الانصاف
إذا كان لك صديق تحبه و تواليه ، ثم هجمت منه على ما لم يحلُ في نظرك ، و لم يتِّفق مع ما علمتَ من حاله ، و ما اطَّردَ عندك من أعماله ، أو كان لك عدوٌ تذمُّ طباعه ، و تنقم منه شؤونه ، ثم برقت له من جانب أخلاقه بارقة خيرٍ فتحدّثت بما قام في نفسك من مؤاخذة صديقك على الخصلة التي ذممتها و حمد عدّوك على الخلّة التي حمدتها ، عدَّك الناس متلوِّناً أو مخادعاً أو ذا وجهين تمدح اليوم من تذمّ بالأمس ، و تذمُّ في ساعةٍ من تمدح في أخرى ، و قالوا : إنكَ تُظهرُ ما لا تُضمِرُ ، و تُخفِي غيرَ الذي تُبدِي ، و لو أنصفوكَ لأعجبوا بك و بصدقك ، و لأكبروا سلامة قلبك من هوى النفس و ضلالها ، و لمسوا ما بدا لهم منك اعتدالاً لا نفاقاً ، و انصافاً لا خداعاً ، لأنك لم تغلُ في حب صديقك غلوَّ من يعميهِ الهوى عن رؤيةِ عيوبهِ ، و لم تتمسك من صداقته بالسبب الضعيف ، فعنيت بتعهُّد أخلاقه ، و تفقُّد خلاله لإصلاح ما فسد من الأولى ، و اعوجَّ من الأخرى .
إن صديقك الذي يبسم لكَ في حالَي رضاك و غضبك ، و حلمك و جهلك ، و صوابك و سقطك ، ليس ممّن يُغْتَبَطُ بمودته ، أو يوثق بصداقته ، لأنه لا يصلح أن يكون مرآتك التي تتراءى فيها فتكشف لك عن نفسك ، و تصدقك عن زينك و شينك و حلوك و مرك ، و هو إمَّا جاهل متهورٌ في ميوله و أهوائه ، فلا يرى غير ما تريد أن ترى نفسه ، لا ما لا يحب أن تراه ، و إما منافق مخادع قد علم أن هواك في الصمت عن عيوبك و تجرير الذيول ، فجاراكَ بما تريد ، ليبلغ منك ما تريد .
فها أنت ذا ترى أن الناس يعكسون القضايا ، و يقلبون الحقائق ، فيسمون الصادق كاذباً ، و الكاذب صادقاً ، و لكن الناس لا يعلمون .
******************
تحياتي للجميع
PIRLO 24