الملكية أو ريع الأرض:
في كل حقبة تاريخية تطورت الملكية ونمت حسب مفهوم علاقات اجتماعية مختلفة، وهكذا لكي نعدد الملكية البرجوازية ماعلينا إلا أن نقدم عرضا عن كل العلاقات الاجتماعية للانتاج البرجوازي.
ولكي نحاول أن نحدد الملكية بأنها علاقات مستقلة أو لائحة مستقلة أو فكرة خالدة ومثالية، لا يكون هذا إلا خيالياً يمتطيه الميتافيزيك والفقه.
إن برودون – وهو يظهر أنه يتكلم عن الملكية عامة – يتكلم فقط عن ملكية الأرض أو ريع الأرض.
« إن أصل الريع، الملكية، هو شيء فوق الاقتصاد: إنه يوجد بوجود اعتبارات نفسية وأخلاقية وهذه الاعتبارات بعيدة الاتصال عن إنتاج الثروة » (المجلد ٢، صفحة ٢٦٥).
وهكذا يعني برودون أنه غير قادر أن يفهم الأصل الاقتصادي للريع والملكية، ويقول أن مقدرته تجبره أن ينسبها إلى اعتبارات أخلاقية ونفسية بعيدة الاتصال بانتاج الثروة، ولكن لها علاقة بضيق أفقه التاريخي. يؤكد برودون أنه يوجد شيء صوفي وعجيب فيما يتعلق بأصل الملكية. والآن – لننظر أعجوبة في أصل الملكية – أو لنعجل علاقة سرية بين الانتاج ذاته وتوزيع أدوات الانتاج. أليس هذا – لنستعمل لغة برودون – رفض أكيد لكل ادعاءات علم الاقتصاد ؟
إن برودون يضيف على نفسه قوله إنه في الحقيقة السابقة للتطور الاقتصادي – أي الرصيد – عندما كانت الاسطورة سبباً لاختفاء الحقيقة، وعندما هدد النشاط الانساني بفقدان ذاته، أضحى ضرورياً أن يرتبط الإنسان بقوة أكثر بالطبيعة، والآن كان الريع سعر هذا العقد أو الرباط. (المجلد ٢، صفحة ٢٦٩).
L’homme aux quarante écus تنبأ به برودون للمستقبل: « السيد الخالق. كل فرد سيد في عالمه، ولكن، ليس ممكناً أن تجعلني أعتقد ان العالم الذي يعيش به مصنوع من البذور ». في عالمك – حيث الرصيد النقدي كان وسيلة لفقدان الشخص في فراغ عميق، من الممكن أن تصبح الملكية ضرورية حتى تعمي إنسان الطبيعة. وفي عالم الانتاج الحقيقي حيث كانت ملكية اﻷرض دوماً تسبق الرصيد النقدي، نجد أن خوف برودون لم يكن موجوداً.
ولدى قبول فكرة الريع ولو مرة – مهما كان أصلها – تصبح موضوع مفاوضات مضادة بين المزارع ومالك الأرض. وماهي النتائج القصوى لهذه المفاوضات، أي ما هو المعدل العام للريع ؟ هذا ما يقوله برودون:
« ﺇن نظرية ريكاردو لاتجيب هذا السؤال. عندما ابتدأت المجتمعات، عندما كان الإنسان جديداً على الأرض، لم تكن أمامه إلا الغابات الواسعة الضخمة، عندما كانت الأرض واسعة وعندما كانت الصناعة مبتدئة، عندما كان كل هذا الريع لا يزال عدماً. واﻷرض – ولم تكن بعد نتيجة تشكيل العمل – كانت موضوع منفعة ولم تكن قيمة تبادل، كانت الأرض عامة ولم تكن اجتماعية، ورويداً رويداً نرى أن تكاثر العائلات وتقدم الزراعة أظهر قيمة الأرض وأصبح العمل يعطي الأرض قيمتها أي ما تستحقه: ومن هذا وجد الريع، فكلما أعطى الحقل ثماراً أكثر بنفس كمية العمل كلما كانت قيمته ترتفع ! وبما أن هدف المالكين كان الحصول على كل ما تنتجه الأرض لذلك أصبحت أجور المزارع أقل – يعني أقل من تكاليف الانتاج – وهكذا تبعث الملكية آثار العمل لكي تأخذ كل الانتاج الذي يزيد المصاريف الحقيقية. وبما أن المالك كان يحقق عملاً خارقاً، فالمزارع إذاً ليس إلا عاملاً مسؤولاً – هكذا تريد العزة الالهية – وعليه أن يؤدي للمجتمع كل زيادة عن أجرة المشروع... فالريع بجوهره هو وسيلة لتوزيع العدل وهو وسيلة من ألوف الوسائل التي تستخدمها عبقرية الاقتصاد لتحقق المساواة – لقد حصل تناقض عظيم بين المزارعين والملاكين من جراء تقدير الأرض – ولكن بدون وقوع اصطدام – وكان هذا التناقض يهدف إلى تسوية ملكيات الأرض بين مستغليها وصانعيها... وما كانت هذه الملكية السحرية تحتاج ﺇلا أن تنزع من المستغل فائض الانتاج الذي كان يعتبره ملكاً وحقاً له. فالريع أو باﻷحرى الملكية، حطم الأنانية الزراعية وأوجد واقعاً لايمكن أن تخلفه لاقوة ولا تقسيم الأرض... والتأثير الأخلاقي الذي تركته الملكية في الوقت الحاضر هو العمل على توزيع الريع » (المجلد ٢، صفحة ٢٧٠، ٢٧٢).
