سر عتمة الكون.. هل فكرت فيه من قبل؟
تمتلئ النجوم بآلاف من النجوم والتي لا يخفى على أحد بأنها أفران ضخمة تلتهب بغازات في درجات حرارة مرتفعة جداً.. وما نتيجة هذا الالتهاب؟ الضوء طبعاً, لذا من المنطقي أن يتساءل المرء أحياناً: بوجود كل هذه النجوم ما سر عتمة الكون؟؟!!
لا أقصد طبعاً العتمة على الكرة الأرضية في الليل, فالجواب هنا واضح وبسيط, ولكن السؤال: لو أننا رحالة نسبر أغوار الفضاء, لماذا نجد أنفسنا غارقين في عتمة حالكة رغم العدد الكبير من النجوم حولنا والتي تعتبر شمسنا الساطعة من ضمنها نجماً من الحجم المتوسط أو أقل!!
لقد أثير هذا السؤال - وقد دهشت لمعرفة هذا- منذ زمن بعيد جداً وتسابقت أبرز الأسماء في عالمي العلم والفلسفة للإجابة عليه وانحصرت إجاباتهم في ثلاثة تفسيرات ضمت تحت جناحيها عدة نظريات وحجج وكانت هذه التفسيرات:
أ- تفسير السماء المغطاة (( الضوء النجمي المفقود)).
ب- تفسير السماء غير المغطاة (( النجوم المفقودة )).
ت- تفسير شمس منتصف الليل. وهو الأقل حظاً من الآخرين في أتباعه ورواده.
وفيما يلي سأورد لكم بعض الحلول التي وضعت في هذا الصدد:
1- النجوم تختفي وراء بعضها في أرتال: (( التفسير ب))
صاحب هذا الحل هو فورنيه دالب عام 1907 الذي اقترح بأن النجوم تصطف وراء بعضها في أرتال طويلة مما يجعل كل نجم يخفي وراءه المئات من النجوم الأخرى فيحجب أشعتها وضوءها.
إن هذا الحل بعيد الاحتمال ويقال أن فورنيه دالب قد اقترحه على سبيل الدعابةمما يقودنا إلى حل آخر اقترحه دالب وهو أكثر منطقية من سابقه ألا وهو الانحجاب بنجوم عاتمة, فالفجوات المظلمة بين النجوم وفق دالب تمتلئ بنجوم عاتمة تحجب الضوء القادم مما يقع خلفها. طبعاً المعرفة الحديثة حول تركيب الفضاء وبنية الكون تستبعد هذا الحل أيضاً.
2- ضوء النجوم ضعيف جداً: (( التفسير أ))
اقترحه توماس ديغز في القرن السادس عشر إذ قال إن الأشعة الواردة من النجوم البعيدة ضعيفة جداً إلى درجة لا يمكن معها كشفها بواسطة العين. جاء في كتاب الوصف الكامل الذي نشره توماس ديغز في تنقيح كتاب والده ليونارد ديغز واسمه التكهن الأبدي: ( لن نكون قادرين تماماً على تقدير عظم بقية عالمنا خاصة ذلك الفلك المزدان بأضواء لا حصر لها, وبما أنها عالية جداً فإنها تبدو أقل فأقل إشعاعاً حتى المدى الذي لا يستطيع بصرنا الوصول إلى ما وراءه واستيعابه ويبقى الجزء الأعظم منها غير مرئي بسبب مسافته الهائلة). لقد كان ديغز أول من أدرك أن الفجوات المظلمة بين النجوم تستوجب التفسير.
3- جدران كونية مظلمة: (( التفسير ب))
اقترحه يوهانس كبلر الذي كان يعترض بشكل قاطع على فكرة الكون النجمي اللانهائي بحجة أنه كلما كان الكون المكتظ بالنجوم أكبر كانت تغطية النجوم للسماء أكثر وبالتالي فإن القبة السماوية ستكون متوهجة وساطعة. لهذا قال كبلر بأن السماء تظلم لأن الكون يحتوي على عدد ضئيل من النجوم مقارنة بحجمه وهذا العدد لا يكفي لتغطية السماء بأسرها, كما أن عالم النجوم محاط ومغلف بما يشبه الجدار. وقد وضح كبلر هذا الموضوع في عمله الرئيسي الأخير: (خلاصة علم الفلك الكوبرنيقي) والذي نشره في أوائل القرن السابع عشر.
