لم أصدق عيني حين رأيت - في لقطة إخبارية - عدداً كبيراً من سكان نانت الفرنسية يضعون باقات الزهور وللتأكد من معلوماتي (حول كونه نفس السفاح المعروف بهذا الاسم) رجعت ..«جيل دي راس» فوق قبرلكتب التاريخ فوجدته فعلاً (أعظم سفاح في تاريخ فرنسا)!! ... ولمعرفة القصة من أولها أشير إلى أن جيل دي راس كان مارشال فرنسا الأول وأكثر رجالها عزاً وثراءً العريقة بل كان فارسا شجاعاً حارب مع «لافال كراون» في القرن الخامس عشر.. وهو ليس فقط سليل عائلةالتي أحرقها الإنجليز.. «جان دارك» المناضلةأما الجانب الأسود من شخصيته فهو أفظع من أن يذكر مباشرة! .... فبعد أن أُعدمت جان دارك حرقاً سنة ١٤٣١ عزل جيل نفسه في قصره الواسع وأصبح يعيش حياة متخمة بالترف والفجور. وساعده في ذلك ثروته الأسطورية ومنصبه العالي وصلاته الواسعة. وفي الفترة بين عام ١٤٣٢ و١٤٤٠ اختفى ما لا يقل عن ألف وخمسمائة صبي من المناطق التي يحكمها باسم الملك. وكان يعتقد في البداية أن المحتلين الإنجليز يخطفون الأولاد ويبيعونهم في لندن كعبيد. ولكن بدأت الشائعات تدور حول رجال يلتحفون السواد يخرجون من قصر جيل للحصول على مزيد من الأطفال كل ليلة.. وبمرور الأيام تأكد السكان من أن عشرات الأطفال يدخلون القصر ولا يخرجون منه أبداً. وحين يقفل أبوابه ليلاً يبدو صامتاً باستثناء دخان كريه الرائحة يخرج من مداخنه كدليل على حرق مجموعة جديدة من جثث الأطفال بعد قتلهم وتعذيبهم. ورغم معرفة الجميع لهذا الأمر إلا أن أحداً لم يجرؤ على التفوه بكلمة أو التدخل لمنع ما يحدث.. ومرت أعوام طويلة على هذه الحال حتى انقلب الوضع على جيل لسبب بسيط وغير متوقع! ففي أواخر عام ١٤٤٠ اختلف جيل دي راس مع راهب يسكن إحدى مزارعه فما كان منه إلا أن اختطفه وأوسعه ضرباً وتعذيباً. غير أن الراهب استطاع الهرب ورفع شكوى لمحكمة باريس. وبسرعة استغل الأهالي قضية الراهب وتوافدوا إلى المحكمة لتقديم شكاوى عن خطف أطفالهم في قصره الغامض. وهكذا تراكمت وبعد أخذ ورد، وتأجيل ومماطلة، وزيارات ..«والتعاون مع الشيطان» ضده تهم عديدة كان أبسطها الشعوذةلغرف التعذيب (وتخلي الملك عن حمايته) قرر جيل دي راس الاعتراف بجميع ما نسب إليه.. وكان اعترافاً تقشعر له الأبدان تحدث فيه عن مسؤوليته عن قتل عدد كبير من الأطفال وتعذيبهم طوال سنوات وممارسته أعمالاً (لا أخلاقية) معهم قبل وبعد وفاتهم.. كما دلهم على بيوت صيفية عذب وقتل فيها أكثر من مائة وإربعين ولداً، وصناديق ضخمة بها رؤوس خمسة وأربعين طفلاً لم يسعفه الوقت للتخلص منها. وكان اعترافه من القسوة بحيث تساقطت بعض الأمهات مغشياً عليهن - ومن القذارة بحيث خلع رئيس المحكمة معطفه وغطى به تمثال المسيح!! .. ومع هذا عقدت معه المحكمة اتفاقاً يبدي خلاله توبته وندمه (ويعلن أنه كاثوليكي مخلص) مقابل اتهامه بجرائم حدثت بدافع من الاستحواذ الشيطاني).. وهكذا انقلبت الحال من مجرم مشعوذ فاسق، إلى مؤمن تائب متمرد على إرادة الشيطان (بل تعهدت له الكنيسة بغفران الأهالي ودخوله الجنة.. بعد إعدامه وتطهير روحه علناً)!! السفاح الوحيد في تاريخ الإنسانية الذي نال احترام «جيل دي راس» .. وما يثير الاستغراب فعلاً هو أن مرور الأيام زاده قدراً وتعظيماً لدرجة أن قبره في كنيسة كارم في نانت تحول اليوم إلى مزار مقدس يحج إليه المؤمنون الكاثوليك!
ملتقى طلاب الجامعة... منتدى غير رسمي يهتم بطلاب جامعة دمشق وبهم يرتقي...
جميع الأفكار والآراء المطروحة في هذا الموقع تعبر عن كتّابها فقط مما يعفي الإدارة من أية مسؤولية WwW.Jamaa.Net