يمكن اختصار كل هذا المزيج من الكلام هكذا: يقول ريكاردو أن زيادة سعر المنتوجات الزراعية عن تكاليف إنتاجها – متضمناً الربح العادي والفائدة على رأس المال – يعطينا مقياس الريع. إن برودون يصيب أكثر ﺇذ يجعل المالك يتدخل وينتزع من المستغل كل فائض انتاجه الذي يزيد عن تكاليف الانتاج. إنه ينتفغ من تدخل المالك لكي يشرح الريع، إنه يجيب على السؤال عندما يصيغ قاعدة لنفس المسألة ويضيف عليها مقطعاً.
ولنلاحظ أنه لدى تحديد الريع من جراء اختلاف خصوبة الأرض، نجد برودون يعني أصلاً جديداً له – بما أن الأرض قبل وجودها تشكل درجات متفاوتة الخصوبة – لم تكن في نظره قيمة التبادل بل كانت عامة، ماذا حدث ﺇذاً لأسطورة الريع التي وجدت من ضرورة ﺇرجاع إنسان للأرض كاد أن يفقد نفسه في أبدية فراغ هائل ؟
والآن لنحرر نظرية ريكاردو من سيطرة القوة الالهية ومن القالب الذي صاغها به برودون ؟
ﺇن الريع – حسب نظرية ريكاردو – هو ملكية الأرض في حالتها البرجوازية، أي ملكية الاقطاع التي أصبحت خاضعة لشروط الانتاج البرجوازي.
لقد رأينا – بالنسبة لنظرية برودون – أن سعر كل الأشياء يتحدد بتكاليف إنتاجها، بالاضافة للربح الصناعي، أي وقت العمل المستخدم. ففي الصناعة الآلية نجد سعر المنتوج المحصول بأقل كمية عمل ممكن ينظم سعر كل السلع الاخرى التي هي من نفس النوع، أخذه بعين الاعتبار أن أرخص أدوات الانتاج وأكثرها انتاجية يمكن إكثارها للانهاية وأن المنافسة تخلق سعر السوق، أي تخلق سعراً عاماً لكل المنتوجات من نفس النوع.
وفي الصناعة الزراعية على العكس، نجد أن سعر المنتوج المحصول عليه بأكبر كمية عمل ينظم سعر المنتوجات الأخرى التي هي من نفس النوع. ففي الدرجة لا يقدر أحد – كما هو المثال في الصناعة الآلية أن يكثر كما يريد أدوات الانتاج التي لها نفس درجة الانتاج، أي إيجاد أراضي لها نفس درجة الخصوبة. وهكذا، لدى زيادة السكان – نجد أن الأرضي ذات القيمة المنخفضة، يوظف فيها رأسمال قليل. وفي كلا الحالتين تتطلب كمية أكبر من العمل للحصول على إنتاج أقل. وبما أن حاجات السكان تطلبت ضرورة زيادة العمل، فإن منتوج الأرض الذي يكلف استغلالها أكثر يكون كبيع أرض استغلالها أرخص. وبما أن المنافسة تخلق سعر منتوج الأرض، فإن زيادة سعر المنتوجات – الذي يعود لتربة أحسن يزيد على تكاليف انتاجها – هذا الانتاج الذي يشكل الريع. ولو كان يقدر شخص أن يجد أراضي بنفس درجة الخصوبة ولو كان يقدر – في الصناعة الآلية – أن يؤدي باستمرار إنتاج الأشياء وبشكل أرخص وتقديم آلات إنتاج أكثر وأرخص، وأن توظيف رأس المال الاضافي كان يعطي نتيجة كاﻷول، لكان سعر المنتوجات الزراعية يتحدد بسعر السلع المنتوجة بأحسن وسائل الانتاج – كما رأينا بمثل سعر المنتوجات المصنوعة. ولكن الريع يختفي منذ هذه اللحظة.
ولو كانت نظرية ريكاردو كلها حقيقة، لكان من الضروري لرأس المال أن يستعمل بحريته في فروع الصناعة المختلفة، لكننا نجد منافسة قديمة بين الرأسماليين تحصر الأرباح في مستوى واحد متساو، ولكنا نجد المزارع رأسمالياً صناعياً يطلب توظيف رأسماله في أرض ثانوية لينال ربحاً مساوياً ﻷي ربح في أي صناعة، ولو كان هذا لكان الاستقلال الزراعي يخضع للصناعة ذات الانتاج الضخم، وأخيراً لكان مالك الأرض نفسه لايهدف ﺇلا لارجاع دراهمه.
لا يمكن أن يحدث – كما حدث في ايرلندا – أن الريع لا يوجد رغم أن تطور الأرض ونموها وصل درجة قسوى. والريع، بما أنه زيادة عن الأجور وعن الربح الصناعي لا يمكن أن يوجد حيث لا تكون واردات مالك الأرض شيئاً.
وهكذا، بعد أن تتصور تحويل مستغل اﻷرض أو المزارع إلى عامل بسيط، وأن ننتزع من المستغل فائض انتاجه الذي لا يتنازل عنه ﻷنه يعده خاصاً به، فإن الريع يقف مانعاً لصاحب اﻷرض ليس بواسطة الخادم بل بواسطة من يجعل صاحب الأرض أن يقف مضاداً للرأسمالي الصناعي وليس مع الخادم أو مع العبد أو مع دافع الفريضة أو مع عامل الاجرة.
إذا اعتبرنا ولو مرة ريع الأرض، فإن ملكية الأرض لاتعود تملك فائض تكاليف الانتاج التي تتحدد بالأجور وبأرباح الصناعة. لذلك نجد أن ريع اﻷرض انتزع من مالك اﻷرض قسماً من دخله. وهكذا مر وقت طويل قبل أن يحل الرأسمالي الصناعي محل المزارع الاقطاعي. ففي ألمانيا مثلاً، ابتدأ هذا التحويل قي آخر القسم الثالث من القرن الثامن عشر. وفي انكلترا فقط كانت هذه العلاقة قائمة بين الرأسمالي الصناعي ومالك الأرض.
