أن الآلة هي التي تقوم بالعمل عنه، ولذلك فهو يسبب خسارةً لكل المصنع إن عمل بمهارته. فالشيء المهم بالنسبة للصناعة الحديثة هو– إتحاد رأس المال والعلم – تخفيف مهارة العمال. »
« وبالنسبة لإيجاد درجات العمل نجد أن الرجل عليه أن يخدم في مهنته سنين عديدة قبل أن تصبح يده أو عينه ماهرة لكي تقوم بالعمل الآلي، ولكن لدى تقسيم العمل  إلى أعمال صغيرة جداً، أو لدى قيام الآلات بهذه الأعمال الصغيرة، نرى أنه لا يمكن تسليم هذه الآلة  لشخص معتدل في مهارته ويمكن مدير العمل استبداله متى شاء.أن هذا لا يتفق مع مبدأ تقسيم العمل في الماضي؛ إذ كان يوضع رجل لتهيئة رأس الدبوس وآخر لتنعيمه، هذا العمل البسيط المزعج طول الحياة... ولكن لدى تساوي العمال كلهم بوجود آلات تعمل بذاتها، فإن فن الشخص ومهارته يجب أن تخضع لتمرين خاص يناسب عمل الآلة.. وبما أن العمل هو الوقوف على آلة منظمة بذاتها فإنه يقدر أن يستلم عمله بمدة قصيرة، وعندئذ ينتقل من العمل على آلة للعمل على آلة أخرى، فإنه يبدل عمله ويوسع آراءه لأنه يفكر بهذه الأقسام المختلفة تنتج عن عمله وعمل رفاقه العمال. إذاً لنتخلص من النظرة الضيقة التي وصفت بها تقسيم العمل أنها تضيق أقف العامل،إن هذه النظرة الضيقة لا توجد بعد في حالة التوزيع العادل للصناعة... »
« إن هدف تحسين كل صناعة حتى تتفوق على العمل البشري، أو لكي تنقص من قيمته ولكي يستعيض تحسين الصناعة بعمل الرجال عن عمل النساء والأولاد أو بالأستغناء عن عمل المهنيين... وهذا الميل الذي يهدف لخلق أولاد بعيون يقظة، وبأصابع ماهرة عوضاً عن عمال مياومة ولهم إختبارات كبيرة يظهر لنا كيف أن الصناعيين المتنورين لم يطبقوا نظرية تقسيم العمل بالنسبة لدرجات المهارة ».
يقول لومتني « إننا نُعجب ونُدهش عندما نرى بين الأقدمين شخصاً يميزه عن غيره بأنه فيلسوف، وشاعر، وخطيب، ومؤرخ، وكاهن، وإداري وقائد جيش من الدرجة الأولى. إن أرواحنا تتألم لمثل هذا الحكم. وكل واحد منا يحصر نفسه في دائرة صغيرة، ويطلق النار على نفسه، ولا أدري إن كان هذا العمل يوسع العلم أو ينقصه ».
والصفة التي نطلقها على تقسيم العمل في المصنع الأوتوماتيكي هي أن العمل هناك فقد صفته في الإختصاص. ولكن عندما يقف كل نمو خاص فالحاجة للتعليم والميل لوجود نمو جديد للفردية يقود الثورة. إن المصنع الأوتوماتيكي يقضي على الإختصاصيين والمهنيين المجانين.
إن برودون – وهو لم يفهم هذه الناحية الثورية في المصنع الأوتوماتيكي – يأخذ خطوة للوراء ويقترح على العامل أنه لا يقوم فقط بالقسم الثاني عشر من صناعة الدبوس، لكنه يجب أن يعمل كل الأقسام الثانية عشرة. والعامل عندئذ يصل إلى فهم وإدراك صناعة الدبوس. وهذه هي نتيجة فكرة برودون – ولا أحد يعارض أنه لدى القيام بحركة للأمام وحركة للوراء، يعني القيام بحركة نتيجة فكرة.
ولنقل خلاصة، نقول أن برودون لم يكن إلا بورجوازياً صغيراً مثاليا. ولكي يحقق مثاليته ما كان يفكر إلا أن يرجعنا إلى العامل اليومي، وإلى المهنيين الإختصاصيين في القرون الوسطى. هذا ما يقوله في مكان ما في كتابه أنه يكفي أن يخلق  عملاً عظيما مرة في الحياة، وأنه يشعر أنه كان رجلا ولو مرة واحدة ! ليس هذا العمل العظيم هو الشيء الذي كانت تطلبه النقابات التجاريه في القرون الوسطى.

