ظهر مصطلح " الواقعية السحرية " ( Magical Realism ) بين عامي 1924 و1925 ، وكان الناقد الالماني " فرانز روه " هو الذي ابتكره واطلقه على نوع من الرسم يتم فيه ربط الاشكال الواقعية بطريقة لا تتطابق مع الواقع اليومي.
ولم يكن الفن الذي اطلق عليه هذه التسمية سوى " الرسم التعبيري" (Expressionist Painting ) .
ويفترض ان الواقعية السحرية في الادب كانت قد بدأت في العام 1935 وبلغت عصرها الذهبي في خمسينات وستينات القرن العشرين ، وكان كتـّاب امريكا اللاتينية اول من بدأ الاشتغال عليها .
تناول العديد من الموسوعات والقواميس هذا المصطلح بالتعريف ، غير ان كل التعاريف تلتقي في خطوط رئيسية عامة . فـ " دليل اوكسفورد للادب الانكليزي " يقول ان " الروايات والقصص القصيرة الواقعية السحرية تتوفر بصورة نموذجية على دينامية سردية قوية يندمج فيها الواقعي الذي يمكن تمييزه بغيرالمتوقع والمتعذر تفسيره ، وترتبط فيها الاحلام والقصص الخرافية والميثولوجيا مع اليومي ، في نمط موزائيكي او متغير الاشكال . " اما " قاموس التراث الامريكي " فيقول عن الواقعية السحرية انها " اسلوب او نوع ادبي بدأ في امريكا اللاتينية ، يربط العناصر الخيالية والوهمية بالواقع . " في حين تقول " موسوعة الادب العالمي في القرن العشرين " انها " اندماج متفرد لمعتقدات وخرافات مجموعات ثقافية مختلفة .
وشأنها شأن الاسطورة ، فانها توفر ايضا ً طريقة توليفية واجمالية بصورة اساسية لوصف الواقع ، وقد وجدت ارضيتها في الواقع اليومي وعبّرت عن دهشة الانسان ازاء عجائب العالم الواقعي ، وهي تنقل للقارىء رؤية للسمات الخيالية للواقع .
" ويصف " قاموس اوكسفورد للمصطلحات الادبية " الرواية الواقعية السحرية بأنها " نوع من الرواية الحديثة يتضمن السرد فيها احداثا خرافية وخيالية تظل محتفظة بطابع الموثوقية في الروي الواقعي الموضوعي . وهي تدل على ميل الرواية الحديثة للوصول الى ما وراء حدود الواقعية واعادة صياغة قدرات الخرافة والحكاية التراثية والاسطورة في الوقت الذي تظل محتفظة فيه بصلة ارتباط اجتماعية قوية .
ان الصفات الخيالية التي تمنح للشخصيات في هذه الروايات مثل القدرة على الطيران او السباحة في الهواء والتخاطر والحركية ، هي بين الوسائل التي تتبناها الواقعية السحرية.
الواقعية السحرية إذاً هي مزيج من الواقع والخيال ، ويقوم هذا المزيج على اساس الحقيقة التي تقول ان كل شيىء يحدث في العمل الادبي الاعتيادي له حضور في الواقع اليومي ، وان اي شيىء يحدث ضمن حدود هذه الواقعية يتقبله المرء على انه حياة نمطية بين شخصيات القصة ، ولا يهم كيف يتم البحث عن المواضيع ولا مدى استثنائيتها . في كتابه الموسوم " الواقعية السحرية في الادب الامريكي اللاتيني " يقول " لويس لييل " ان الواقعية السحرية في امريكا اللاتينية تم استلهامها من اعمال سابقة لكافكا وديستويفسكي وادغار الن بو وميلفيل . لكن هذا الرأي يجد من بفنده او يرد عليه.
ان من سمات الواقعية السحرية ان العادي واليومي يتحول الى ما هو مرعب وغير واقعي، فهي فن المفاجئات في الغالب حيث يحدث غير الواقعي كجزء من الواقع . كما انها موقف من العالم اكثر من اي شيىء آخر : موقف يمكن التعبير عنه باشكال بسيطة او ثقافية وباساليب متقنة او ساذجة ، في بنىً مغلقة او مفتوحة ، وفيها يتحدى الكاتب الواقع ويحاول ان يفككه لكي يكشف عما هو غامض في الاشياء والحياة.