وطالما أن مستغل الأرض الذي قال عنه برودون، موجود فلا وجود للريع. وفي الوقت الذي يوجد فيه الريع، فإن مستغل الأرض لا يبقى المزارع بل يكون العامل أي مزارع مستغل الأرض. إن تحقير العامل وجعله بمثابة شغيل بسيط، أي شغيل يومي، وجعله يعمل للرأسمالي الصناعي، وتدخل الرأسمالي الصناعي – وهو يستغل اﻷرض كأنه يستغل مصنعاً – وتمويل مالك اﻷرض من حاكم مطلق صغير إلى مرابي فظيع، هذه كلها هي العلاقات المختلفة التي يعبر عنها الريع.
ﺇن الريع – في نظرية ريكاردو – هو الزراعة البطريركية المتحولة لصناعة تجارية وهو الرأسمال الصناعي الذي يستعمل لاستثمار الأرض وهو برجوازية المدنية المطبقة في القرية. والريع – عوضاً ان يوجد الانسان بالطبيعة. قد ربط استغلال الأرض بالمنافسة. وعندما تعد ملكية اﻷرض ريعاً فان ملكية اﻷرض ذاتها تصبح نتيجة للمنافسة ولذلك فهي من ذلك الوقت تعتمد على قيمة السوق للانتاج الزراعي. وكريع، تصبح ملكية الأرض مادة للتجارة. ان الريع ممكن تحقيقه فقط من لحظة تطور الصناعة القعرية ومن لحظة ما ينتج عنها تنظيم اجتماعي، وهذا م اجبر مالك الأرض ان يحصر هدفه في الارباح النقدية. وان ينظر ال العلاقة النقدية لمنتوجاته الزراعية – وفي الواقع ينتظر من ملكيته للاْرض ان تكون تربة آلة لتحصيل النقد. لقد جعل الريع مالك ﻷرض ان يطلق التربة، وان يطلق الطبيعة حتى انه لا يحتاج ان يعرف ملكياته، وهذا ما حدث في انكلترا. فيما يتعلق بالمزارع وبالرأسمالي الصناعي والشغيل الزراعي، فانهم لايرتبطون باﻷرض التي يستغلونها اكثر من المستخدم والشغيل في المصانع بالنسبة للقطن والصوف الذي يصنعونه، انهم يسعرون برباط فقط لانتاجهم النقدي. وهناك بعض الذين يعدون أنفسهم تقدميين تقدمون صلواتهم لاعادة الاقطاعية والحياة البطريركية الصالحة وعادات آبائنا وأجدادنا الصالحين. ان اخضاع التربة للقوانين التي تحكم كل الصناعات اﻷخرى يخضع دائماً للمصالحة.وهكذا يمكن القول أن يقال ان الريع أصبح دافع القوة التي ادخلت الشعر إلى حركة التاريخ.
ﺇن ريكاردو بعد ان جعل الانتاج البرجوازي ضرورياً لتحديد الريع – يطبق فكرة الريع بالنسبة لملكية اﻷرض في كل العصور وفي كل البلدان. وهذا خطأ تجده عند كل الاقتصاديين الذين يمثلون علاقات الانتاج البرجوازية كلوائح أبدية.
يستنتج من الهدف اﻹلهي للريع الذي هو بالنسبة لبرودون تحويل المستغل إلى شغيل مسؤول ليحصل على مكافأة الريع المتساوية.
ﺇن الريع، كما رأينا، يشكل بالسعر المتساوي لكل منتوجات اﻷراضي ذات الخصوبة غير المتساوية حتى أن هكتوليتر القمح الذي كلف 10 فرنكات يباع ﺑ 20 فرنكاً إذ أن تكاليف الانتاج ترتفع إلى 20 فرنكاً زيادة عن خصوبة تربة من نوع أدنى.
وطالما أن الحاجة تجبر شراء كل المنتوجات الزراعية التي تأتي للسوق، فإن سعر السوق يتحدد بتكاليغ أغلى منتوج. وهكذا نرى أن هذا التساوي في السعر – الناتج عن المنافسة وليس عن اختلاف خصوبة الأرضي – هو الذي يحفظ لصاحب أحسن تربة ريعاً من 10 فرنكات لكل هكتوليتر يبيعه الرجل الذي يشتغل بأرضه.
لنفترض أن سعر القمح يحدد بوقت العمل الذي تحتاج لانتاجه، فنجد أن هكتوليتر القمح الذي نحصل عليه من تربة أحسن يباع ﺑ 10 فرنكات، بينما هكتوليتر القمح الذي يحصل عليه من نوع أقل يكلف 20 فرنكاً. لدى قبوانا بهذا نرى أن معدل سعر السوق يكون 15 فرنكاً. وبما أن سعر السوق يتبع قانون المنافسة فانه يصبح 20 فرنكاً. وإذا كان معدل السوق 15 فرنكاً فعندئذ لا تسنح فرصة لأي موزع أن يكون له ريع. يوجد الريع فقط عندما يستطيع شخص أن يبيع ﺑ 20 فرنكاً هكتوليتر القمح الذي يكلف المنتج 10 فرنكات. ويفترض برودون تساوي سعر السوق بتكاليف إنتاج غير متساوية لكي يصل إلى مشاركة متساوية لانتاج غير متساو.