   




Dont let the system get you down

أنت غير مسجل لدينا.. يمكنك التسجيل الآن.

مشاركة : 8


عاشق الزنج والقرامطة

جامعـي مبـدعـ





مسجل منذ: 19-08-2009
عدد المشاركات: 319
تقييمات العضو: 0
المتابعون: 19

غير موجود
اشــترك بالتحديثات
رسالة مستعجلة

رد مشاركة : بؤوس الفلسفة

27-12-2009 05:57 PM




تسجيل متاابعة للموضوع
وشكرا عالمجهود  وكتاب بؤس الفلسفة يعتبر اللبنة الأساسية يلي تطورت بعدين بكتااب رأس المال
دمتي بخير




ما همني وسع العالم.....مادام حذائي ضيق

أنت غير مسجل لدينا.. يمكنك التسجيل الآن.

مشاركة : 9


شو عدا ما بدا

جامعـي مشــارك




مسجل منذ: 28-11-2009
عدد المشاركات: 68
تقييمات العضو: 0
المتابعون: 18

غير موجود
اشــترك بالتحديثات
رسالة مستعجلة

ميتافيزيك الاقتصاد السياسي

28-12-2009 02:48 PM





المنافسة والاحتكار:
الناحية الصالحة للمنافسة: « المنافسة ضرورية للعمل، كتقسيم العمل، وضروريه لتقدم المساواة ».
الناحية الشريرة للمنافسة: « المبدأ هو نفي ذاته. ونتيجته الكبرى هي أنها تسبب خراب كل من يجري ورائه ».
الإنعكاس العام: « إن المساوىء التي تظهر عند بدء المنافسة كالناحيه الصالحة... وكلا الحالتين (الصالحة والشريرة) تصدر عن نفس المبدأ ».
الموضوع الذي يجب حله: « لكي نطبق مبدأ التناسب يجب أن نقتبسه عن قانون أعلى من الحرية ذاتها ».
« لا يمكن أن نوجد سؤالا ليهدم المنافسة، وهذا شيء مستحيل، إذ لا يمكن تهديم النافسة كما لا يمكن تهديم الحرية، علينا فقط أن نوجد تساوياً ».
 
