يصعب أن تذكر الحرب العالمية الثانية دون أن يذكر السر العجيب في انتهائها .. بل يكاد بعض المحللين أن يمتدحوا تلك الخطوة "الشجاعة" التي قامت بها الولايات المتحدة لإنهاء الحرب .. و يزعمون أن تلك القنبلتين اللتين حصدتا أرواح مئات الأبرياء في غداة واحدة و أحرقتا الأخضر و اليابس و أهلكتا الحرث و النسل كانتا فعليًا قد حقنتا دماء آلاف من الأبرياء الذين كانت ستزهق أرواحهم لو أن الحرب استمرت ! 
ما يزال العالم يتحدث عن القنبلة النووية منذ الحرب العالمية الثانية و حتى الآن .. بين متخوف و مفاخر و ثرثار يسهب الشرح فيما لا يفقه .. لكن الفيزياء ترى انفجار هيروشيما و ناجازاكي بعين أخرى .. فهي ليست إلا حلقة من حلقة مسلسل ذلك العلم المهيب .. علم الفيزياء النووية !!
في العامين 1910 و 1911 قام ارنست رذرفورد (Ernest Rutherford 1871-1937) بإجراء سلسلة من التجارب تهدف للكشف عن التركيبة الداخلية للذرات كانت الأولى من نوعها .. حيث كانت التكهنات الفلسفية و التصورات المنطقية – و اللا منطقية – هي التي تسود العلم بخصوص الفكرة عن التركيب الداخلي للنواة .. عرفت الخطوة الأولى في درب هذا العلم باسم "تجربة تشتت رذرفورد" و التي أجراها بمساعدة طالبيه هانس غايغر Hans Geiger و إرنست مارسدن Ernest Marsden , حيث قام بقذف صفيحة رقيقة من الذهب بإشعاع من جسيمات ألفا "أنوية الهليوم" الموجبة الشحنة و من ثم استقبال الإشعاع المتبعثر عن الصفيحة في كل الاتجاهات على لوح حساس من سولفيد الزنك ( كبريت الزنك ) .. و قد كانت تجربته البدائية إلى حد ما قد أنجبت علمًا جديدًا اسمه "علم أنوية الذرات" أو ما يعرف بــ"علم الفيزياء النووية"
بعد رذرفورد تعاقبت أجيال من العلماء و الباحثين على كشف غوامض هذا المخلوق المتناهي في الصغر , و حاولوا مرة بعد مرة مضايقته و إزعاجه لمعرفة أسراره الدفينة و تتبع سلوكه و خصائصه الفريدة , و تشكلت مع السنين القليلة التي تلت تجربة رذرفورد قاعدة بيانات عملاقة حول هذا الأمر و ذلك بفضل عشرات المشاريع العلمية و مئات الأوراق البحثية و آلاف الساعات المخبرية ..  عندما توفي رذرفورد في 1937 كان المشروع القائم وقتها هو محاولة فلق هذه النواة إلى أنوية أصغر أو دمج أنوية صغيرة لتصير نواة واحدة , و هذا ما تم بالفعل خلال الحرب العالمية الثانية فبعد عديد المحاولات للعب بالنار و استفزاز النواة العصبية الهائجة الثائرة اليورانيوم 235  - و نيابة عنها أقول أنها لم تنفجر إلا كمدًا و غيظًا - , و "بفضل" هذه اللعبة وضعت الحرب أوزارها , و لعله يحضرني المثل الشهير " السلاح في يد النذل يجرح " و القنبلة في يد الولايات المتحدة فعلت ما فعلته.

يعتمد علم الفيزياء النووية اليوم على نتائج تجارب المسرعات و المفاعلات الحديثة و آخرها مسرع LHC الشهير الذي بني ليحاكي ظروف ما يعتقد أنه الانفجار العظيم Big Bang , و لكن البنية الأساسية للذرة باتت معروفة و محكومة بعلم كامل يعالج الجسيمات في المستوى الذري و ما دون الذري اسمه علم ميكانيك الكم Quantum Mechanics يدرس حركات و بيانات و معلومات الجسيمات في الأبعاد الصغيرة جدًا . و تخضع الذرة في توازنها أو تفاعلها لقوانين ميكانيك الكم (الميكانيك الكمومي) التي تشرح غرابة أطوار الذرة و الأنوية , فالذرة عبارة عن نواة صغيرة موجبة الشحنة مكتظة بالجسيمات الأولية (البروتونات و النيوترونات) يحيط بها على أبعاد كبيرة نسبيًا – بالنسبة لحجمها طبعًا – عدد من الإلكترونات السالبة الشحنة بحيث تكون الشحنة الكلية للذرة متعادلة , و فيما تشغل النواة جزئًا مهملاً من حجم الذرة تكون كتلتها هي غالبية كتلة الذرة, و الأمر أشبه بمسرح كبير تتجول في داخله ذبابة ؛ و يكون الحجم الكلي هو حجم المسرح و بإمكاننا استثناء الذبابة من حساباتنا و لكن عندما يتعلق الأمر بالكتلة (الثقل) فإن الذبابة ستكون كتلتها تقريبًا 2089 ضعف كتلة المسرح بأكمله !! و لله في خلقه شؤون