4- خلاء رواقي وراء الكون: (( التفسير ب))
كان وراء هذه الحجة أوتو فون غوريك أحد نقاد الفلسفة الديكارتية الأشداء وهو مهندس وعالم ألماني قال بأن السماء مظلمة لأننا عندما ننظر من خلال النجوم فإننا نرى الخلاء المطلق وراءها. لقد آمن غوريك بكون رواقي محدود وظن أن الفجوات بين النجوم تكشف لنا عن خلو الفراغ فيما وراء الكون وعن ظلمته. ولقد كان الأول في قائمة من اقترحوا أن النظام الرواقي قد حل لغز العتمة الكونية ونشر غوريك أفكاره ونتائج تجاربه عام 1672 في كتاب (تجارب ماجدبرغ الجديدة على الفضاء الخالي).
5- أثر هندسي: ((التفسير أ))
عبّر إدموند هالي عام 1721 عن هذا اللغز بقوله: (( لقد غدا أحجية ميتافيزيقية تحدت كل من اعتقد بكون ذي نجوم لانهائية العدد)). حاول هالي أن يقدم جواباً بقوله أن السطوع الظاهري لنجم ما يتناسب مع مقلوب مربع مسافته, والحجة التي استخدمها هي كالتالي:
تبنى كرات تخيلية بحجوم متزايدة تقع الأرض في مركزها وتشكل هذه الكرات سلسلة من القواقع ذات السماكات المتساوية يزيد حجمها أربع مرات, وبما أن عدد النجوم في كل قوقعة يتناسب مع حجمها فإن مضاعفة قطر القوقعة يزيد عدد النجوم فيها إلى أربعة أضعاف بينما ينقص كمية الضوء المستقبلة منها إلى الربع. لقد أدرك معظم المهتمين بلغز العتمة الكونية عدم إمكانية أن يكون هذا صحيحاً آخذين بالاعتبار بأن كوناً لانهائياً سيحوي عدداً غير منتهٍ من القواقع وبالتالي سيكون الضوء الوارد منها ككل لانهائياً أيضاً.
6- امتصاص فيما بين النجوم: (( التفسير أ))
لقد أزال جان فيليب لويس دي شيزو عام 1745 اللبس الذي انطوت عليه حجة هالي بافتراضه وجود وسط مادي يعم الفضاء الكوني, وهو على الرغم من تخلخله الشديد قادر على تخميد الضوء ببطء لدى وروده من النجوم. فالفضاء برأي شيزو مليء بضباب يحجب النجوم البعيدة عن النظر تماماً كما يحجب السديم خلفية الأشجار في الغابة.
طبعاً هذه الفكرة كما يدرك الجميع الآن غير مجدية لأن وسط الامتصاص سرعان ما يسخن ليصل إلى درجة الحرارة المميزة لسطح الشمس حيث يبدأ بإشعاع طاقة بقدر ما يمتص ونعود إلى حيث بدأنا.
7- بنية هرمية: ((التفسير ب))
عمل كل من جون هرشل وريتشارد بروكتور في ستينيات القرن التاسع عشر على حل جديد للغز واقترحا أن البنية الهرمية للكون يمكن أن تشكل حلاً مقبولاً فليس هناك أسهل من تصور أنماط من أنساق مرتبة للنجوم في الفضاء تتعنقد بدورها في مجموعات المجرات. تخيل أننا نقف وسط غابة هرمية تتجمع فيها الأشجار على شكل غيضات صغيرة والتي تتجمع بدورها في أيكات أكبر وهكذا. إن هذا سيجعلنا قادرين على حذف الخلفية المتصلة من الجذوع والتي نصادفها في غابة تنتشر أشجارها كيفما اتفق.
ما سبق يغطي نصف التفسيرات فقط وسأتابع معكم ما تبقى في الموضوع القادم بإذن الله.