يبتديء برودون ويدافع عن الضرورة الأبدية للمنافسة ضد هؤلاء الذين يريدون أن يستعيضوا عنها بالتناحر(وهؤلاء هم أتباع فورييه).
لا توجد « منافسة لا هدف لها ». وربما أن موضوع كل شعور وميل يشبه الشعور نفسه، مثلاً – امرأة بالنسبة للحب، القوة بالنسبة للطموح، الذهب بالنسبة للرجل الذي ينكر نفسه ويتعلق بشهواته ولذاته، والكيل الزهر بالنسبة للشاعر – إن موضوع التناحر الصناعي يعني بالضرورة الربح، والتناحر ليس إلا المنافسة ذاتها ». المجلد 1، صفحة 187.
إن المنافسة هي التناحر بالنسبة للربح. وهل التناحر الصناعي بالضروره تناحر بالنسبة للربح، أي المنافسة ؟ يبرهن برودون هذا القول لدى تأكيده. ونحن رأينا بالنسبة له أن التثبيت في القول هو البرهان، كما أن الإفتراض هو النكران.
إن كانت المرأة موضوع أو هدف المحب، فإن الإنتاج وليس الربح هو هدف التناحر الصناعي.
ليست المنافسة تناحرا صناعيا، إنها تناحر تجاري. ويوجد في وقتنا تناحر صناعي فقط في نظر التجارة. وتوجد أوقات في التاريخ الإقتصادي للأمم نجد كلاً يحاول أن يربح دون أن ينتج. إن هذه المحاولة لأجل الربح إذ تحدث في أوقات معينة، تحمل في ثناياها شخصية المنافسة، هذه المنافسة التي تحاول أن تتهرب من حاجة التناحر الإقتصادي.
لو أخبرت مهنياً في القرن الرابع عشر أن الإمتيازات، وأن التنظيم الإقطاعي الصناعي سيقضى عليهما، وسيستعاض عنهما بالتناحر الصناعي، الذي يدعى المنافسه، لأجابك أن إمتيازات الإتحادات التجارية العديدة والنقابات والجمعيات الأخوية، كانت عبارة عن منافسة منظمة. يبرهن برودون أنه يحسن هذا القول عندما يثبت أن التناحر ليس إلا المنافسة ذاتها.
« صدر مرسوم في كانون الثاني سنة 1847 يؤكد أنه سيضمن العمل والأجور للجميع، وحالاً بعد هذا سيتبع ركود هائل للصناعة » (المجلد 1، صفحة 189).
وعوض الإفتراض والنفي، حصل عندنا مرسوم وهو أن برودون سيبرهن عن ضرورة المنافسة، وخلودها كلائحة، إلخ.
إننا لن نخفف شيئاً من المصيبة إذا اعتقدنا أن المراسيم هي كل ما نحتاجه لكي نقضي علة المنافسة. وإذا كنا نتخيل كثيراً، ونقترح أن نقضي على المنافسة بينما نضيف على الأجور، فنكون كأننا نقترح لا شيء لدى استعمال مرسوم ملكي. لكن الأمم لا تقوم على المراسيم الملكية. وقبل تهيئة هذه المراسيم، يجب أن تكون قد حوت وتضمنت من عاليها لسافلها شروط وجودها الصناعي والسياسي، وبالنتيجة يجب أن تبدل كيانها الملكي.
يجيب برودون – بتأكيده الثابت – إن هذه ليست إلا فرضية « تحويل طبيعتنا دون مقدمات تاريخية »، وأنه محق « عندما يبعدنا ويجردنا عن النقاش »؛ لأننا لا نعرف شيئا عن المراسيم.
لا يعرف برودون أن التاريخ كله ليس إلا تحويلاً مستمراً للطبيعة البشرية.
« دعنا نتعلق بالواقع. قامت الثورة الفرنسية لأجل الحرية الصناعية، كما أنها قامت لأجل الحرية السياسية، رغم أن فرنسا سنة 1789، لم تدرك – لنقل هذه الكلمة بصراحة – كل نتائج البدأ الذي طلبت تطبيقه. ولن أنازع أبدا من يقوم ضدي ويقول أن مبدأ 25 مليوناًً من الناس كان مبدأ خاطئاً... لماذا إذن المنافسة مبدأ للإقتصاد الإجتماعي مرسوما للمصير، وحاجة للروح البشرية، لماذا عوضاً أن نقضي على الإعتمادات الكبرى والنقابات والأخويات، لماذا لا يفكر كل واحد أن يصلح الجميع ؟ (المجلد 1، صفحة 191-192).
وهكذا، بما أن فرنسا القرن الثامن عشر قضت على الأتحادات الكبرى، والنقابات والأخويات عوضاً عن إصلاحها وتكييفها، فإن فرنسا القرن التاسع عشر يجب أن تكيف المنافسة وتصلحها عوضاً عن القضاء عليها. وبما أن المنافسة تأسست في فرنسا، في القرن الثامن عشر كنتيجة للحاجات التاريخية ،فيجب أن لا تهدم هذه المنافسة في القرن التاسع عشر من جراء وجود حاجات تاريخية أخرى. إن برودون – وهو يعرف أن تأسيس المنافسة كان مرتبطاً بتطور الناس في القرن الثامن عشر– يجعل المنافسة ضرورة للروح البشرية في Partilus infidelium (أرض ناكري الجميل) وماذا كان يريد أن يصنع بكولبرت القرن السابع عشر العظيم ؟
إن مشاريع وأعمال الدولة الحاضرة تأتي بعد الثورة. ويستنتج برودون وقائع منها ليظهر خلود المنافسة، ببرهانه إن كل الصناعات هي في حالة انحطاط وتقهقر.
ولنقل أنه توجد صناعات لم تصل بعد درجة المنافسة، وأن بعض الصناعات لا تزال تحت مستوى الإنتاج البورجوازي. إن هذا القول ليس إلا مقدرا لا يقدم لنا ولو برهانا صغيراً على خلود المنافسة.
