الخلاصة في أحكام الاستغاثة والتوسل

للمؤلف: علي بن نايف الشحود
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين،وعلى آله وصحبه أجمعين،ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أمَّا بعد:
فإن هذا الموضوع من الموضوعات الهامة،والتي شغلت حيِّزا كبيرا ولا سيما عند المتأخرين منهم. ولا خلاف بين المسلمين أن الأصل في ذلك الاستعانة بالله تعالى وحده والتوكل عليه لقوله تعالى:« وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» (البقرة:186). وقوله تعالى:« وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ » (غافر:60). وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ  يَوْمًا فَقَالَ:" يَا غُلاَمُ إِنِّى أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَىْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَىْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ " .
ولكن لما ثبت أن النبي  علَّمها لبعض أصحابه – كما في حديث الأعمى الذي سيمرُّ بعد قليل - وفعلها الصحابة رضي الله عنهم،ومن بعدهم دلَّ ذلك على جوازها،وأنها لا تنافي التوحيد الخالص.
وأما الآيات الواردة في النهي عن دعاء غير الله تعالى كقوله تعالى:« قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً » (56،سورة الإسراء)،وقال تعالى:« قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ» (سورة سبأ:22) ونحو ذلك من آيات،فالمقصود بها الكفار والمشركون وليس المسلمين،فلا أحد من المسلمين يعتقد أنَّ أحداً ينفع ويضر بذاته من دون الله تعالى، فالمشركون يعتقدون أن هذه الأصنام تنفع وتضرُّ من دون الله .وأنها تقربهم إلى الله زلفى .
ونلاحظ في هذه القضية طرفان ووسط:
أمَّا الطرف الأول:فأنكروا جوازهما وقد بالغوا في الإنكار،واعتبروا أنَّ جميع الأحاديث الواردة في ذلك فهي إما ضعيفةٌ أو موضوعةٌ،بل أنكروا الصحيح منها أو أوَّلوه – بغير حق – تأويلاً متعسَّفاً .
بل اعتبروا أن من فعل ذلك وقع في الشرك الأكبر- لا الأصغر- المخرجِ من الملة والعياذ بالله.
الطرفُ الثاني:الذين أجازوهما،فاستدلوا بأحاديث واهيةٍ وموضوعةٍ،بل ذهب بعضهم إلى اعتبار هذه الأمور من أصول الدين،حيث قالوا:(( نؤمنُ ونعتقد بالتوسُّل بسيدنا رسول الله  "! .
وكلا القولين قد جانب الصوابَ،وأبعدَ النُّجعةَ .
الطرفُ الوسطُ:فهم جمهور السلف والخلف،فقالوا بمشروعية الاستغاثة والتوسل،ومنهم من استحبهما،ولم يقل أحد من المتقدمين أنَّ ذلك من أصول الدين كما زعم أصحاب المذهب الثاني،ولا أنَّ فاعله منَ المشركين الشرك الأكبر كما زعم أصحاب القول الأول .
فالمسالةُ فرعيةٌ بحتةٌ،وليستْ من أصول الدين بيقين .
ولكنك إذا نظرت في الكتب التي ألفها الطرفان المتنازعان لرأيت العجب العجاب،من مخالفة واضحة وصريحة لما كان عليه السلف والخلف .
وطريقةُ عملي في هذا البحث هي كما يلي:
أولا- ذكرت ما ورد بالموسوعة الفقهية واعتمدت عليها بتقرير المسألة لأن كلا الطرفين المتنازعين يسلِّمُ بها حول هاتين القضيتين،من حيث الجملة،واستدركت ما فاتها من أدلة ومصادر.
ثانيا- قمت بعزو الأقوال لأصحابها من مصادرها الرئيسة .
ثالثا- قمت بتخريج الآيات من القرآن الكريم .
رابعا- قمت بتخريج الأحاديث المرفوعة والموقوفة من مظانها،وحكمت على الأحاديث التي ليست في الصحيحين بما يناسبها،ولم أسلك مسلك المتشددين في الجرح والتعديل ولا مسلك المتساهلين في ذلك .
ولذا أقول:يجبُ على الطرفين المتخاصمين أن يتقوا الله تعالى في ذلك،وأن يبتعدوا عن التعصب والهوى،وأن يكون رائدهم الحق،أينما كان،قال تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ » (النساء:135) وأسال الله تعالى أن يجعلَ في هذه الرسالة لمَّ شعث المتنازعين فيها،والوصول إلى كلمة سواء،قال تعالى على لسان النبي شعيب عليه السلام:" إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ " (هود:88).
كتبه الباحث في القرآن والسنة
علي بن نايف الشحود
حمص في 3 ذو القعدة لعام 1428 هـ الموافق لـ 12/11/2007
وقد تمت مراجعته وتعديله بتاريخ 20 ربيع الآخر لعام 1429 هـ الموافق لـ 26/4/2008 م