ان الشيىء الرئيسي هنا لا يتمثل في ابتداع الكائنات او العوالم الخيالية وانما في اكتشاف العلاقة الغامضة بين الانسان وظروفه ، وليس للاحداث تفسير منطقي او سايكولوجي فيها .
ان الواقعي السحري لا يحاول ان يستنسخ الواقع المحيط به وانما يحاول ان يفهم الغموض الكامن وراء الاشياء فهما ً تاما ً .
والواقعية السحرية تقدم ادبا قصصيا متعدد الاوجه يجسد نمط التفكير المديني الرئيسي ويرفض بعض عناصره الاساسية ، كما يجسد تقاليد الثقافات الفطرية.
ويؤكد غارسيا ماركيز الذي ارتبط اسمه بالواقعية السحرية ، على ان هذه الواقعية انما هي نمط من الادب الوسيط يقدم رؤية كلية للواقع وان النص السحري هو اكثر واقعية وإن كان يتناقض ظاهريا مع النص الواقعي . ان هذه الواقعية ليست واقعية يتم تغيير شكلها باضافة منظور سحري ، وانما هي واقع سحري بحد ذاته . وبخلاف الخيالي والسوريالي ، تفترض الواقعية السحرية ان الفرد يحتاج الى عقد يربطه بتقاليد المجتمع وايمانه ، ذلك لأنه ناشىء منه ومرتبط به تاريخيا .
وثمة من يرى في هذه الواقعية وفي ما يمارسه ماركيز منها في الاقل ، تطويرا عن " السوريالية " (ٍ Surrealism ) يعبّر عن وعي العالم الثالث بصورة حقيقية فهي طريقة لإظهار الواقع اكثر صدقا ً من خلال الاستعانة بالاستعارة .
ان مشروع الواقعيين السحريين للكشف عن التنافذ الحميم بين الواقع والخيال ، يشاركهم الحداثويون فيه .
لكن الواقعية السحرية و" الحداثة " ( Modernism ) تعملان بوسائل مختلفة ، ذلك ان الواقعية السحرية تريد تحولا ً في المادة اكثر مما في الوسيلة ، شأنها شأن المشاريع الغريبة التي تفتتن بالمجهول ، ترى ان الحياة الاعتيادية يمكن ان تكون مسرحا ً لما هو استثنائي.
وتُعَدُّ طبيعة المعرفي وحدوده من اكبر مجالات اهتمام الواقعية السحرية . فهي تطالبنا ان ننظر الى ما وراء حدود المعرفي حين تمزج بين الواقع والخيال وتحول الواقعي الى مرعب وتخلق مفهوما ً مشوها للزمان والمكان .
وادب هذه الواقعية موجه الى الاقلية المثقفة ، وهو يشير الى ظهور ما هو خارق للطبيعة او اي شيىء يكون على الضد من رؤيتنا التقليدية للواقع ولم يكتشفه الواقع ، ويعزى حضور هذا الخارق للطبيعة الى العقلية الهندية البدائية او " السحرية " التي تتعايش مع العقلانية الاوربية .
ويوضح فلويد ميريل ان الواقعية السحرية تنشأ عن الصراع بين صورتين للعالم، وهكذا فانها تتأسس على واقع او عالم يكون المؤلف على المام به ويعبر عن اساطير الهنود الامريكان ويتيح لنا رؤية ابعاد الواقع الذي نحن على المام به بصورة طبيعية .
ان عمل الواقعية السحرية الحاسم يتمثل في تجريدها للكلمات استعاريا ً ؛ فهي تنتقل من الكلمات التي نستخدمها للاشياء ، ومن الكيفية التي نتصرف بها مع الاشياء ، الى ما تمثله هذه الكلمات والى ما هي عليه . وهي في هذه الحالة تكون عن العالم كما هو في تلك اللحظة ، فتشمل الحلم والرغبة وسوء التأويل او اي شيىء آخر يحس به المرء في التزامن الرائع للمشاعر التي تعرضها لحظة متفردة ، كما انها تبحث عن التحرر من العبودية المعاصرة للكلمات في زمن الاشياء والتي تخضع لها هذه الكلمات .
ان هدف الواقعية السحرية ان تعود الكلمات الى ما هي عليه . واذا كانت السوريالية هي حول الاشياء فإن الواقعية السحرية حول الناس . وقد يكون الشكل الادبي في الرواية او القصة او السوناتا قابلا للتنبؤ به، لكن التفصيل يظل متفردا ، وهذا هو جزء من آلية الواقعية السحرية .