إن منطق برودون يقود إلى هذا: المنافسة هي علاقة إجتماعية نطور بها قوانا الإنتاجية. إنه لا يعطي لهذا الحق نمواً وتطوراً منطقياً، بل يعطي اشكالاً – غالبا تكون نامية ومتطورة – عندما يقول أن المنافسة هي احتكار صناعي وهي حرية العصر الحاضر، وهي مسؤولية في العمل، وهي تشكل القيمة، وشرط من شروط تقدم المساواة ومبدأالإقتصاد الإجتماعي، ومرسوم يقرر المصير، وضرورة للروح اليشرية، وإلهام العدل الأبدي، والحرية في التقسيم والتقسيم في الحرية، وهي لائحة إقتصادية.
« إن المنافسة والتجمع لا تساند الواحدة الأخرى، وليستا مفترقتين، وكل من يتكلم عن المنافسة يفترض حالا هدفاً عامَاً. فالمنافسة إذن ليست أنانية. وخطيئة الإشتراكية الكبرى هي افتراضها أن المنافسة تهدم الجميع ». (المجلد 1، صفحة 223).
كل واحد يتكلم عن المنافسة يقصد هدفا عاماً، وهذا يبرهن أن المنافسة هي التجمع، وأنها ليست أنانية. ومن يتكلم عن الأنانية،الا يقصد هدفا عاماً ؟ إن كل أنانية تعمل في المجتمع وبواقع المجتمع. وهي تفترض مسبقاً المجتمع؛ أي تفترض أهدافاً عامة، وحاجات عامة، ووسائل إنتاج عامة إلخ... ألا يكون عندئذ أن المنافسة والتجمع – الذي يتكلم عنه الإشتراكيون – غير مفترقين.
يعرف الإشتراكيون جيدا أن مجتمع الوقت الحاضرمبني على المنافسة. فكيف يقدرون اتهام المنافسة أنها تهدد المجتمع الحاضر، بينما يعمل الإثنان على تهديم يعضهما ؟ وكيف يقدرون أن يتهموا المنافسة أنها تهدم المجتمع الذي سيأتي ؟ إذ يرون في هذا المستقبل  – على العكس – أنه يهدد المنافسة.
يقول برودون أن المنافسة معاكسة للإحتكار، وهكذا لا تكون ضد المجتمع.
كانت الإقطاعية – من أصلها – مناقضة للملكية البطريركية، وهكذا لم تكن تناقض المنافسة التي لم تكن موجودة بعد. فهل من هذا أن النافسة لا تناقض الإقطاعية ؟
في الواقع أن المجتمع – والتجمع – هما مخارج تمثل كل مجتمع آخر، تمثل المجتمع الإقطاعي، كما تمثل المجتمع البورجوازي الذي هو تجمع قائم على المنافسة. فكيف يمكن أن يكون هناك إشتراكيون – فقط بوجود كلمة تجمع – يعتقدون أنهم يقدرون أن يدحضوا المنافسة ؟ وكيف يقدر برودون نفسه أن يدافع عن المنافسة الإشتراكيين، إذ يصف المنافسة بكلمة تجمع ؟
إن كل ما قلناه يشكل الناحية الجميلة للمنافسة، كما يراها برودون. فكيف ننتقل إلى الناحية الشريرة – الناحية السلبية – للمنافسة، ولمساوئها ولناحيتها الهدامة، ولصفاتها المؤذية ؟
إن الصورة التي يراها برودون هي صورة قاتمة.
إن المنافسة تخلق التعاسة والشقاء، وتسبب الحرب المدنية، إنها« تغيرالمناطق والطبيعة »، وتمذج القوميات، إنها تسبب المشاكل عند العائلات وتخرب الرأي العام، إنها « تقلب أفكار الحرية والمساواة » والأخلاق وتهدم التجارة الحرة الشريفة ولا تقدم عوضا عنها قيمة ناتجة، وسعراً ثابتا وشريفا. إنها تخدع نظر كل شخص، حتى أنها تخدع الإقتصاديين. إنها تدفع الأشياء بعيدا حتى تهدم ذاتها.
إن برودون بعد كل ما يقول عنها من شر، أيمكن أن يكون هناك شيء أكثر ضررا وتخريبا من المنافسة على علاقات التجمع البورجوازي وعلى مبادئه وخيالاته ؟
يجب أن يلاحظ جيداً أن المنافسة تصبح دوماً المهدمة الكبرى لعلاقات البورجوازية؛ لأنها تشجع على خلق قوى إنتاجية جديدة؛ أي خلق أحوال مادية لتجمع جديد. وفي هذا المجال على الأقل، نجد أن الناحية السيئة للمنافسة لها نقاطها المفيدة.
« إن المنافسة كنقطة إقتصادية هي نتيجة ضرورية لنظرية نتقيص وتخفيض المصاريف العامة ». (المجلد الأول، صفحة 235).
إن دوران الدم يجب أن يكون بالنسبة لبرودون نتيجة لنظرية هارفي.
« الإحتكار هو النهاية المتوقعة للمنافسة، والمنافسة تخلق الإحتكار بنفي مستمر لذاتها، إن خلق هذا الإحتكار هو بحد ذاته تبرير له... إن الإحتكار هو التناقض الطبيعي للمنافسة، ولكن بما أن المنافسة ضرورية، فأنها تنطبق وتستعمل فكرة الإحتكار بما أن الإحتكار مقعد كل فردية منافسة ». (المجلد الأول، صفحة 236-237).
نحن نفرح مع برودون إذ يقدر ولو مرة على الأقل أن قاعدته بخصوص الفكرة Thesis والفكرة المناقضة Antithesis وكل واحد يعرف أن الإحتكار الحديث يتكون يواسطة المنافسة ذاتها.
إن برودون يتمسك بصورة شعرية، إن المنافسة المصنوعة « من كل تقسيم صغير للعمل هي نوع من السلطة، إذ يتمسك بها كل فرد بقوته واستقلاله ». والإحتكار هو « مقعد كل فردية منافسة »، والسلطة تستحق هذا المقعد أكثر من غيرها.
إن برودون لا يتكلم عن شيء إلا عن الإحتكار الحديث الذي توجده المنافسة. ولكن كلنا يعلم أن المنافسة قد أوجدها الاحتكار الاقطاعي وهكذا فالمنافسة كانت في الأصل مناقضة للاحتكار وليس الاحتكار هو الذي كان مناقضا لها. وهكذا ليس الاحتكار الحديث فكرة بسيطة معاكسة، بل على العكس هو نتيجة الفكرة الحقة.