نحن نفهم اقتصاديين مثل: هيدلتش، وتربليو، وميل، وآخرين يقولون أن الريع يجب أن يعطي للدولة لكي تقوم مقام الضرائب. ﺇن هذا التعبير صريح لكره الرأسمالي الصناعي وهذا العمل يحمل لمالك الأرض لنفس النتيجة.
ولكن لنجعل أولاً سعر هكتوليتر القمح 20 فرنكاً حتى نجعل توزيعاً عاماً ﻟ 10 فرنكات أتعاب اضافية على المستهلك، وهذا يكفي لجعل العبقرية الاجتماعية أن تتبع طريقها الملتوي بحزن – وتطرق برأسها خجلاً.
يصبح الريع – حسب تعبير برودون « تقسيم أرض كبيرة متناقضة بنظر المزارع ومالك الأرض... تكون نتيجتها الكلية مساوية لملكية الأرض لمصلحة المستغلين للتربة والصناعيين » (المجلد 2، صفحة 27).
ﺇن تقييم أية قطعة أرض قائمة على الريع لتكون ذات قيمة واقعية، وشروط المجتمع الحاضر يجب أن يكون مختلفاً عن التقييم.
والآن أظهرنا أن ريع المزرعة الذي يدفعه المزارع لسيده يعبر عن الريع بالضبط في البلدان المتقدمة في الصناعة والتجارة. حتى أن هذا الريع لا يتضمن الفائدة المدفوعة لصاحب الأرض على رأس المال المستثمر في الأرض. إن مركز الأرض وجوارها من المدن وعوامل أخرى تؤثر على ريع المزرعة وبشكل ريع الأرض. هذه الاسباب تعد كافية لتبرهن عن عدم دقة تقييم الأرض القائم على الريع.
ومن جهة ثانية، يمكن للريع أن لا يكون الدليل الثابت عن وجه خصوبة قطعة الأرض بما أن كل تغيير في تطبيق علم الكيمياء الحديث يغير التربة، والمعرفة الجيولوجية تبدل اليوم كل تقديرات الخصوبة النسبية. لقد كان منذ 20 سنة حتى تم استعمال الأرضي في قرى انكلترا الشرقية. لقد تركت غير مفلوحة نتيجة للجهل.
وهكذا فالتاريخ وهو قاصر على أن يجد في الريع تقييماً حاضراً للأرض، لا يعمل شيئاً ﺇلا أنه يغير ويقلب تقييمات الأرض الحاضرة.
ونقول أخيراً إن الخصوبة ليست صفة طبيعية كما يظن، إنها مرتبطة بالعلاقات الاجتماعية للوقت السائد. يمكن أن تكون قطعة أرض خصبة جداً لزراعة القمح، ولكن السعر المحدود يجعل الفلاح يفلبها إلى مرعى طبيعي ويجعلها غير خصبة.
لقد فرض برودون تقييمه للأرض – هذا التقييم الذي ليس له قيمة لتقييم أرض عادية – ليبرهن فقط عن هدف العزة الالهية للريع.
يتابع برودون قائلاً « إن الريع هو الفائدة المدفوعة على رأسمال لايغنى – وهو الأرض. وبما أن رأس المال قادر أن لا يزيد في مادته لكن في تحسين طريقة استعماله، نستنتج أنه بينما نرى فائدة أو ربح قرض يميل للنقصان تدريجياُ بواسطة غزارة رأس المال، فإن الريع يميل دوماً للزيادة بواسطة تكميا الصناعة. ومن هذا ينتج تحسين في استعمال الأرض... وهذا هو الريع في جوهره ». ( المجلد 2، صفحة 265).
يرى برودون هذه المرة في الريع كل أوصاف الفائدة ما عدا أنه ينبثق من رأسمال له طبيعته الخاصة. هذا الرأسمال هو الأرض، رأسمال أبدي « غير قادر ان يزداد في مادته لكن بتحسين طريقة استعماله ». ونجد في تقدم المدنية أن الفائدة تميل باستمرار للهبوط، بينما يميل الريع للارتفاع دوماً. تهبط الفائدة بسبب غزارة رأس المال، ويرتفع الريع بسبب التحسين الذي يدخل على الصناعة والتي تنتج إذ تنتفع دوماً من الأرض.
وهذه هي نظرية برودون في جوهرها.
دعنا بادىْ الاْمر نفحص إلى أي حد نعتبرها حقيقة عندما نقول أن الريع هو فائدة على رأس المال.
إن الريع بالنسبة لمالك الأرض نفسه يمثل فائدة على رأس المال الذي كلفته ﺇياه الأرض، أو الرأسمال الذي حصل عليه من بيع الأرض ولكنه في بيع وشراء الأرض فإنه يبيع أو يشتري ريعاً. والسعر الذي يدفعه ليجعل من نفسه قابضاً للريع ينظم عامة بنسبة الفائدة وليس له علاقة بطبيعة الريع. إن الفائدة على الرأسمال الموظف في الصناعة أو في التجارة. وهكذا بالنسبة الذين لايميزون بين الفائدة التي تمثلها الأرض لصاحبها وبين الريع ذاته فان فائدة رأس مال الأرض تنقص أكثر من رأس مال يوظف في أي عمل آخر. ولكن السؤال ليس مجرد مسألة بيع أو شراء سعر الريع أو قيمة السوق للريع أو ريع الرأسمال، إنه سؤال عن الريع ذاته.
ﺇن ريع المزرعة يمكن أن يطبق ثانية – ليس كريع صاف – الفائدة على رأسمال موظف في الأرض. وفي هذه اللحظة يستلم السيد هذا القسم من ريع المزرعة، ليس كصاحب أرض بل كرأسمالي ! ولكن ليس هذا هو الريع الصافي الذي نتكلم عنه.