تفاصيل كتاب الخلاصة في أحكام الاستغاثة والتوسل

للمؤلف: علي بن نايف الشحود
التصنيف: المكتبة الاسلامية -> العقيدة الاسلامية

نوع الملف: rar
أضيف بواسطة:
بتاريخ: 31-08-2009
عدد مرات التحميل: 498
مرات الزيارة: 930

عرض جميع الكتب التي أضيفت بواسطة:
عرض جميع الكتب للمؤلف: علي بن نايف الشحود

تحميل كتاب الخلاصة في أحكام الاستغاثة والتوسل للمؤلف: علي بن نايف الشحود

اخترنا لك أيضاً

تحميل كتاب الحياة في سبيل الله لـِ: هارون يحي

الحياة في سبيل الله

(1)

لـِ: هارون يحي
كتاب - الحياة في سبيل الله - للمؤلف : هارون يحي الدين الإسلامي -> العقيده

تحميل كتاب الزيادات على المنظومة الشبراوية لـِ: حافظ بن أحمد الحكمي

الزيادات على المنظومة الشبراوية

(0)

لـِ: حافظ بن أحمد الحكمي
كتاب - الزيادات على المنظومة الشبراوية - للمؤلف : حافظ بن أحمد الحكمي الدين ا

تحميل كتاب قضية التكفير بين أهل السنة وفرق الضلال في ضوء الكتاب والسنة لـِ: سعيد بن علي بن وهف القحطاني

قضية التكفير بين أهل السنة وفرق الضلال في ضوء الكتاب والسنة

(0)

لـِ: سعيد بن علي بن وهف القحطاني
كتاب - قضية التكفير بين أهل السنة وفرق الضلال في ضوء الكتاب والسنة - للمؤلف :

تحميل كتاب الاستبداد لـِ: احمد الخليلي

الاستبداد

(333)

لـِ: احمد الخليلي
يتكلم عن الاستبداد مظاهره قديما وحديثا وطرق مواجهته ونماذج لذلك

تحميل كتاب كشف الشبهات في التوحيد لـِ: محمد بن عبد الوهاب التميمي

كشف الشبهات في التوحيد

(0)

لـِ: محمد بن عبد الوهاب التميمي
كتاب - كشف الشبهات في التوحيد - للمؤلف : محمد بن عبد الوهاب التميمي الدين الإ

تحميل كتاب عليكم بسنتي لـِ: وحيدالدين خان

عليكم بسنتي

(0)

لـِ: وحيدالدين خان
كتاب - عليكم بسنتي - للمؤلف : وحيدالدين خان الدين الإسلامي -> العقيده

تحميل كتاب التوحيد في القرآن بين أهل السنة والرافضة لـِ: عبد الرحمن دمشقية

التوحيد في القرآن بين أهل السنة والرافضة

(0)

لـِ: عبد الرحمن دمشقية
كتاب - التوحيد في القرآن بين أهل السنة والرافضة - للمؤلف : عبد الرحمن دمشقية

تحميل كتاب  	  شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (ج2) لـِ:  	  الشيخ عبدالله الغنيمان

شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (ج2)

(853)

لـِ: الشيخ عبدالله الغنيمان
شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري

تحميل كتاب تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد لـِ: محمد بن الأمير الصنعاني

تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد

(0)

لـِ: محمد بن الأمير الصنعاني
كتاب - تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد - للمؤلف : محمد بن الأمير الصنعاني -ت

أكثر الكتب زيارة وتحميلاً:

أضف كتاباً

سـاهم في إثراء المكتبة العربية

مكتبة ملتقى جامعة دمشق الإلكترونية التفاعلية
أحد مشاريع شركة Shabab SY البرمجية
معا نرتقي...

جميع الحقوق محفوظة لمؤلفي الكتب ولدور النشر
موقعنا لا ينتهك أى حقوق طبع أو تأليف وكل ما هو متاح عليه من رفع ونشر أعضاء الموقع الكرام، وفى حال وجود أى كتاب ينتهك حقوق الملكية برجى الإتصال بنا على [email protected]
الرؤية والأهداف | سياسة الخصوصية | إتفاقية الاستخدام | DMCA