الفكرة: الاحتكار القطاعي قبل المنافسة.
الفكرة المعاكسة: المنافسة.
نتيجة الفكرة: إن الاحتكار الحديث هو نفي الاحتكار الاقطاعي طالما أنه يطبق قاعدة المنافسة ونفي المنافسة طالما أنه احتكار.
وهكذا فالاحتكار الحديث، الاحتكار البرجوازي هو احتكار نتيجة الفكرة أي نفي النفي أي اتحاد المتناقضات، إنه الاحتكار في الحالة المنطقية والطبيعية والصافية.
يناقض برودون فلسفته عندما يقلب الاحتكار البرجوازي إلى احتكار بدائي ومتناقض. إن السيد روسي الذي يعود إليه برودون مرات في موضوع الاحتكار – يظهر أنه يفهم أكثر نتيجة الفكرة للاحتكار البرجوازي –. وفي كتابه « بحث الاقتصاد السياسي » يميز بين الاحتكار الصناعي والاحتكار الطبيعي. ويقول إن الاحتكار الاقطاعي اصطناعي والاحتكار البرجوازي طبيعي منطقي.
إن الاحتكار شيء جيد – يحلل برودون – طالما أنه لائحة اقتصادية أو أنه انبثاق « عن الحقيقة الانسانية غير الشخصية ». والمنافسة مرة أخرى، شيء جيد طالما أنها أيضا لائحة اقتصادية. لكن الحقيقة هو أن المنافسة والاحتكار هما شيئان عاطلان. والأسوأ هو أن المنافسة والاحتكار يبتلعان بعضهما. فماذا يجب ان نفعل ؟ فتش عن نتيجة الفكرة لهاتين الفكرتين الخالدتين وانتزعهما من صدر الله إذ أنها بقيت هناك من زمان لا يحد.
لا نجد في الحياة الواقعية التناقض بين المنافسة والاحتكار بل نجد نتيجة تناقض الاثنين، وليس هذا التناقض قاعدة لكنه حركة، الاحتكار ينتج المنافسة، والمنافسة تنتج الاحتكار. الاحتكارات تصنعها المنافسة، والمنافسون يصبحون محتكرين، وإذا ضيق المحتكرون على منافستهم الودية بوسائل تجمعات جزئية، فإن المنافسة تزداد بين العمال، وكلما نمت جماعة البروليتاريا ضد الاحتكارات في أمة كلما رأينا أن المنافسة تصبح بائسة وضعيفة بين المحتكرين في أمم مختلفة. إن نتيجة الفكرة تقول إن الاحتكار يقدر أن يظهر ذاته فقط عندما يدخل في صراع مع المنافسة.
ولكي نسهل انتقال ديالكتيك للضرائب التي تأتي بعد الاحتكار، يكلمنا برودون عن العبقرية الاجتماعية التي تمشي وهي تتخبط لتصل زاوية الاحتكار، وتلقي ورائها نظرة بؤس وحزن وتهاجم بعد تفكير عميق كل المنتوجات إذ تفرض ضرائب وتخلق منظمة إدارية كاملة حتى تقدم كل الخدمات للبروليتاريا ولتدفع حقوق رجال الاحتكار. (المجلد الأول، صفحة 284-285).
وماذا نقدر أن نقول عن هذه العبقرية التي تسير بسرعة وتميل لليمين والشمال ؟ وماذا نقدر أن نقول عن هذا السير الذي لايهدف إلا للقضاء على البرجوازي بفرض الضرائب بينما الضرائب هي الوسائل الوحيدة الحقة التي تعطي البرجوازي لحظة من الوقت ليحتفظ بنفسه كطبقة حاكمة ؟
ومجرد إلقاء نظرة على الطريقة التي يصف بها برودون التفاصيل الاقتصادية يكفينا أن نقول – بالنسبة له – أن الضريبة على الاستهلاك تأسست بالنسبة للمساواة لكي تخفف الظلم الملقي على البروليتاريا.
لقد حققت الضريبة على الاستهلاك نموها الحقيقي منذ قيام البرجوازية وهي في يد الرأسمالي الصناعي، أي وهي كثروة اقتصادية تنتج وتزيد ذاتها باستغلال مباشر للعمل فإن الضريبة على الاستهلاك كانت وسيلة لاستغلال ثروة الأسياد الذين لم يفعلوا شيئا إلا الاستهلاك، ولقد حقق جيمس ستيوارت هذا الهدف الرئيسي للضريبة على الاستهلاك في كتابه « بحث مبادئ الاقتصاد السياسي » الذي نشره عشر سنوات قبل آدم سميث.
« في نظام الملكية المطلقة تجد الامير حسوداً من الثروة النامية وهكذا يضع الضرائب على الناس الذين تزداد ثروتهم. وفي نظام الحكومة المقيدة تحسب الضرائب على على هؤلاء الذين يصبحون فقراء بعد ان كانو اغنياء وهكذا فالملك المطلق يضع ضريبة على الصناعة وتوضع هذه الضرائب على نسبة أرباح كل شخص يفترض انه يربحها بمهنته وعمله. فالضريبة اذن تناسبية ال تصاعدية... أما في الحكومات المقيدة، نجد ان فرض الضريبة تكون عاى الاستهلاك ». (المجلد 22 صفحة 190-191).
وبالنسبة للنتيجة المنطقية للضرائب ولميزان اتجارة والرصيد، حسب مفهوم برودون – نلاحظ أن البرجوازي الانكليزي عندما حصل على دستوره أيام حكم وليام أورانج، خلق طريقة جديدة للضريبة – ضريبة الرصيد العام وطريقة الجمارك المانعة – حالما استطاع البرجوازي أن يحقق هذا الهدف.
تكفي هذه الخلاصة القصيرة أن نقدم للقارئ فكرة حقة، فيما يتعلق بالضريبة وميزان التجارة، وبالرصيد وبالشيوعية والسكان، ونحن نتحدى النقد لكي ندرس هذه الفصول برزانة