الأرض طالما أنها لا تستغل كوسيلة إنتاج لا تكون رأسمالاً. والأرض كرأسمال يمكن أن يزداد كما تزداد كل وسائل الانتاج. ولا شيء يضاف لمادتها لنستعمل لغة برودون – لكن الأرضي التي تخدم كوسائل إنتاج تتكاثر. وإذا كنا نستعمل رؤوس أموال إضافية لاْرض تحولت إلى وسيلة إنتاج فإن الأرض تزداد بزيادة رأس المال بدون إضافة أي شيء على الأرض كمادة، يعني لا نضيف شيئاً لامتداد الأرض... إن أرض برودون كمادة هي التراب وتحديداته. وفيما يتعلق بالأبدية التي يصف بها الأرض فإن لها صفة مادة. الأرض كرأسمال ليست خالدة أكثر من أي رأسمال آخر.
إن الذهب والفضة اللذين يعطيان فائدة، هما دائمان وأبديان كالأرض. وإذا هبط سعر الذهب أو الفضة – بينما يبقى سعر الأرض في ارتفاع – فإن هذا الهبوط لا لكثرة أو قلة طبيعته الأبدية.
إن الأرض كرأسمال هي رأسمال ثابت، لكن الرأسمال الثابت يستعمل كرأسمال متداول. إن التحسينات التي تطرأ على الأرض تحتاج لتجديد الانتاج، وهذا يثبت تحويل المادة إلى وسيلة انتاج. ولو كانت الأرض كرأسماية أبدية، لكانت بعض الأرضي تمثل مظهراً مختلفاً عن المظاهر التي هي اليوم، ونلقي نظرة على الكمبانيا الرومانية وسيسلي كما كانت في ازدهارهما الماضي.
توجد أوقات تختفي الأرض كرأسمال رغم أن التحسينات تبقى في الأرض.
ففي الدرجة الأولى، يحدث هذا كل وقت يقضي على الريع الصافي بمناسبة أراض جديدة وأكثر خصوبة، وفي الدرجة الثانية، إن التحسينات التي يمكن أن تكون ذات قيمة في وقت ما تبطل أن تكون ذات قيمة عندما تصبح عامة وفقاً لتطور الزراعة العلمية.
ﺇن ممثل الأرض كرأسمال لا يكون صاحب الأرض بل هو المزارع. والنتائج التي تقدمها الأرض كرأسمال هي الفائدة والربح الصناعي وليس الريع. توجد أراضي تعطي فائدة وربحاَ لكنها لاتعطي ريعاً.
وباختصار، فالأرض طالما أنها تعطي فائدة فهي أرض رأسمال. بما أن أرض رأسمال لاتعطي ريعاً، اذن ليست هي ملكية أرض. إن الريع يحصل على العلاقات الاجتماعية حيث يحصل استغلال الأرض. ولا يمكن أن يكون الريع نتيجة لطبيعة الأرض. إن الريع هو نتاج اجتماع وليس نتيجة للتربة.
« ﺇن التحسينات في استعمال الأرض » نتيجة « لتكميل الصناعة » تسبب – بالنسبة لبرودون – ارتفاعاً مستمراً للريع. يسبب هذا التحسين هبوطه الزمني المؤقت.
وأين نضمن أي تحسين زراعي أو صناعي ؟ عندما نجعل العامل ينتج أكثر وعندما نجعل العامل ينتج أقل، شكراً لهذه التحسينات – فالعامل يتخلص من استعمال كمية عمل أكبر لانتاج أصغر نسبياً، ولا يحتاج أن يعود للتربة الثانوية وأن يوظف رأسمالاً لنفس الأرض التي تبقى منتجة بالتساوي مع غيرها.
وهكذا فإن هذه التحسينات، وهي أبعد من أن تحقق ريعاً كما يقول برودون تصبح على العكس صعوبات تمنع تحقيقها.
ﺇن ملاكي الأرض الانكليز في القرن السابع عشر لم يكونوا يتعلقون بهذه الحقيقة كي يعارضوا تقدم الزراعة لانهم يخافون ان تنقص مداخيلهم
اضرابات واتحدات العمال:
كل حركة ارتفاع في الأجور ليس لها إلا تأثير أوحد وهو ارتفاع أسعار القمح والخمر الخ. أي تأثير في القلة والعوز. وماهي الأجور ؟ هي سعر تكاليف القمح الخ. وهي السعر الجزئي لكل شيء ونقدر أن نقول أكثر من هذا: إن الأجور هي نسبة العوامل التي تشكل الثروة وهي استهلاك انتاج كل يوم يقوم به العمال. والآن لنشك في الأجور... أي لنقدم لكل منتج حصة أكبر من انتاجه، وهذا شيء مناقض. وإذا كان الارتفاع يتحدد لعدد صغير منا الصناعات الاخرى، فإن هذا الارتفاع يسبب اضطراباً عاماً في التبادل، أي يسبب عوزاً وقلة... من المستحيل، اصرح، ان الاضرابات التي يتبعها زيادة في الأجور لاتتحدد في الاتفاع عام للاسعار : هذا أكيد كما أن 2 + 2 = 4 ( المجلد 1، صفحة 110 و111).
أولاً – لا يوجد ارتفاع عام للاسعار. إذا كان كل شيء قد تضاعف بنفس نسبة ارتفاع الأجور، فإننا لانسمي هذا ارتفاع أسعار، والتعبير هو التغيير الوحيد.
وثانياً – ﺇن ارتفاعاً في الأجور لا يؤثر كثيراً أو قليلاً في ارتفاع عام لسعر البضائع، لو أن كل صناعة استخدمت نفس عدد العمال بالنسبة لرأسمال ثابت أو بالنسبة للادوات المستعملة، فإن ارتفاعاً عاماً في الأجور ينتج هبوطاً عاماً في الارباح وسعر البضائع لا يتغير.
