أمضيت ساعات قبل عدة أيام وأنا اقرأ الصحف العبرية على الانترنت بالعربية، فمحرك "غوغل" يقوم بترجمة اي صفحة على الويب من أي لغة ولأي لغة في غضون ثوان. قرأت افتتاحية "هآرتس" حول لقاء نيويورك الثلاثي والانتصار المزعوم لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو. اختتمت الصحيفة تعليقها المنشور بالعبرية ، وقرأته بالعربية ، بالقول : ان "انتصار رئيس الوزراء قد يشكل في نهاية المطاف خسارة للدولة (المقصود اسرائيل)."
بالطبع فان الترجمة الفورية لا تخلو من اخطاء نحوية وقد يكون النص ركيكا في بعض الاحيان. لكن المهم في الأمر انني طالعت عناوين الصحف العبرية وقرأت بعض التعليقات بكل سهولة ويسر. ولم اكتف بهذا القدر من المغامرة وانما زرت موقع صحيفة "اساهي شيمبون" اليابانية العريقة وبنفس الاسلوب اطلعت على أهم محتويات العدد بالعربية وان كانت النتيجة أقل دقة ووضوحا.
كما طلبت من خدمة غوغل ترجمة احدى مقالاتي المنشورة بالانجليزية الى العربية وكانت النتيجة اكثر من مرضية. انه انجاز ثوري لكل باحث ودارس فحواجز اللغة التي كانت تباعد بين المثقفين والصحفيين والدارسين تتهاوى بشكل سريع. انها متعة حقيقية ان تقرأ صحيفة "لوموند" على الانترنت باللغة العربية أو ان تقلب صفحات جريدة "دير شبيغل" الالمانية على النت وتقرأ عن مستجدات الانتخابات الالمانية باللغة العربية أو الانجليزية أو أي لغة حية اخرى. وبينما جاءت الترجمة من الالمانية الى العربية ضعيفة ومضطربة فان النص الانجليزي كان مذهلا لسلاسته وترابطه.
يعتمد محرك البحث على نظام رياضي لوغاريتمي تم تطويره خصيصا ، وتنفق غوغل ملايين الدولارات سنويا على تطوير برنامج الترجمة الفورية للاستحواذ على نصيب الاسد فيما يسمى بصناعة اللغة وما يتفرع عنها من قطاعات تجارية وثقافية بحثية كالقواميس وعلم اللغات وانظمة التشغيل وواجهاتها والذكاء الاصطناعي ، ولعله الاهم من بينهم اليوم.
ولا يزال نظام غوغل للترجمة في مراحلة التجريبية لكنه متاح للجميع ، والمذهل في الامر انه "يتعلم" كلما تم استخدامه ويطلب من المستخدم اقتراح ترجمة افضل لبعض الكلمات أو النصوص لان اللغات تختلف عن بعضها من حيث قوانين النحو والصرف والاملاء وبناء الجملة واشتقاق الكلمات ومعانيها ، اضافة الى وجود الاسماء والمصطلحات والاختصارات.
وقد لجأت غوغل الى وثائق الامم المتحدة والتي تترجم عادة الى ست لغات رسمية من بينها ، لحسن الحظ ، اللغة العربية لبناء قاعدة البيانات والتي تحتوي اليوم على اكثر من عشرين بليون كلمة،
الترجمة قديمة قدم البشرية. وقد تطورت من خلال التجارة والحرب والبحث عن المعرفة. ورغم أن الغالبية من الناس على هذا الكوكب لن يعرفوا لغة غير لغتهم الأم ، فقد أصبح من الممكن الآن أكثر من أي وقت مضى فهم ما تقوله شعوب اخرى. غوغل في طريقها لانهاء لعنة بابل التوراتية، (