   




Dont let the system get you down

أنت غير مسجل لدينا.. يمكنك التسجيل الآن.

مشاركة : 10


شو عدا ما بدا

جامعـي مشــارك




مسجل منذ: 28-11-2009
عدد المشاركات: 68
تقييمات العضو: 0
المتابعون: 18

غير موجود
اشــترك بالتحديثات
رسالة مستعجلة

رد مشاركة : بؤوس الفلسفة

28-12-2009 02:54 PM




شكرا كتير لمتابعتك الموضوع
واكيد هو من الكتب المهمة لانو نقد ماركس لبرودون اظهر جانب كتير هام من فلسفة ماركس وارائه
شكرا لمرورك




Dont let the system get you down

أنت غير مسجل لدينا.. يمكنك التسجيل الآن.
صفحة 1 من 2  1 2->
 








ملتقى طلاب الجامعة... منتدى غير رسمي يهتم بطلاب جامعة دمشق وبهم يرتقي...
جميع الأفكار والآراء المطروحة في هذا الموقع تعبر عن كتّابها فقط مما يعفي الإدارة من أية مسؤولية
WwW.Jamaa.Net
MADE IN SYRIA - Developed By: ShababSy.com
أحد مشاريع Shabab Sy
الإتصال بنا - الصفحة الرئيسية - بداية الصفحة