ولكن فيما يتعلق بالعمل اليدوي والرأسمال الثابت فلا يكون نفس الشيء في صناعات مختلفة، إذ أن كل الصناعات التي تستخدم كمية أكبر نسبياً من رأسمال وعمال أقل، ستكون مجبرة عاجلاً أو آجلاً أن تخفض سعر بضائعها. و في الحالة المعاكسة، حيث أن سعر بضائعها لا يخفض، فإن سعرها سيعلو أكثر من مستوى الأرباح العام. ليست الآلات بكاسبي أجور إذن، نرى أن ارتفاعاً عاماً في الأجور يؤثر أقل في الصناعات التي إذا قابلناها بالصناعة الاخرى، فإنها تستخدم آلات أكثر مما تستخدم عمالا. ولكن الأرباح التي تعلو أكثر من معدل النسبة تكون أرباحاً انتقالية. وهكذا – رغم وجود بعض الذبذبات – فإن ارتفاعاً عاماً في الأجور سيعود – لا كما يقول برودون إلى زيادة عامة في الأسعار – بل إلى هبوط جزئي، أي هبوط في سعر البضائع التي تصنع بالدرجة الاْولى بواسطة الآلات.
ﺇن ارتفاع أو انخفاض الاْرباح والأجور تعبر عن النسبة التي يشارك فيها معظم الرأسماليون والعمال في إنتاج يوم عمل بدون أن يؤثروا في معظم الأوقات بسعر المنتوج. ولكن « الاضرابات التي يتبعها زيادة في الأجور تظهر في ارتفاع عام للاسعار في قلة وعوز ». هذه ليست إلا أفكاراً تزخر فقط في دماغ شاعر لا يفهم.
نرى في انكلترا أن الاضرابات تسبب ارتفاعاً لدى اختراع وتطبيق الآلات الجديدة. كانت الآلات – كما يقال – السلاح الذي يستخدمه الرأسماليون ليقهروا تمرد العمل المختص. إن آلة الغزل التي تعمل لذاتها – وهي أعظم اختراع صناعي حديث – جردت النساجين من عملهم وجعلتهم يتمردون: لو لم يكن للاضرابات والاتحادات إلا جعل العبقرية الميكانيكية تعمل ضدهم، لكلنوا لايزالون بفرضون تأثيراً على نمو الصناعة.
يتابع برودون: « أجد في كتاب نشره ليون فوشر... أيلول سنة 1845 أن العمال الانكليز كانوا لوقت ما قد أقلعوا عن عادة الاتحاد الذي هو تقدم يجب تهنئتهم عليه: لكن هذا التحسن في أخلاق العمال يأتي بالدرجة الأولى عن ثقافتهم الاقتصادية. لقد صرح عامل نساج في طاحونة في اجتماع بولطن « يستعمل الأسياد الأجور أوقات الانخفاض والأزمات كسوط يستعملونه إن أرادوا أو ما أرادوا. إن المبدأ المنظم هو علاقة العرض بالطلب، وليس للأسياد هذه القوة، ... حسناً فعلت ». يصرخ برودون « هؤلاء هم عمال عاقلون مدربون جيداً انهم نموذج للعمال الخ. أن فقراً كهذا لم يوجد في انكلترا، وسوف لا يعبر القنال » ( المجلد 1، صفحة 261، 262 ).
كانت بولطن من بين المدن الانكليزية إحدى المدن حيث كانت التقدمية فيها نامية أكثر من المدن الأخرى. ويعرف عمال بولطن أنهم ثوريون أكثر من أي عمال آخرين. وفي وقت اضطراب انكلترا الذي سبب القضاء على قوانين القمح، فكر الصناعيون الانكليز أنهم كانوا يقدرون ما إن يتفقوا مع مالكي الأرض إذا هم دفعوا العمال إلى الامام. ولكن بما أن مصالح العمال كانت مناقضة لمصالح الصناعيين كما كانت مصالح الملاكين تناقض مصالح الصناعيين فكان من الطبيعي أن الصناعيين سيكونون ضد العمال في اجتماعهم. وماذا فعل الصناعيون ؟ إنهم نظموا اجتماعات مؤلفة من رؤساء العمل ومن عدد صغير من العمال الاْذكياء – كما في بولطن ومانشستر – ان يشاركوا في الاجتماعات حتى يحتجوا ضدهم ومنعوا من القبول على أساس أنهم لا يحملون تذاكر حضور – هذا الاجتماع الذي كان يقبل من كل حامل بطاقة دخول. لكن حاملي الاعتراضات تجمهروا حول الجدران وأعلنو اجتماعات عامة. وكلما عقد اجتماع من هذه الاجتماعات، كنت ترى جرائد الصناعيين يصفونه بروعته ويصفون الخطابات التي ألقيت. ومما لاشك فيه أن رؤساء العمل هم الذين ألقوا الخطابات وليس الصناعيين. وكانت جرائد لندن تكتبها كلمة كلمة. و قد خلط برودون بين رؤساء العمل والعمال.
و لو كانت الاضرابات سنة 1844 و1845 قد جذبت انتباهاً أقل من قبل، ذلك لأن سنة 1844 – 45 كانت أول سنتين ازدهرت فيهما الصناعة الانكليزية منذ سنة 1837، ومع ذلك لم تحل ولا نقابة عمال واحدة.