رغم الصورية الدموية التي ارتبطت بمصطلح الفيزياء النووية عمومًا فإن هذا العلم لم يكن علمًا عسكريًا و كفى ! فلعل أحد أبرز تطبيقات هذا العلم القاتل تكمن في فائدته في الحفاظ على حياة مرضى السرطان و محاولة تحسين أوضاع مرضى السكري و بعض الأمراض الأخرى , و قد كان للخصائص الفريدة التي أظهرها هذا العلم لعدد من المواد و الظواهر أثر بالغ في تطوير وسائل التشخيص (كالتصوير بالرنين المغناطيسي MRI و التصوير بفناء الجسيمات PET Scan  ) , و العلاج مثل قتل الخلايا السرطانية و بالمواد المشعة , و يضاف إلى هذا أن أغلب المفاعلات النووية هي مفاعلات سلمية تعمل على توفير الطاقة الكهربائية لعدد هائل من المستهلكين .. و ذلك لما يتمتع به التفاعل النووي من طاقة جبارة مصاحبة لحدوثه , و يذكر أن مفاعل تشرنوبيل كان مفاعلاً سلميًا للأغراض المدنية , و كذلك يذكر أن قرابة ثلث الدول الأوروبية النووية تعتمد على المفاعلات النووية في توفير أكثر من ثلث احتياجاتها من الكهرباء .. و دعونا لا ننسى أن النور و الدفء يرسل إلينا كل يوم من مفاعل نووي اندماجي جبار يسبحه اسم خالقه .. إنه مفاعل الشمس !!
إضافة إلى الفوائد العلمية الجمة في مجال معرفة الأرض و عمر الأحافير و طبقات الصخور و تقدير أعمار آفات المفقودين و التأريخ لتواريخ الحضارات التي لم تعرف التأريخ إضافة إلى الفائدة الجمة التي تقدمها للمحققين و الباحثين في القضايا الجنائية ناهيك عن أنها و بالمقام الأول تشبع شغف الإنسان بمعرفة كيف و ماذا و لماذا ؟؟

و لعل أشد ما يزعج الفيزيائي بالنسبة لتعريف الناس بماهية الفيزياء النووية هو عجزه عن طرح أغلب الظواهر و ذلك للغموض و الغرابة الشديدة التي تلف عالم الأنوية و الذرات .. "إذا قرأت هذا الكتاب و فهمته من أول مرة فتأكد أنك لم تفهم شيئًا" ماكس بلانك
و لكن و رغم هذا كله .. تبقى الصورة قاتمة و يبقى هذا العلم علم حرب و دمار .. فتطور هذا العلم أدى إلى تصنيع ما يشتبه بأنه قنابل نووية تكتيكية محدودة الأثر في تدميرها و لكنها طويلة الأمد في مدى فاعليتها التدميرية و الإهلاكية .. و قدرتها على جلب السرطانات و الأورام إلى حياة البؤساء التي لا تنقص سعادتهم الغامرة إلا تلك الفنون من الدمار !!



عذرًا على الإطالة

ايو والله يا اليزن
شكرا كتير على هالموضوع القيم
ونرجو المزيد    
اخوك سنيك

مشكور اخي موضوع جميل بارك الله بك

وفعلا شدني ما تحدثت عنه حول الاحاطة بالموضوع الطبي واثره البالغ في تطور العلوم


اخوك


ايهاب الغزال

موضوع مو بس حلو 
هادا موضوع عنجد بيستاهل انو الواحد يقرأه
بلا كترو من هل الموضيع
احسن من هل العلاك يللي عم ينحط
مشكور صديقي

موضوع مو بس حلو 
هادا موضوع عنجد بيستاهل انو الواحد يقرأه
بلا كترو من هل الموضيع
احسن من هل العلاك يللي عم ينحط
مشكور صديقي