والآن لنستمع لرؤساء عمال بولطن: بالنسبة لهم ليس للصناعيين قيادة أو سلطة على الأجور لأن ليس لهم سلطة على السوق العالمي. ولهذا السبب يريدون أن يفهم الغير أن الاتحادات يجب أن لا تشكل حتى تنال زيادة في الأجور من الأسياد، وبرودون على العكس، يمنع الاتحادات لخوفه أن ارتفاعاً في الأجور سيتبعه وهذا الارتفاع في الأجور يقود للقلة والعوز، لا نحتاج أن نقول من جهة يوجد اتحاد ضمني وودي بين برودون ورؤساء العمل و هذا الاتحاد: إن ارتفاعاً في الأجور يعادل ارتفاعاً في أسعار المنتوجات.
ولكن هل الخوف من القلة هو السبب الحقيقي لمخاوف برودون ؟ كلا، إنه ينزعج من رؤساء عمل في بولطن لأنهم لا يحددون القيمة بالعرض والطلب و لأنهم لايعتبرون القيمة مشكلة، أي القيمة التي مرت بطور التشكيل، أي لايهتمون بتشكيل القيمة وهي تتضمن تبادلاً دائماً لكل نسب العلاقات و علاقات النسب، مع العزة اﻹلهية بجانبها.
« إن إضراب العمال غير شرعي، وليس قانون العقوبات الذي يقول هذا، بل إن الطريقة الاقتصادية وضرورة النظام المستتب هي التي تقوله، إن عاملاً واحداً أو عمالاً أفراديين لا يقدرون أن يقوموا بعمل ما بل إن اتحادهم ضروري ليقاوموا الاحتكار، إن عملهم هذا لا يقره المجتمع ». (المجلد 1، صفحة 332 و335).
يريد برودون أن يوجد مادة من مواد قانون العقوبات وليراها ضرورة و نتيجة عامة لعلاقات الانتاج البرجوازي.
نالت الاتحادات في انكلترا حقوقها بواسطة البرلمان وكانت الطريقة الاقتصادية هي التي أجبرت الألمان أن يمنحها حقوقها. ففي سنة 1825 على أيام حكم الوزير هسكون كان على البرلمان أن يعدّل القانون حتى يطابق الأحوال الناتجة عن المنافسة الحرة، وهكذا كان من الضروري القضاء على قانون يمنع اتحادات العمال. وكلما نمت الصناعة الحديثة والمنافسة كلما دعت عوامل جديدة لتقوي الاتحادات وعندما يصبح الاتحاد واقعا اقتصادياً يصبح عندئذ حقاً شرعياً.
وهكذا فإن مادة قانون العقوبات تبرهن على الأكثر أن الصناعة الحديثة و المنافسة لم تكونا ناميتيين في ظل "التجمع الدستوري" وفي الأمبراطورية.
يتفق الاقتصاديون والاشتراكيون (اشتراكيو ذلك الوقت: أتباع فوريية في فرنسا وأتباع أوين في انكلترا) على نقطة واحدة: القضاء على الاتحادات. إنهم يتحيزون بدوافع مختلفة لتحقيق القضاء على الاتحاد.
يقول الاقتصاديون للعمال: لا تندموا. وباتحادكم تمنعون التقدم الطبيعي للصناعة. إنكم تمنعون الصناعيين من تنفيذ وتحقيق أوامرهم، إنكم تخربون التجارة وتؤخرون تقدم الآلات، وعندما تجعلون عملكم غير نافع فإنكم تجبرون أن تقبلوا أجوراً أقل. وعلاوة على هذا ورغم كل ما تفعلونه، فإن اجوركم ستتحدد دوماً بعلاقة الأيدي المطلوبة بالنسبة للأيدي المعروضة، ويكون مجهود مضحك وخطر لكم أن تثوروا ضد القوانين الأبدية للاقتصاد السياسي !
يقول الاشتراكيون للعمال: لا تتحدوا لأنكم ماذا تربحون من اتحادكم ؟ ارتفاع في الأجور ؟ سيبرهن لكم الاقتصاديون بوضوح أن الشيء القليل الذي تنالونه إذا نجحتم سيكون نتيجة سقوط دائم. إن المحاسبين الماهرين سيبرهنون لكم أنكم ستأخذون سنين حتى تعيدوا – بواسطة زيادة أجوركم – المصاريف المنفقة على المنظمة وعلى الاتحادات. ونحن كاشتراكيين نخبركم علاوة على مسالة النقود أنكم ستبقون عمالا وسيبقى الأسياد أسياداً كما كانوا قبلاً. وهكذا لا اتحاد بل سياسة ! أليس الدخول في اتحاد هو عمل سياسي ؟
يريد الاقتصاديون أن يبقى العمال في مجتمع كما كان مشكلاً ومؤلفاً من قبل.
ويريد الاشتراكيون أن يترك العمال المجتمع القديم لوحده وأن يدخلوا المجتمع الجديد الذي حضروه لهم.
ورغم الجهتين ورغم أفكارهم الطوباوية فإن الاتحاد سيتقدم وسيمتد كلما نمت الصناعة الحديثة. ولقد وصل الآن إلى درجة، والدرجة التي يصلها الاتحاد في أي بلد يبرهن عن المرتبة التي يمثلها في فوضى السوق العمالي. إن انكلترا التي وصلت صناعتها أعلى درجات النمو عندها أحسن و أكبر اتحادات منتظمة.
لا تقوم الاتحادات في انكلترا على مفاهيم بسيطة فتزول بزوال اضراب. لقد تشكلت اتحادات دائمة – نقابات العمال – تعمل كسلاح ضد المستخدمين. ونرى في الوقت الحاضر كل نقابات العمال المحلية انها نقطة ثقل في المجتمع الوطني لنقابات العمال ومركزها في لندت واعضائها 80 الفاً. ان تنظيم هذه الاضرابات والاتحادات ونقابات العمال استمر وجوده بصراع العمال السياسي الذي يشكل الان حزباً قويا سياسياً باسم لائحة الحقوق.
إن أولى الصناعة محاولات العمال ليجتمعوا مع بعضهم كانت بشكل اتحادات. إن الصناعة ذات الانتاج الضخم تحصر في مكان واحد جماعة من الناس يجهلون بعضهم. وتقسم المنافسة لمصالحهم. لكن وجود الأجور – هذه المصلحة العامة التي تجمعهم ضد سيدهم – توحدهم وتجعل لهم فكرة واحدة للمقاومة وهي الاتحاد. وهكذا فالاتحاد يمتاز دوماًبهدف مضاعف: ان يضع حداص للمنافسة بين العمال حتى يستطيعوا ان يحققوا المنافسة العامة مع الرأسمالي. اذا كان اول هدف النقاومة عبارة عن تحقيق الأجورفان الاتحادات تشكل نفسها بجماعات كما ان الأسماليين بدورهم يتحدون وهدفهم اخضاع العمال، وتصبح وحدتهم اهم من مسالة الأجور. هذه حقيقة، حتى ان القتصاديين الانكليز يدهشون عندما يرون العمال يضحون قسماً كبيراً من اجورهم لأجل تجمعاتهم التي هي في نظر هؤلاء الاقتصاديين قد تاسست فقط لأجل الأجور. وفي هذا الصراع – وهو حرب مدنية حقيقية تتحد وتنمو كل العوامل الضرورية لمعركة مقبلة، وعندما تصل هذه النقطة يتخذ التجمع شكلاً سياسياً.
إن الأحوال الاقتصادية حولت مجموعة سكان القرى إلى عمال. وخلق اتحاد رأس المال لهذه المجموعة حالة عامة ومصالح عامة. وهذه المجموعة هي بذاتها طبقة ضد الرأسمال. ففي هذا الصراع تتحد هذه المجموعة وتشكل كطبقة لنفسها. وتصبح المصالح التي تدافع عنها مصالح طبقة. لكن صراع طبقة ضد طبقة يكون صراعاً سياسياً.
نجد في البرجوازية ناحيتين: إنها شكلت نفسها كطبقة في النظام الاقطاعي وفي الملكية المطلقة فشكلت طبقة وطفت وخدمت الاقطاعية والملكية لتجعل المجتمع مجتمعاً برجوازياً. وكانت أولى هاتين الناحيتين الاطول وكانت تحتاج لجهد اكبر. وابتدأ هذا باتحادات جزئية ضد الاسياد الاقطاعيين.
حاول الناس كثيراً ان يعرفوا حقبات التاريخ النختلفة التي مرت بها البرجوازية. من طورها كجماعة لتشكيلها كطبقة، ولكن عندما تكون المسألة مسألة دراسة الاضرابات والاتحادات واشكال اخرى تقوم بها البروليتاريا لينظموا انفسهم كطبقة فإن البعض يخافون والبعض ينظرون لهذه الدراسة بنوع من الحتقار والهزء.
إن وجود طبقة مظلومة هو الشرط الأساسي لكل مجتمع قائم على صراع الطبقات. وان تحرير الطبقة المظلومة يتطلب خلق مجتمع جديد. ولكي تكون الطبقة المظلومة قادرة ان تحرر نفسها فمن الضروري ان لا تكون القوى الانتاجية والعلاقات الاجتماعية الموجودة قادرة ان تكون جنباً إلى جنب. ان كل وسائل الانتاج، وات اعظم قوى منتجة هي الطبقة الثورية نفسها. ان تنظيم العوامل الثورية كطبقة يفترض وجود كل القوى الانتاجية التي يمكن خلقها في صدر المجتمع الجديد.
هل هذا يعني انه بعد سقوط المجتمع القديم ان طبقة جديدة ستكون قادرة على ادارة حكم سياسي قدير ؟ كلا.
إن شرط تحرير الطبقة العاملة هو القضاء على طبقة، كما ان شرط تحرير الحالة الثالثة أي النظام البرجوازي كان القضاء على الملكيات وعلى كل الانظمة الأخرى.
إن الطبقة العاملة – وهي في طريق نموها – ستقيم مقام المجتمع المدني القديم تجمعاً يقضي على الطبقات وصراعها ولا تكون قوة سياسية كما ندعوها، طالما ان القوة السياسية هي الضغط القانوني على الصراع في مجتمع مدني.
إن الصراع بين البروليتاريا والبرجوازية هو صراع طبقة ضد طبقة – صراع يؤدي غلى ثورة عامة- ليس مدهشاً ان مجتمعاً قائماً على صراع الطبقات يجب ان يؤدي غلى تناقص وحشي، غلى اصطدام جسد بجسد، كنتيجة محتومة له ؟
لا تقل ان الحركة الاجتماعية تقضي على الحركة السياسية. لا توجد حركة سياسية الا وهي حركة اجتماعية.
إنه في نظام الاشياء فقط حيث لا توجد طبقات ولا صراع طبقات نجد ان التطورات الجتماعية ستظل ان تكون ثورات سياسية. وان اخر كلمات العلم الاجتماعي- لدى تنظيف المجتمع – ستكون:
« الصراع أو الموت، الاصطدام الدموي أو العدم. هكذا يجب أن نضع المسالة ». جورج ساند
ملتقى طلاب الجامعة... منتدى غير رسمي يهتم بطلاب جامعة دمشق وبهم يرتقي...
جميع الأفكار والآراء المطروحة في هذا الموقع تعبر عن كتّابها فقط مما يعفي الإدارة من أية مسؤولية WwW.Jamaa.Net